الكورد بين أربيل كوردستان وحميميم سوريا / روسيا

جان كورد
في وقتٍ سابق، التقى زعماء الكورد السوريين المنقسمين فيما بينهم إلى أحزابٍ ومنظماتٍ عديدة في مدينة هولير (أربيل) عاصمة إقليم جنوب كوردستان، وكذلك في مدينة دهوك، برعاية السيد الرئيس مسعود البارزاني وبإشراف مكتبه الرئاسي، في أكثر من جلسة مشتركة، حضرها مسؤولون من المجلس الوطني الكوردي ومن حزب الاتحاد الديموقراطي، وتم توقيع وثائق وتعهدات من قبل الطرفين، ثم تنصل منها البعض واتخذ البعض الآخر ذلك التنصل حجةً للتهرب من تحمل أي مسؤولية تجاه الفشل الذريع لتلك الاجتماعات الهامة، بهدف إحباط مساعي رئاسة الإقليم الحميدة التي لها تاريخ عريق في مد يد العون للحركة الكوردية في غرب كوردستان منذ أيام ثورة أيلول المجيدة في عهد القائد الكوردستاني الراحل الملا مصطفى البارزاني (1961-1975). 
ومنذ ذلك الحين، تنفرج زاوية التباعد بين طرفي الحركة الكوردية الأساسيين في غرب كوردستان باستمرار، فالمجلس الوطني اختار الانضمام إلى الحلف العربي – التركي في المنطقة وحزب الاتحاد الديموقراطي مع حلفائه الآخرين استمر على الطريق الذي سماه ب”الخط الثالث”، الذي لا يعني في الحقيقة سوى البقاء ضمن الحلف الأسدي – الإيراني – الروسي، رغم المعارك الجانبية بين وحدات حماية الشعب (و .ح. ش) وقوات نظام الأسد من حين لآخر، ثم التصالح بعد أيامٍ قليلة من نشوب النزاع المسلّح بينهما، ورغم أن كورد “الخط الثالث” تمكنوا من السيطرة على المنطقة الكوردية في شمال البلاد، من دون اصطدامات حقيقية مع الجيش السوري ومن دون أن يقصفه النظام كما قصف ويقصف المدن السورية، مثل دمشق وحلب، إلاّ أن التمثال المحروس للأسد الأب في وسط مدينة القامشلي، وعقد البعثيين المعادين للكورد (كلياً) لمؤتمرهم في تلك المنطقة دليل ساطع على أن ظل النظام الأسدي لا يزال ممتداً على المنطقة الكوردية “المحررة!”، شاء المسيطرون عليها الاعتراف بذلك أم أبوا، بل إن المعارضة السورية تتهم “كورد الموالاة!” بأنهم يساهمون مع قوات النظام في محافظتي حلب والحسكة في الهجوم على مواقع ووحدات الجيش السوري الحر المعارض للنظام.    
من جهة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية حدث الكثير من اللغط والتهجم والعسف بحق الشعب الكوردي، بل الكثير من الهجوم العنصري الفاشي على مطالب الحركة الكوردية، على ألسنة بعض زعمائه الذين يظنون بأنهم الأقدر على تمثيل سوريا المستقبل، ومنهم الفيلسوف برهان غليون، والعسكري أسعد الزعبي، والمثقف رياض نعسان آغا، والمنفتح المسيحي ميشيل كيلو، وبعض الإعلاميين الذين منهم من انحط خلقياً في هجماته على الكورد لدرجة ترفعنا عن ذكر أسمائهم، إلا أن الائتلاف استطاع اجتذاب المجلس الوطني الكوردي بأن وضع بعض النقاط الهامة على طاولة مناقشاته بصدد القضية القومية لشعبنا في سوريا، وكان هذا سبباً لانضمام المجلس الوطني الكوردي إليه، على الرغم من أن تصريحات زعماء الائتلاف تتناقض تماماً مع ما تم الاتفاق عليه مع المجلس، وهذا الاتفاق هو أحد الأسباب في هجوم متواصل على الائتلاف والمجلس الكوردي، ليس من قبل النظام وحده، وإنما من قبل حزب الاتحاد الديموقراطي ومن يسير في موكبه أيضاً، فهؤلاء ينعتون الطرفين بالعمالة لأردوغان، وهم ضد أي كيانٍ قومي للكورد في سوريا. بل إن بعضهم ممن نسميهم بالمحاربين القدماء يقولون بصراحة وعلانية أنهم ضد أي كيان قومي كوردي في كل الدول المحتلة لكوردستان، ولا يرد على هؤلاء إلاّ القلة من المثقفين الكورد. 
