الأرض تتكلم الكوردية!

جان كورد 
 كان العنصريون من العرب يقولون لنا أيام زمان بأن الأرض التي نعيش عليها تتكلم العربية، وكانت ذريعتهم في ذلك هي أن أجدادهم قد فتحوا الشام والعراق للإسلام، ونزعوها عنوةً من أيدي الروم، في اليرموك ومن أيدي الفرس في القادسية، فهي ارض فتحٍ عربي مبين، وليس أرض غزو واحتلال عربي. وكنا نحن الشباب الكورد لا ندري آنذاك كيف نقنعهم بأن أجدادنا الكورد من الميتانيين والهوريين والميديين والكوردوخ كانوا يعيشون على أرضنا المعروفة باسم “كوردستان” من قبل أن يبدأ الفتح العربي لبلاد الشام وما بين النهرين… فالسيف كما تقول العرب أصدق أنباءً من الكتب.
إلا أننا نعيش اليوم في الحاضر، وموازين القوى تغيرت، ليس في العراق والشام فحسب، وإنما في العالم أجمع، وهاهم البيشمركة الكورد يحررون أرضهم بنسبة 98% من جنوب كوردستان، ومعهم حفاراتهم التي تحفر تحت أمرتهم خندقاً عميقاً وطويلاً وواسعاً يفصل ما بين ما حرروه من الأرض وما لا يزال تحت سيطرة أحفاد الغزاة العرب، وكان يطلق على تلك المنطقة ب”المناطق المتنازع عليها” على الرغم من أنها كانت مغتصبة من أيدي الكورد سابقاً، وبخاصة في عهد خريج الجحور صدام حسين، وقام بتغيير ديموغرافيتها بالقوة والإكراه، حتى صارت الأغلبية السكانية في بعض القرى والمدن الكوردية الصغيرة “عربية”… مثلما فعل غريمه حافظ الأسد المقبور في غرب كوردستان، حيث أقام في المنطقة الكوردية أكثر من 40 مستوطنة عربية صرفة، مزودة بكل أسباب القوة، بعد طرد وتهجير سكانها الكورد منها، وهكذا يمكن القول بأن “الأرض تتكلم الكوردية” الآن، طالما أن قوة البنادق وفعالية الحفارات هي التي تحدد لمن هذه الأرض ولمن هي تلك… 
لقد طالب الكورد سلمياً أعواماً عديدة بتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي بصدد وضع كركوك الإداري، وهي المدينة التي كانت تعتبر أيام ثورة أيلول المجيدة (1961-1975/) بقيادة القائد الكوردي الأسطوري الخالد مصطفى البارزاني عاصمة مرتقبة لإقليم جنوب كوردستان، ولذا كان يسميها ب”قلب كوردستان”، إلاّ أن “مهزوم خيمة صفوان” استمر في تعريب المدينة، من دون أن ينكر كورديتها، إذ كان يقول قولاً كهذا: “صحيح، كركوك مدينة كوردية، ولكننا لن نعطيها لكم، لأنكم ستشكلون ببترولها دولتكم.”، ورغم دوام التعريب وعناد السلطة المركزية في بغداد، فإن السيد جلال الطالباني، الرئيس الكوردي الأسبق للعراق، كان يسمي كركوك ب”قدس الأكراد”، ومن بعد اسقاط نظام “حارس البوابة الشرقية للأمة العربية” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في عام 2003، تمسك بكركوك حكام بغداد الذين سلموا الموصل لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) بما فيها من أموال وعتاد حربي وبترول ومواد تموينية مخزونة وأسلحة متطورة من دون قتال لهدفٍ واحد، بهدف هام ألا وهو منع الكورد من خلال هجماتٍ واسعة للتنظيم الإرهابي عليهم من استعادة سيطرتهم على أطراف كركوك وتهديد وجودهم في عاصمتهم الحالية أربيل (هولير) بذاتها، ووقف جنوحهم نحو الاستقلال عن بغداد، إلا أن عزيمة القيادة الكوردية التي على رأسها مقاتل محارب ورث قيادة البيشمركة منذ عقودٍ من الزمن عن أبيه الشجاع وأخيه المحارب، وله من الخبرة في قتال الأعداء ما يكفي للتصدي لكل المغامرين والإرهابيين الذين تسول لهم نفوسهم مهاجمة الشعب الكوردي، قد أفشلت هذه العزيمة خطط الهالكي ومن يقف وراءه من أعمدة الإرهاب في العراق وخارجه، فتم إيقاظ العالم بسبب وحشية الإرهابيين،  وكسب الكورد عطف كل محبي الإنسانية في سائر أنحاء المعمورة، وتم دعمهم سياسياً وعسكرياً ومعنوياً، فلم يحرر البيشمركة أرضهم في جنوب كوردستان فحسب، وإنما ساعدوا الجيش العراقي الذي كان في الماضي يدمر بلاد الكورد ويمعن في تقتيلهم وتشريدهم وانتقلوا لتحرير ما كان يصعب على هذا الجيش العرمرم تحريره لوحده من المناطق من قبضة (داعش)، قبل البدء بعملية تحرير الموصل، ثاني أكبر مدن العراق بعد بغداد ، كما أن البيشمركة  بأمر من السيد البارزاني قد ساهمت مساهمةً رمزية في تحرير مدينة كوباني في غرب كوردستان “شمال سوريا!” من قبل. 
