عندما يدرس ترمب المستنقع السوري

د. محمود عباس
  سيدرك ترمب بأن ما قاله عن بوتين في حملته وكمرشح، ليست هي ذاتها التي سيقول عنه عند استلام أمور الإمبراطورية، المتحكمة بأكثر بقاع العالم؛ والمنافسة لروسيا وغيرها من الأقطاب الدولية، وسوف لن تكون هي ذاتها عندما سيحيطون به الألاف من الاستراتيجيين، وستنهال عليه العشرات من الطرق والأساليب والتكتيكات كرئيس إمبراطورية، وجميعهم لن يقبلوا التنازل لبوتين وتوسعه العسكري والاقتصادي في جغرافية الشرق الأوسط، ويتوقع أغلب المحللين الأمريكيين خاصة، أن تصعد المواجهة بين القطبين إلى شبه حرب باردة، وبأدوات وأساليب مختلفة، وعندما تفرد على الطاولة خريطة خسائر أمريكا في الشرق الأوسط، وخاصة تلك المتعلقة بتوسع جغرافية إيران السياسية والمنظمات الدائرة في فلكها، والمعتبرة أحد أخطر الدول على مصالح أمريكا في المنطقة، وعلى أمن واستقرار إسرائيل، والتي يخمن العديد من المراقبين بأنه كان للوبي اليهودي دور كبير على نجاحه في الانتخابات الرئاسية. 
1- لربما لم يدرس بعد مع مستشاريه، خيوط الربط بين القاعدة والسلطة السورية والإيرانية والمجموعات التي كانت تدرب في معسكرات ضمن الدولتين ويرسلون إلى العراق، فتم على أيديهم وبمساعدة السلطتين، وأسلحتهم، قتل ما لا يقل عن أربعة ألاف جندي أمريكي والألاف من الجرحى. 
2- على الأغلب لم يطلع بعد كيف استطاعت سلطة البعث السوري خلق العديد من المنظمات التكفيرية للتغطية على جرائمها في بداية الثورة السورية، وكيف نقلها من الصراع مع الشعب إلى صراع سني شيعي، بين السلطة والمنظمات التكفيرية.
3- قريبا سيعلم أن معظم ما قصفته طائرات الروس لا تتجاوز 8% من الأراضي السوري ولم تقصف وبشكل جدي داعش إلا مرة واحدة، عندما ضربت قافلة النفط المتجهة لتركيا لتبيان دور تركيا في ظهور داعش، والعلاقة بين الطرفين، ولم تكن لأضعاف داعش، وما تم من استلام وتسليم مدينة تدمر كانت وبمشورة روسيا، وبينت عن علاقة سلطة بشار الأسد مع منظمة داعش.
4- لا يستبعد بأنه عند استلام الإدارة ودراسة الاستراتيجيات عن قرب، ستظهر له بأن ضرب المعارضة السورية وترك بشار الأسد بطريقة أو أخرى ستزيد من عداوة السنة ضد أمريكا، ليس فقط المنظمات بل الدول، حتى ولو انهم لا يصرحون بها حالياً.
5- وعلى الأغلب سيقتنع أن إضعاف المعارضة السورية أو القضاء عليها تقوية لسلطة بشار الأسد وإيران، وهما أكبر عدوين للولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي هذه الاستراتيجية ستقوي موقف إيران من صفقة الاتفاق النووي، والذي يريد ترمب إعادة الحوار فيه.
6- لربما يسهى ترمب عملية حزب الله، في سنة تأسيسه، وبتخطيط إيراني، ضد الجيش الأمريكي، وآخر متزامن ضد الجيش الفرنسي، في عام 1983م عندما قتل فيها أكثر من 240 جنديا ضمن معسكرهم قرب المطار الدولي، وقرابة 60 فرنسياً، لكن الخبراء والاستراتيجيين الأمريكيين لن ينسوها ولن يسهوا عنها، وستكون صفحة حاضرة ضمن سياستهم في سوريا، وتعاملهم مع إيران. 
7- في الوقت الذي تجد فيه إسرائيل أن توسع إيران في المنطقة تشكل أكبر خطر عليها من جميع الدول الإسلامية الأخرى، والاستراتيجية الأمريكية القادمة ستتناقض ومصالح إسرائيل، وستعرضها إلى خطر مباشر، خاصة من المنظمات التي تتغذى من أئمة ولاية الفقيه كالحماس وحزب الله. وكذلك تصريحاته المتكررة حول الاتفاقيات التي عقدها إدارة أوباما مع إيران، وتشديده على إعادة تلك الاتفاقيات والحد من التوسع الإيراني النووي، لا تتماشى وتكتيكه بالإبقاء على سلطة بشار الأسد والقضاء على المعارضة السورية ويقصد هنا المعارضة المعتدلة والتي تمثل الشعب وليس الإسلام التكفيري، والدول الإسلامية المجاورة كالسعودية وتركيا.
8- لربما لا يزال غير مقتنع أن وجود المنظمات التكفيرية مرتبط بشكل مباشر بوجود أو غياب بشار الأسد وسلطته. 
9- لا شك استراتيجيته في سوريا، قد تقوي العلاقة بين تركيا وروسيا، وقد تتم تبادل المصالح، كأن تحتل تركيا شمال سوريا، وتصبح تركيا الجسر الواصل بينها وبين الشرق الأوسط.
10- لربما لا يهمه حالياً، بأنه في حال بقاء الأسد على السلطة، فإن أغلبية المهاجرين لن يتجرؤوا بالعودة أو لن يسمح لهم بطريقة أو أخرى، وبالتالي سيخلقون مشكلة دائمة لأوروبا والدول المحيطة بسوريا، وهي بذاتها ستكون عامل ضغط على هيئة الأمم ومنها على أمريكا كقضية دولية إنسانية دائمة.  
  عمليا يتوقع بأن ترمب خارج الإدارة لن يكون هو ذاته داخلها، وتصريحاته حول الشرق الأوسط، وسوريا بشكل خاص، من عدم الاعتراف بالمعارضة، أو تشكيل حكومة وطنية، إلى تغيير أو بقاء سلطة بشار الأسد أو شخصه كرمز، لن تكون هي ذاتها، والتدخلات التركية في شمال سوريا،  لمصالح قومية ذاتية، وليست لدحر داعش أو لمصالح الناتو العسكرية أو الأمريكية في المنطقة، والمتناقضة مع اعتماد أمريكا على القوات الكردية كأحد أهم أدواتها في دحر داعش، ستعاد دراسة كل هذه القضايا على بنية الاستراتيجية القادمة،، والاحتمالات ترجح تصعيد الدعم الكردي إلى حيز الاعتراف السياسي، ضمن فيدرالية سورية،  ورغم ذلك فمن السابق لأوانه التأكيد على مسارات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، فكل الاحتمالات مطروحة، ولها علاقة قوية بالإدارة التي ستتشكل قريبا. 
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
19/11/2016م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…