من الطبيعي أن يكون نظام الأسد ومعه نظام الملالي في إيران ضد طموحات الشعب الكوردي، ففي سوريا سياسة مستديمة، عنصرية وفاشية تجاه الكورد،  وفي إيران التي تحكمها عقلية طائفية وفارسية استعلائية، يفوق عدد المواطنين الكورد بعدة ملايين على عددهم في سوريا، ومن الطبيعي أيضاً أن ينضم لجوقتهما أولئك “الكورد” الرافضين لقيام كيان قومي لشعبنا أو المستعدين للتنازل عن كل شعبهم وأرضهم من أجل تأمين مصالحهم الحزبية الضيقة، ولذلك لم يأتِ أي مشروع حقيقي لرفع الغبن عن الكورد أو أي سعي لمنحهم حقهم القومي في غرب كوردستان، على الرغم من حدوث انتفاضة شعبية كوردية عظيمة في عام 2004  هددت وجود النظام في المنطقة الكوردية، وبسبب ضعف واختلافات، بل وقوف بعض أحزاب شعبنا ضد الانتفاضة ومع النظام مع الأسف، ظل النظام يتلاعب بعواطف بعض أولئك الزعماء ويغريهم بقبولهم كممثلين عن شعبهم في الوقت المناسب، حتى اندلعت الثورة السورية المجيدة، التي ساهم فيها الكورد بقوة.
ودخلت روسيا على الخط، بهدف صون مصالحها الاستراتيجية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بعد أن خذلت الأنظمة العربية الحاكمة الشعب السوري، وتأكد المجتمع الدولي بأن نظام الأسد يسعى لتقسيم سوريا، وبأن المجاميع المتطرفة تساهم في مشروع التقسيم. عملت روسيا التي لها الدور الأكبر إلى جانب إيران ومرتزقتها في دعم نظام الأسد الذي لا يتوانى عن ارتكاب مختلف الجرائم ضد الإنسانية، ولما رأت أن السياسيين الغربيين يحبذون تغيير تركيبة النظام المركزي في سوريا إلى نظامٍ اتحادي (فيدرالي) يضمن حقوق سائر المكونات القومية والدينية ويساعد في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، تحركت لتضرب على الوتر ذاته، في حين أنها فعلت ولا تزال لتمكين النظام الأسدي المركزي المتخلف من الاستمرار والبقاء، على جثامين مئات الألوف من الشهداء وركام المدن السورية. ومنذ سيطرة حزب البعث السوري على مقاليد الحكم في البلاد في عام 1963 لم يعر الروس أي اهتمام جاد بحق الشعب الكوردي وطموحاته ولا بأي تغيير حقيقي في شكل التركيبة الحاكمة، لا في عهد الشيوعية السوفيتية ولا في العهد الذي جاء من بعدها، على الرغم من أن أشكالاً عديدة من الحكم الذاتي والفيدرالية كانت معروفة جيداً في الاتحاد السوفييتي. 
بدأت روسيا تطالب المجلس الوطني الكوردي الذي انضم إلى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية بالتعاون مع النظام الأسدي، مثلما يفعل حزب الاتحاد الديموقراطي الذي كان في وقتٍ سابق قد يئس من الموقف الروسي غير الجاد بالوضع الكوردي في سوريا، على الرغم من أنه كان طرفاً مؤسساً لهيئة التنسيق الوطني السورية التي كانت روسيا تتعامل معها وكأنها أقوى الفصائل السياسية المعارضة لنظام الأسد، في الوقت الذي كانت ولا تزال هذه الهيئة غير قادرة على تنظيم أصغر تظاهرة سلمية في أي مدينة سورية كانت. 
وحيث أن روسيا، بعد أن تخلى السيد أوباما لها عن دور الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن صار نظام الأسد خارج دائرة اتخاذ القرار السوري، تجد نفسها الآن صاحبة السيادة على الأرض السورية وأن الأسد ليس إلآ  تابعاً صغيراً لها مثل رئيس الشيشان التي دمرها بوتين قبل سوريا، فإنها ترى المستقبل السياسي في سوريا مرهوناً بمدى استجابة قوى المعارضة السورية الأساسية التي لها تأثير في ساحة القتال داخل سوريا، لذا سعت لاجتذاب ائتلاف قوى الثورة والمعارضة ودعتها مراتٍ عديدة للحوار الذي لم ينجم عنه شيء لأن روسيا رفضت التخلي عن بشار الأسد، في حين كان مطلب المعارضة ابعاد الأسد أولاً عن الحكم في دمشق. وعندما فشلت روسيا في مشروعها، فإنها مارست حق الفيتو في مجلس الأمن في كل تصويت بصدد سوريا وعرقلت كل جهود الأمم المتحدة ورفضت تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مجلس الأمن والجمعية العمومية وفي محادثات جنيف لمراتٍ متتالية، وهذا دليل واضح على عدم تخلي الروس عن النظام المركزي المستبد في دمشق، رغم أن هذا الموقف يضر بسمعة بلادهم أمام العالم كله. 
