رودوس خليل
منذ ثماني سنوات وصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية بخطوط براقة وملائكية رافقت حملته الإنتخابية وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول حول العالم وإنهاء الحرب في العراق وسحب القوات الأمريكية من هذا البلد وتقليصها في أفغانستان وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وصولاً إلى حل الدولتين وتفائل الناس خيراً وخصوصاً بعد خطابه الشهير على مدرج جامعة القاهرة ومخاطبة الحضور بالسلام عليكم أولاً وحديثه عن حوار الأديان والثقافات والوقوف إلى جانب الحلفاء وهنا نتحدث عن السياسة الخارجية الأمريكية والتي هي ما تهمنا نحن ساكني الشرق الأوسط .
يقول عالم اللاهوت الأمريكي رينوليد نيبور أن أكبر خطأ في السياسة الخارجية الأمريكية هو افتراض البراءة وهذا ما اتبعه باراك أوباما في سياسته الخارجية وخصوصاً بعد انفجار الأزمة الأوكرنية في أوربا وانطلاق موجات الربيع العربي وتركه العراق تحت النفوذ الإيراني وتشجيعها على التمدد في سوريا واشعالها الحرب اليمنية بإنقلاب ذراعها الحوثي على الشرعية هذا فضلاً عن تدخلها في لبنان وشلها للحياة السياسية في هذا البلد ونجاحها في استنساخ الحالة اللبنانية في كردستان العراق الحليف الأبرز للولايات المتحدة الأمريكية من خلال أحزاب كردية حليفة لها وصمتها الغريب عن انتهاكات لحقوق الإنسان في إيران التي تطلعنا عليه وزارة الخارجية الأمريكية كل عام .
لم يدرك باراك أوباما إن البراءة الزائدة هذه يستوجب معها الوقوف عند الجانب الأخلاقي والهيبة الأمريكية وهي بلد الحرية وحقوق الإنسان بضرورة الوقوف إلى جانب الشعوب المضهدة المطالبة بالحرية والديمقراطية والحد من نفوذ الدول المعادية التي تحاول بسط السيطرة على مناطق تعتبرمن المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية فضاعت الهيبة ومعها الأخلاق .
وإذا تحدثنا عن الثورة السورية حاول النظام وحلفائه تغير وجه الثورة الملائكي إلى وجه شيطاني ونجحوا في ارعاب العالم من خلال تنظيم الدولة الإسلامية الذي غير مسار الثورة إلى صورة من الأرهاب والدموية ونجح هذا التنظيم في بسط سيطرته على مناطق شاسعة في العراق وسوريا بل امتدت خلاياه إلى أكثر من دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهددت القارة الأوربية بالعديد من العمليات الأرهابية وازداد عدد اللاعبين على الساحة السورية والجميع استخدم تنظيم الدولة لفرض الرؤية ومد النفوذ .
الولايات المتحدة ساعدت داعش في تمددها بعدم الأكتراث والتظاهر بالبراءة وعدم التدخل في القضاء عليه ألا متأخراً بعد أن وصل التنظيم إلى نقطة أعلان الدولة لم ينتبه أوباما ومن ورائه الحزب الديمقراطي أن هذه السياسة ستؤثر على الداخل والشعب الأمريكي الذي بدأ يعيش حالة من الرعب من خلال الانزارات المتكررة وإخلاء العديد من المناطق الحيوية تحت ذريعة الارهاب القادم من داعش وهنا أعتقد أن الرئيس أوباما هو صاحب الفضل الأكبر في بروز ونضوج داعش وأن الانعزالية وعدم التدخل في العراق وسوريا بصورة جدية وتلاشي خطوطه الحمراء هو السبب وراء تقدم داعش ولكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما له فضل أخر وهو ظاهرة دونالد ترامب المثير للجدل والسخرية .
أن اختيار الناخب الأمريكي لترامب هو بمثابة الانتقام لباراك أوباما ولسياساته ومحاولة تصحيح الأخطاء التي مست الهيبة الأمريكية على الساحة الدولية وعدم التصويت لهيلاري كلنتون الذين اعتبروا وصولها للبيت الأبيض بمثابة ولاية ثالثة لزوجها بيل كلنتون وفي أسوء الأوضاع ولاية ثالثة لباراك أوباما .
