الرئيس الأمريكي ترامب والوعود الكبيرة

جان كورد
في الوقت الذي توقّع العالم انتصار السيدة هيلاري كلينتون عليه، كان دونالد ترامب, المرشح الذي تخلّى عنه حتى بعض أقطاب حزبه الجمهوري وتبرأوا من سياسته، يسخر منها ويتهمها بأنها كانت مع رئيسها باراك أوباما وراء نشوء وتقوية تنظيم الدولة (داعش) ويطلب محاكمتها وزجها في السجن، كما كان يتلو الوعود الكبيرة في حال فوزه الذي بدا لكثيرين من الأمريكان وغير الأمريكيين اضعف الاحتمالين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومن تلك الوعود التي ربما لن يتمكن أي رئيسٍ أمريكي، جمهوري أو ديموقراطي، من تنفيذها:
– بناء جدارٍ بطول عدة آلاف من الكيلومترات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، لمنع تسلل القادمين من بلدان أمريكا اللاتينية والجنوبية إلى بلاده، وهكذا جدار سيكلّف أموالاً طائلة يحتاج إليها المواطنون بالتأكيد، وبخاصة في المدن التي تبدو منهكة وضعيفة اقتصادياً، وفي سلك التعليم ومجال الصحة والأشغال العامة.
– تطهير العاصمة واشنطن من بؤر الفساد السياسي والمالي وتحرير الأمريكيين من تسلّط المؤسسات والأشخاص الذين يكبلّون السلطة التنفيذية ويضغطون عليها من كل جانب ضماناً لمصالحهم الخاصة.
– الحد من هجرة المسلمين إلى أمريكا، وإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم.
– تقوية الشرطة والأجهزة الأمنية لردع أعداء أمريكا في الداخل، وتقليل فرص قيام الإرهابيين بالهجمات على المواطنين والحكومة، ومحاربة تجارة المخدرات عن طريق القضاء على عصابات تهريب اللاجئين والمواد المحظورة وسد مختلف المنافذ في وجوههم. 
– إلغاء قانون أوباما للرعاية الصحية وتخفيض الضرائب عن المواطنين بشكلٍ ملحوظ.
– الكشف عن كل الأسرار التي تضمنتها رسائل هيلاري كلينتون الالكترونية وجرها إلى المحاكم وزجها في السجن إن اقتضى الأمر ذلك.
– التعامل مع العالم الخارجي على أساس قاعدة (أمريكا قبل كل شيء)، أي التخلي عن كثير من الاتفاقات والمعاهدات، وفي مقدمتها الاتفاق النووي مع إيران، وبخاصة الاتفاقات التي كانت تصرف بسببها الولايات المتحدة أموالاً كثيرة على حلفائها وأتباعها في شتى أنحاء العالم.
– التعاون مع الروس لحل مشاكل عديدة في الشرق الأوسط وشرقي أوروبا، ومع اليابان في الشرق الأقصى، مقابل إهمالٍ متعمد لدول الاتحاد الأوربي والدول العربية والصين. 
وهذا يعني البدء بتغييرات واضحة على سياسة أوباما التي أظهرت الولايات المتحدة كدولة ضعيفة وغير قادرة على قيادة العالم الغربي، وتخسر مكانتها كأعظم قوة اقتصادية وعسكرية في العالم أمام الصين وروسيا.
إلاّ أن الوعود التي تعطى، لا تتحقق على أرض الواقع دائماً، فقد وعد السيد أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء التركي السابق بممارسة سياسة (صفر مشاكل) مع الجيران، إلاّ أن تركيا تتوجه صوب سياسة معاكسة كلياً لحلمه الذي كان يحلم به، وفي ظل ذات الرئيس وذات الحزب الحاكم. كما أن أوباما وعد مراراً بسحب كل قواته الأمريكية من أفغانستان والعراق ووعد بإغلاق معتقل غوانتانامو وهدد الأسد بأن أيامه باتت قريبة، فإذا به يجهّز حقائبه للخروج من البيت الأبيض في واشنطن وكل شيءٍ لا يزال على حاله، أو أنه لم ينه مهامه ولم ينفّذ وعوده التي وعد بها.
وبالنسبة للكورد المتلهفين لمعرفة موقعهم في سياسة السيد ترامب، يمكن التذكير بأنه من الحزب الجمهوري الذي فيه العديد من السياسيين المؤيدين لفكرة دعم الكورد لأنهم أثبتوا صداقتهم الحقيقية لأمريكا بدمائهم التي أريقت في ساحات الحرب على الإرهاب، كما يمكن التذكير بتصريحٍ للرئيس المنتخب، كان قد صرح به من قبل، قائلاً بأن الكورد قوم شجعان، ورحاب الصدر، ومقاتلون جيدون، ويجب على أمريكا دعمهم. إلاّ أن هذا التصريح قد لا يختلف عن قوله بأنه سيمنع المسلمين من دخول بلاده. فالذي سيرسم سياسة حكمه ليس هو شخصياً، وانما هو مجموعة المستشارين والخبراء والمؤسسات والقيادات العسكرية والأجهزة الأمنية ووكالات الإعلام وتشابك المصالح الاقتصادية والعلاقات الدولية التي تعكس واقعاً قد يختلف تماماً عما يظنه إنسان مثل ترامب ليس له خبرة سياسية كافية لتسيير كل هذه الالة العملاقة ذات الأذرع القوية والطويلة التي تتحكّم بواشنطن ومن فيها من أحزابٍ وسياسات، حتى الرئيس الذي يبدو وكأنه ليس إلاّ خادماً في البيت الأبيض ينفذ ما يأتيه من أوامر المؤسسات العملاقة المختلفة. 
صحيح بأن الجمهوريين لهم اليد العليا الآن في البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والبرلمان، إلاّ أنهم لا يسيطرون على البنوك الكبيرة والأجهزة الأمنية الأخطبوطية والإعلام والشارع الأمريكي الذي قد يشهد الكثير من أشكال المقاومة ضد توجه البلاد صوب أحضان اليمين الأبيض الذي لا يخفي السيد ترامب ميله له… وقد تشهد أمريكا في عهد ترامب مزيداً من الاضطرابات والنزعات العرقية والدينية.
ومهما يكن، فإن على قادة وزعماء وسياسيي شعبنا الكوردي الاهتمام بمزيد من تعريف العالم عامة والرأي الأمريكي خاصة بقضيتنا القومية العادلة، قضية ما يزيد عن الأربعين مليوناً من البشر، وفضح ممارسات الأنظمة المستبدة برقابنا والتي تمتص خيرات أرضنا وتهدر طاقات شعبنا في حروبها ومن أجل إدامة استعمارها لكوردستان، إذ بقدر ما يتعرّف العالم على مأساة أمتنا يزداد اقتراب حكوماتها وشرائحها السياسية – الثقافية من قضيتنا التي لن ننتصر فيها دون تأييد ودعم من أحرار العالم، فالقتال هام وضروري للدفاع عن النفس، ولكن مصائر الأمم والشعوب في أيدي السياسة الدولية على الأغلب.
‏10‏ تشرين الثاني‏، 2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…