الفكر بوصفه ابداعا

حواس محمود
درجت الكتابات والأبحاث والدراسات التي تتناول موضوع الإبداع على حصر الإبداع في الجوانب الأدبية والفنية ، وتجاهلت عن قصد أو غير قصد الإبداع الفكري ، أعتقد أن هذا التجاهل فيه من الخطأ والخطورة الشيئ الكثير ، وله انعكاساته السلبية على عملية التطوير والتحديث والنهضة الفكرية في العالم العربي برمته ، ولعل السبب الرئيسي في تجاهل تناول موضوع الإبداع الفكري أو تضمينه ضمن دراسات وأبحاث الكتاب والباحثين المتناولة للإبداع في سياقه العام يعود الى الموروث الثقافي الذي أخذ طابعا نمطيا ركز على الجانب العاطفي الشعوري باعتبار أن الآداب والفنون يكون عنصر العاطفة والأحاسيس فيها كبيرا بينما الفكر يفتقد الى مثل هذه العناصر التي ( حسب وجهة النظر هذه ) هي ضرورية لإطلاق صفة الإبداع عليها 
والحقيقة التي لا شك حولها أن الإبداع الفكري هو أهم ابداع في عصرنا الحالي وفي ظروفنا الراهنة ومرحلتنا التاريخية الحساسة والدقيقة في آن ، ففي عصر العولمة والتكنولوجيا المتطورة تزداد الحاجة إلحاحا الى ابداع فكري يهتم بتنشيط الفكر والعقل وإيقاظ القدرات الادراكية لتقوم بدورها وبوظائفها الأساسية بشكل فعال وحاسم . 
إن الفكر الحيوي المتجدد ابداع بل ابداع كبير ورائع ( باعتباره يأتي بالجديد غير المألوف وغير السائد ) لأنه يستطيع أن يستوعب الظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية ويدخلها في المختبرات العقلية الفعالة ومن ثم الخروج بنظريات ورؤى وأفكار ومواقف فكرية حيوية نشطة قادرة على تحريك الساكن وإيقاظ النائم وتحويل الجامد الراكد في عملية ديناميكية ودينامية قادرة على القيام بالمهام النهضوية التاريخية بما يخدم سيرورة الحركة الشعبية المنتجة للقيام بالدور المنوط بها وانجاز المهام الضرورية والملحة للالتحاق بركب الحضارة العالمية ، ولا يمكن لأمة أن تقوم بأي عملية نهضوية من دون تفعيل دور العقل والقوى الادراكية كعمليات إبداعية متجددة تمتلك القدرة الواسعة لانجاز المهام الحضارية الكبرى في المجتمعات الطامحة للخروج من كبوتها ،وسباتها الحضاري.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…