حالة الرفض للفساد السياسي والتبرعات غير النزيهة والدعم السري والجهري من قبل وسائل الأعلام الأمريكية والبيت الأبيض لمرشحة الحزب الديمقراطي التي سموها بصاحبة التحالف الفاسد بين السلطة والمال دفعت الطبقات الكادحة وكبار السن وسكان الأرياف واصحاب الشهادات المتوسطة إلى التصويت لترامب وهم حوالي الأربعين مليون الذين لم يصوتوا في الانتخابات الماضية عام 2012 للديمقراطيين وكانت أغلبية صامتة وغير ظاهرة لمؤسسات استطلاع الرأي .
إن ما جرى من انتصار ساحق وغير متوقع لمرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب كان شبيه ما جرى في المملكة المتحدة من نتيجة الاستفتاء للخروج من الاتحاد الأوربي حيث الملايين الصامتة والمخفية التي صوتت لصالح الخروج وليس غريباً أن يفوز اليمين المتطرف في بقية الدول الأوربية قريباً.
ارتاح الناخب الأمريكي من عنوان الحملة الإنتخابية لترامب وهي عودة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمة وذهبت كل محاولات حملة هيلاري كلنتون بتصوير ترامب بالإنسان الوحش والشاذ وغير الأخلاقي وبالمدفع الفالت أدراج الرياح .
ترامب بدأ منذ اعلان النتائج النهائية لفوزه بالحصول على البيانات الاستخبارية التي تتضمن معلومات سرية جداً كالتي كان يحصل علبها الرئيس باراك أوباما والتي تعرف ببايانات الرئيس القومي والتي يقدمها عملاء المخابرات الأمريكية وليس المعنيين بالسياسة هؤلاء العملاء الذين هاجمهم ترامب في حملته الانتخابية واتهمهم بتضخيم التهديد الروسي .
ترامب الذي هاجم الإدارة الأمريكية الحالية والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون واظهر نفسه بالمعارض لكل السياسات والبرامج التي عمل عليها الرئيس الحالي والوعود الانتخابية التي تطلقها هيلاري كلنتون سيسمع بشكل يومي تقرير المخابرات الأمريكية عن الارهاب المحتمل وتهديدات كوريا الشمالية وبرنامجها النووي والصين وسيجد نفسه في مطب كبير مقابل ما طرحه من وعود في حملته االانتخابية وكيفية الوفاء بها فهو مرشح من خارج المؤسسة السياسية ولم يتقلد أي منصب سياسي في حياته .
وإلى حين تشكيل الإدارة الجديدة كيف ستبدو السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في حال وفاء ترامب بوعوده المثيرة للجدل والمقلقة لكثيرمن دول العالم ؟
ترامب وعد الناخبين بنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولكن هذه الخطوة غير دستورية فالدستور الأمريكي يعارض تميذ المواطنين على أساس الأصول العرقية والدينية .
وبخصوص الاتفاق النووي مع إيران فقد أعلن ترامب رفضه الاتفاق ولكن هذا الاتفاق تم التوصل إليه مع خمس دول أخرة وإلغائه يعتبر مسألة صعبة ولكن بإمكان ترامب التلويح بورقة العقوبات الاقتصادية والمصرفية ولكن هذه المواجهة مع إيران تحتاج إلى هندسة سياسية لأن ترامب يتبنى الموقف الروسي في سوريا وهي الأولية لمحاربة الأرهاب ويجد الرئيس السوري رجلاً سيئاً لكنه يجيد محاربة الارهاب , فكيف سيقف في نفس الصف الروسي ؟ وفي هذا الصف تقف إيران أكيد سيجد نفسه حليفاً لإيران لا محالة .