وعندما فشلت روسيا في اقناع المعارضة السورية بالسماح للأسد بفترة أخرى للحكم، فإنها سلطت كل إعلامها وعملائها على المعارضة متهمة إياها بالعمالة لأردوغان والعربية السعودية وأنها تقبض الأموال الكثيرة وتموّل بها الإرهاب في سوريا ضد نظام الشرعية والسيادة الوطنية. وسعت لإحداث خرق في صفوف المعارضة بطرحها الحوار على الفصائل الكوردية في مطار حميميم، عساها تتوصل مع الروس إلى اتفاقٍ ما مع نظام الأسد المعزول سياسياً رغم تحقيقه الانتصارات العسكرية بفضل القصف الوحشي الروسي المستمر لحلب، ثاني مدينة في سوريا، وبسبب المجازر الجماعية المتتالية التي ترتكبها قوات الأسد المدعومة بالمرتزقة التابعة لإيران من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان وسواها.
فإذا كان بوتين يريد أي حلٍ جاد للقضية الكوردية في سوريا، فلماذا:
– لا يفرض على تابعه الأسد ما يجده من حل لها، ولماذا لا تأتي الدعوة لمثل هذا الحوار من رأس النظام الذي لا يستطيع رفض أي أمر روسي، إن كان فعلاً يتمتع بشرعية حكم، كما يزعم وزير خارجية روسيا لافروف في كل لقاءاته ومقابلاته بصدد الحرب في سوريا؟  
– لماذا تغض روسيا النظر عن التدخل التركي الذي كان ولا يزال هدفه منع الكورد من تحقيق أي طموح لهم في المنطقة الشمالية من سوريا؟ 
– لماذا لا تضغط على نظام الأسد ليمنع أتباعه البعثيين من التصرّف العنصري التهجمي على الكورد في القامشلي الكوردية وكأنهم لا يزالون السلطة الحاكمة التي تعتبر الكورد دخلاء على سوريا ويجب تعريبهم أو طردهم من البلاد. 
– لماذا لا تطلب (أولاً) من حزب الاتحاد الديموقراطي بالكف عن اعتقال المناضلين الكورد من الأحزاب الأخرى وعن منع بيشمركة الكورد السوريين المدربين على حرب داعش إلى مواطنهم من جنوب كوردستان؟
– ولماذا لا يطلب الروس من ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية المجيء إلى مطار حميميم للنقاش حول القضية الكوردية والسورية عامة؟  
في الحقيقة، لم يكن الكورد في يومٍ من الأيام مستهترين بأهمية الدور الروسي في قلب موازين الحرب وفي تحقيق السلام في سوريا، ولكن أيادي بوتين وجنرالاته منغمسة في دم الأبرياء السوريين أكثر مما يقوم به نظام الأسد وإيران من جرائم ضد الإنسانية فيها، لأنها القوة الأشد فعالية على الساحة السورية، فكيف تطلب هكذا قوة دولية غاشمة تقف مع نظام الإرهاب في دمشق من الكورد أن يقبلوا بالجلوس مع ممثليها وممثلي النظام في مطار حميميم الذي تنطلق منه طائرات روسيا لتقصف وتدمر وتحرق وتقتل الشعب السوري، فهل الكورد ساقطون أخلاقياً مثل الذين باعوا ضمائرهم ويهللون لكل برميل متفجر ولكل صاروخ مدمّر يقع على المواطنين السوريين؟  
وفي الحقيقة، يعمل الروس جاهدين على التمهيد لتأسيس الدولة العلوية لصون مصالحهم الاستراتيجية في الساحل السوري، وهذا يتطلب بعض الرتوش الضرورية التي منها التباحث مع الكورد حول “فيدرالية كوردية!”، في الوقت الذي هناك “فيدرالية شمال سوريا” التي يزعم مؤسسها أنهم يسيطرون على كل المنطقة الكوردية ويقولون صباح مساء “المجلس الوطني مجرد مجموعة من عملاء أردوغان وليس لهم أي تأثير على الأرض!”، فلماذا الدعوة لهذا المجلس طالما هو ضعيف ولا حاجة له؟ 
 
ونقول في النهاية: لماذا لا يعقد جنرالات الروس اجتماعهم مع ممثلي الكورد في دمشق أو في موسكو أو في طهران، إن كانوا جادين في منح هذا الشعب حقه القومي المسلوب؟ ولماذا لا يطلبون من الجيش التركي الانسحاب من شمال سوريا، والترك يعلنون بأنهم ماضون في منع قيام أي كيان للكورد على حدودهم؟
‏14‏ كانون الأول‏، 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…