نعم، يا سيدي، الكُردية فوق كل اعتبار، وإليك الدليل الدامغ

ابراهيم محمود
ما أكثر ما يتردَّد، أو هكذا الأمور تبدو، بلسان كردي وهو ينبّه كرديَّه إذ يشكو كرديَّه الذي ما أكثر ما يتحين الفرص لجعْله عجينة بين يديه: انتبه، هذا من لحمك ودمك، من أهلك وناسك.
انتبه! لا ترفع صوتك شاكياً أو باكياً أو محتجاً، لئلا يحلُّ العدو بين سواد عينك وبياض عين كرديك الآخر، من باب دق الإسفين، إنما تحمَّلْه، وتحمَّله قدر استطاعتك، حبَّاً بالكردية وتعظيماً لها، فليس على الكردي حرج إن ابتسم في وجه كرديه المستبِد به، ويجرّده من كل قيمة إنسانية.
ربما كان من البداهات قول من يقول: يجب أن تفرّق بين لغة عدوك القومي، والمنتمي إلى قومك، على الأقل، إيماناً بمنطق المثل الذي يطبّقه العدو الذي لا يفرّق بين كردي وكردي إلا لأنه كردي، بمنطق الكردي الذي يدرك حقيقة البداهة هذه، سوى أنه لم يرتق إلى مستواها.
نعم، يا سيدي، الكردية فوق كل اعتبار، وفي مثل هذا الوقت، رغم تساوي الأوقات تاريخياً كردياً، عندما يتصرف المعنيون بها مراعين حرمة الكردي في شخصه وماله وعرضه، وليس أن يتحولوا إلى سماسرة يرهِنون الكردية ذاتها، وهم يؤصّلون في كرديهم ابتزازَ مشاعر وقوى.
نعم، يا سيدي، وأنت الذي ربما من لحمي ودمي، ربما تكون توأمي، ابن أمّي وأبي، ويا مولاي، وتاج رأسي، علي أن أروّض نفسي، وأثبت للكردي الذي يسلعن كرديتي لحسابه الخاص، أو حزبه، أو جماعته، أو ” شّلته ” أنني قادر على الصمود، وأنا أُمتحَن في طغيانه علي، ليمنحني شهادة حسن سلوك في تمثّل الكردية الصحيحة، وبذلك تتحقق وحدة الصف الكردي؟!
نعم، يا آمري، وموجّه عواطفي، وأحلامي، وأماني، ورغباتي، لا ينبغي أن أرفع صوتي في وجه كرديَّ اللعوب والماكر والمرتدي لأكثر من قناع، إثباتاً لصلابة كرديتي له، وحتى ينبعج عدوي القومي، ويندحر، وقد أعيته كل الحيل للفصل بين سكينه في لحمي ولحمي.
لا أدري، يا ابن أمي وأبي، يا ابن عمّي، يا من أعرفه مذ خرج من بطن أمه، أو وهو يعتاد صنعة الأكاذيب، أو كان يتغيب عن صفه، أو الرسوب في درس الوفاء للمجتمع: مجتمعه، أو التقاعس في أداء الواجبات المعتبرة… لا أدري، ما الذي يميّز سوطك عن سوط العدو، ركلتك في الدماغ، عن ركلته، فعل تجويعك لي بطرق شتى، عن فعل تجويعه، حيونتك عن حيونته لي، تجاهلك لشخصي عن تجاهله، استرقاقك لكينونتي ومصادرة رأيي عن استرقاق عدوي القومي؟
إنها أكثر من نغمة كثيراً ما يردّدها متصدر الحفلات والمناسبات ومتعهد الأسطوانات القومجية الكردية، بداعي التحمل، وكل يوم يعقب الآخر، واليوم يستحيل شهراً، والشهر سنة، والسنة عقوداً من السنين، والسنون استهلكت عمر جدّي وأبي وها هي تستهلك المتبقي من عمري، وله في جسمي، وكلماتي، ورفة جفني، أكثر من أثر شائن من وعود مزيفة، ومن سياط لها صلة بالفوقية وزعم الضرورات..ولا أدري هل جرّب هذا المجرّب الكردي في جسمي، ودمي، ووعيي، وقواي النفسية، كل ضروب عنف، وعاناها: من إلغاء وإقصاء وإفناء عند اللزوم العائد إليه، ليدرك نوع الفارق بينه وبين العدو القومي للكردي والكردية ؟!
لا أدري، ولعلّي أدري أكثر منه، ومن أبيه وجده، وكل أفراد سلالته الذين مارسوا وما زالوا يمارسون سطواً على مقدراتي، ككردي، وكل حيلي المشروعة في البقاء، والرؤية المختلفة للأمور، لا أدري، ما إذا كان لسع نار مشتعلة من قبل آمري الكردي، وكما يقدّر هو، يزيدني تبصرة بكرديتي، أم يقصيني عن كرديتي، وكل ما يصلني بالكردية التي تسمَّى باسمه ؟
لا أدري، وأنا على دراية كاملة بما أقول، كيف يجري التفريق بين خازوق العدو القومي، وخازوق بني جلدتي وبإيعاز ما منه، كما لو أن خازوق الأول يزهق الروح، أما الآخر فيردها، وتلك مهزلة المهازل، وبالعكس، فإن إيلام العدو قد يبرَّر باعتباره عدواً، ويحفّز على المجابهة، بقدر ما يدعو إلى المزيد من الجلَد والتوحد والتشديد على ما هو كردي، بعكس الذي يعرف كيف ينال مني، وفي أي وقت، وكيف، ومع من، والأدوات المستعملة…الخ.
نعم، يا سيدي، الكردية فوق كل اعتبار، وستكون هكذا، عندما يقدم الممثّل لها الدليلَ على أنه لا يقول إلا الحقيقة، أن ينتظر تقييمي له، وكل من يماثلني في هم الكردية، دون أي تذمر.
إنه امتحانه المصيري لغد مصيري، في إدراك وعي الكردية ظاهراً وباطناً .
دهوك، في 8 تشرين الثاني 2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…