ترامب أيضاً وجه انتقادات لاذعة للملكة العربية السعودية بخصوص رعايتها للارهاب على حد تعبيره وطالب دول الخليج بضرورة دفع أموال مقابل الحماية التي يقدمها الولايات المتحدة ولكن الآن العلاقة بين الرياض وواشنطن هي غير جيدة بعد الاتفاق النووي مع إيران وسحب المستشارين العسكرين الأمريكيين من حملة عاصقة الحزم السعودية فأن قام ترامب بإلغاء الاتقاقية مع طهران والحد من نفوذها فهذا سيكون لصالح السعودية قكيف سيتم التعامل مع الدولتين وأنت تنظر إلى الدولتين نظرة عدائية والدولتين أصلاً بينها منافسة شديدة في المنطقة .
أما الصراع الفلسطيني الأسرائيلي فهي مسرحية آخرى من التنقضات فهو وعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ووعد بإتفاقية تاريخية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على اساس حل الدولتين مع العلم أن إسرائيل قالت أن فكرة الدولة الفلسطينية قد انتهت بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض .
ترامب كان من المؤيدين لغزو العراق عام 2003 لكنه تراجع عن موقفه بعد تدهور الأوضاع في هذا البلد لكنه عاد وانتقد سحب القوات الأمريكية من العراق لأنه أدى إلى انقسام البلد ووقوعه تحت النفوذ الإيراني فهو لم يحدد أي رؤية لتحسين الوضع في العراق لكنه تحدث كثيراً عن تقديم الدعم للأكراد والعمل الوثيق معهم .
الخلاصة التي افهمها من هذه الوعود المتناقضة بأن ترامب ضد التدخل في الخارج وأنه لا يهتم لأي دولة يحكمها ديكتاتور يزبح شعبه ولكن أن هاجمت الولايات المتحدة من يسميهم بالحيوانات فأنه يرفض وضع خطوط لأخلاقه وأنه سيتوجه إلى إنشاء تحالف مع روسيا وتحسين العلاقات معها وتخفيف التوتروهذا غيرممكن من موقع القوة فقط بخصوص الملف السوري وسيتم الوصول إلى صيغة لانتقاء وتوحيد المعارضة في كيان جديد وصورة جديدة تشمل كل الأطياف السورية بما فيهم الأكراد وصب الجهد الأكبر لغربلة المعارضة المسلحة من الارهاب بحيث تكون هذه الواجهة الجديدة للثورة السورية مقبولة بشكل ما للولايات المتحدة وروسيا وإجبار الرئيس السوري بعدها بالقبول بفترة انتقالية تمهد لرحيله عن السلطة بعد تحيد الميليشيات الشيعية وحزب الله المدعومين من إيران أي أن التغير الذي سيحصل هوضمان المصالح لكل اللاعبين على الساحة السورية وممارسة الضغط الجدي والتلويح بالعقوبات الإقتصادية والعزلة الدولية لمن يعرقل .
حلحلة الملف السوري لن يتم بين الولايات المتحدة وروسيا ألا بالتوازي مع ملفات عالقة أخرة وأهمها أوكرانيا ومسألة الدرع الصاروخية في شرق أوربا ولكن العائق الكبير هي إيران وهي مشكلة كبيرة لو مست نفوذها ولكن ترامب سيعرف كيف سيتعامل معها وسيفكك الشبكات الارهابية التي تدعمها كما قال في حملته الانتخابية .
من المؤكد أننا سنشهد تغير في السياسية الأمريكية برئاسة ساكن البيت الأبيض الجديد وتبقى المصالح الأمريكية العليا هي من تتحكم في السياسة الخارجية هذا إضافة عن الاستثمارات الكبيرة لترامب في العديد من دول العالم من بينها تركيا والمملكة العربية السعودية فترامب ليس الرجل الأوحد في أمريكا حتى يقف العالم مرعوباً منه فالولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات ومسؤوليات الرئيس تتحدد من خلال فريق ومكاتب مختصة مرتبطة بالبيت الأبيض والحقيقة أن أوراق السياسة الخارجية سترفع من تحت الطاولة إلى فوقها ويبدأ اللعب على المكشوف .