محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
ديرك في 10/10/2016
كأنما هناك كيمياء خاصة بانبعاث الأفكار (او توالدها) في-او من -العقل الإنساني.
فالتأمل بعمق في تكوين فعالية العقل الإنساني يقودنا إلى ملاحظة مجموعة عوامل لها صلة بها، ومعرفتها. وهذا نهج لا يفعله معظم الناس، ليبقى نهجا نخبويا –إذا صح التعبير.
قليل ممن تشبّعوا برغبة بحث، لديهم استعداد وقدرات للكشف عن أسرار العقل، وآلية التفكير لديه كقوة خاصة من جهة، وقوة متعايشة-او متناغمة – في مسار طبيعي لفعل التفكير المتوازن من جهة أخرى.
انه مسار تتفاعل معه –او فيه-مختلف قوى نفسية تشكل بمجموعها قِوامَ العقل الذي يقوم بالتفكير، وفي حالتها التفاعلية بانتظام خاص.
فما يمكن اعتباره خلاصة بحوث نفسية توصل إليها علماء النفس، بجهود استغرقت زمنا طويلا يزيد عن قرنين هو: إن العقل قوة خاصة واعية في تكوين بنية النفس الإنسانية. و يمتاز بقدرة على التمييز، لكنه يمثل قوة تمييز فحسب. أي بمعنى ما، يمكن توصيفه(العقل) بانه حيادي، خال من الفعالية بنفسه، لذا فقوته تحتاج إلى قوة أخرى تعطيها الدفع (الفعل او التنفيذ). أشبه بوقود الدفع في محرك ميكانيكي. ربما هذه القوة تتجسد في الانفعال (العاطفة، الميول، الغضب، الخجل…) وهو مجموعة انفعالات ذات طابع حيوي فاعل. لكنها أيضا، تحتاج تنظيما يقوم به العقل. (تفاعل مزدوج معقد). العقل ينظم الانفعال، والانفعال يوفر للعقل قوة الدفع التي يستخدمها في تفعيل هذا التنظيم.
هذه ظاهرة في مجمل دراسات تتناول الإنسان كموضوع نفسي. فهو(الإنسان) في موقع الباحث(الفاعل) من جهة، وهو نفسه موضوع للبحث في ذات اللحظة. ومن جهة ثالثة هذا يشير إلى تميّز الإنسان الذكي والعبقري –بغض النظر عن البحث في العلاقة بين مفهوم المادية والمثالية الإشكاليتين. فذلك يؤدي يقود إلى البحث في أصل الخلق. ولذلك مجاله.
هنا نحاول تسليط الضوء على العقل كقوة فاعلة ومتفاعلة مع مجموعة قوى تمده بالفعالية –خاصة القدرة على التنفيذ-وهي ما نسميها –عادة – الإرادة. لكن الإرادة ذاتها تمثل حالة استعداد توفره نتائج تفاعل العقل مع القوى الانفعالية كما أسلفنا.
فهل توفّر الإرادة هو الخطوة التي تقوم بالتنفيذ؟ ربما نعم، وربما لا. لكن الأكثر ترجيحا هو، لا. فكان هناك خطوة أخرى تحتاجها الإرادة لتتحول الفكرة(الأفكار) إلى حالة (او مرحلة) تطبيقية/تنفيذية. ما هي هذه الخطوة؟
يبدو -مرة أخرى -إنها قوى انفعالية ممتزجة بالتفكير، و تعطيها طاقة (وقودا) توفر لها الاستعداد والقدرة، ومن ثم الدفع والتنفيذ. نلاحظ تعقيدا في التداخل لا يسهل تفكيكه وتحليله.
وفي هذه المساحة غير الواضحة –او العاتمة-ربما هي المشكلات التي يقع الإنسان فيهاـ ومنها سوء تنفيذ ناتج عن عدم وضوح يربك المشهد.
كلما زاد الوعي، وفهم مكونات النفس الإنسانية والصلة بينها … كان ذلك فرصة أفضل لمعرفة هذه المكونات، وتفاعلها، ودورها في تحقيق التناغم، حتى لو بقيت تفاصيل جزئية غير مفهومة تماما. فالفهم الكلي والنهائي للإنسان وقواه النفسية المختلفة ليس متاحا –على الأقل حتى اللحظة-.
لكن –في المقابل – إدراكها بعمومية ضمن الحاجة لممارسة حياة معقولة ومقبولة يبدو متاحا. لكن هذا الإدراك متدرج (ومتفاوت) بسبب اختلاف مساحة الوعي، وقوة الإضاءة فيها.
يوصف يعضهم -لذلك- بالجاهل، او المتعلم، او الواعي، او ذي وعي قليل، او الحكيم …الخ. وبالقدر الذي تكون الإضاءة أكثر كشفا، والقوى المتفاعلة أكثر فهما وأكثر تجربة وتدربا…فإنها توفر الاستعداد لإنتاج وعي أفضل، وعناصر فيه نسميها أفكارا. وكأنما هذا الكسب يوفر حالة تفاعل كيميائي بين المعرفة ومستواها، ودرجة الخبرة والاكتساب …لتصبح قابلة لإنتاج حيوي ومبدع للأفكار.