وهكذا، يمكن القول بأن “الأرض تتكلم الكوردية”، طالما القوة هي التي تحدد من يحكم ومن يسود ومن يمتلك أرضاً من الأراضي وبلداً من البلدان، وها هو بشار الأسد، الرئيس الذي نزعت جهات دولية ومنظمات عالمية عنه الشرعية لقيادة بلده، يقول: “إن سوريا لمن يدافع عنها!” ولا يقول “إن سوريا لمواطنيها”، وذلك إرضاءً لمن يدعمه من إيرانيين ومرتزقة طائفين ومن روسِ جاؤوا لتدمير بلاده وإذلال شعبه، في حين أن “الجيش المحمدي!” التركي، العضو في حلف الناتو، يدخل شمال البلاد السورية من دون دعوة أو مناشدة أو إذن، كما أن الطيران الاسرائيلي يقصف متى ما شاء الأراضي السورية، من دون أن يحرّك النظام جفناً، أو يتحرك العرب الذين يعتبرون إسرائيل دولة معادية، أو الإيرانيون ومعهم حزب الله اللبناني، وهم من أكثر الناس كلاماً معسولاً وكذباً ونفاقاً عن الممانعة والرفض والانتقام “في المكان والوقت المناسبين!”، في حين أن تركيا تتحرك بقوة لمنع الكورد من بناء أي إدارة ذاتية لهم، حتى على مستوى الكانتونات الهزيلة، وإيران تغدق بالأموال على بعض عملائها الكورد لنسف ما تم تحقيقه حتى الآن في جنوب كوردستان من إنجازات عظيمة، بحيث يبدو أن صراع العرب والترك والفرس مع الكورد أشد وأعظم من صراعهم مع أي كيانٍ إقليمي أو دولي. 
لذا، فليعلم الكورد في كل مكان أنه لكي يتمكنوا من القول دائماً بأن “الأرض تتكلم الكوردية!” يجب توحيد قواهم ودعم مقاتليهم الذين يتحدون الموت كل ساعة، وأن يكف بعضهم عن نسف ما يبنيه الآخرون، وألا يخفى عنهم قول آبائهم وأجدادهم المأثور: ” ره دبه بوست هه ما نه يار نابه دوست – قد تطول الذقن شبراً، إلا أن العدو يظل عدواً…” والأعداء كثيرون ومتفقون على دحر الكورد، ومنهم ذوو خطط وبرامج شيطانية مثل نوري الهالكي الطائفي الذي تعامل بذكاء ماكر مع داعش الإرهابي بهدف زجه في حربٍ بلا رحمة على الكورد… ومع الأسف، فإن بعض الذين أصابهم غضب الإرهاب قبل غيرهم يتحالفون اليوم مع ذات النظام الذي ترأسه الهالكي من قبل، ضد قيادة شعبهم الكوردي التي فعلت المستحيل لإنقاذهم من براثن الوحوش الإرهابية. 
الأرض تتكلم الكوردية بقدر ما تتمكن الحفارات من حفر الخندق الذي يفصل بين ما هو عائد للكوردي وما هو لغيره… وهذا يجب ألا يغيب عن بال أحد…  
‏09‏ كانون الأول‏، 2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…