خاص ولاتى مه:
طائرتا هليكوبتر كانتا تحومان فوق جبل باشيك ، إحداهما في الجهة الشمالية الغربية ، والأخرى في الجهة الجنوبية الغربية ، وكانتا تتبادلان المواقع من حينٍ لآخر ، بحيث تستطيعان رصد ومراقبة وادي الفاضلية المنبسط تحتهما ، وبقيتا على هذه الحال حتى مغادرتنا مقرقيادة اللواء 7 قوات بيشمركة ، واندفاعنا نحو ساحة العمليات انحداراً من قمة الجبل ، عبر المرتفعات والهضاب ، والتي ستقودنا إلى مدخل الوادي من جهة (تلكيف) .
عند مدخل أحد المخانق الجبلية ، كان فريق تشغيل طائرات الاستطلاع الصغيرة ، يتابع عمله دون أن يلحظ مرورنا ، يبدو أن الطائرة الصغيرة كانت تستعد للإقلاع ، وكانت تستحوذ على اهتمام فريق التشغيل ، وعلى مقربة منها كانت سيارة المتابعة بهوائياتها الشاهقة ، وكأنها هي الأخرى كانت منهمكة في أداء وظيفتها ، رمينا السلام فلم يلتفت إلينا أحد ، فابتسمنا وتابعنا طريقنا .
كانت قوات بيشمركة كوردستان قد شقت طريقها وسط مسلحي داعش للتو ، في عملية اختراق نوعية ، وقد أدركنا ذلك عندما شاهدنا الجرّافات تعمل على كلا طرفي الاختراق ، وتحت حماية المدرعات ، ومجموعة رماة صواريخ ميلان ، وعن مسافة قريبة كانت تظهر الأعلام السوداء ، في حين كانت تصلنا أصوات رشقات الدوشكا من وقت لآخر . وكان أكثر ما لفت انتباهي ، سقوط قذيفة هاون على مقربة منّا ، وكان يفصل بيننا وبين موقع سقوطها أحد مقاتلي البيشمركة ، ولكن أحداً لم يعبأ بسقوطها ، بمن فيهم ذلك البشمركة الذي كان على مسافة قريبة من موقع سقوطها ، ولكنه أدار ظهره لها ، وتابع طريقه باتجاه الساتر .
في مكان ما بين تلك السواتر ، كان آمر اللواء ومجموعة من ضباطه بانتظارنا ، وبعد أن انتهت مراسم الاستقبال ، افترشنا الأرض على مقربة من مدرعة ، وبدأنا بتبادل أطراف الحديث . والحقُ يُقال : ففي مثل تلك اللحظات ، تتدافع المشاعر ، حتى يُخيّل للمرء أنه في حلم ، فيفقد المرء السيطرة على نفسه ، وينقاد بسلاسة تحت تأثير فسيفساء المشهد من جهة ، والعناوين الكبيرة للانتصارات من جهة أخرى . وكل ذلك لم يمنعنا قط من تبادل كلمات الترحيب والشكر ، وتقديم التهاني ، وما إلى ذلك …
كان لابدّ لنا من لقاء العديد من ضباط وأفراد قوات بيشمركة كوردستان ، وتجاذب أطراف الأحاديث معهم ، خصوصاً وأنهم قد خرجوا من معركة مهمة للتو ، وقد أنجزوا المهام الموكلة إليهم بنجاح . ومع أن وجبة غدائهم قد تأخرت إلى حين إنجاز المهمة ، لكننا رغِبنا في استغلالها ، خاصةً وأن الشمس كانت قد بدأت بالانسحاب باتجاه المغيب . ولكنهم دعونا لمشاركتهم وجبة الغداء ، ولكننا قدمنا اعتذارنا ، لأننا كنا قد تناولنا غداءنا قُبيل مجيئنا ، ولكننا لم نمانع في مشاركتهم كوباً من الشاي ، وتدخين بعض السجائر أثناء الدردشات . وكانت أكثر اللقاءات حميميةً تلك التي أجريناها مع الرعيل الأول من البيشمركة ، بيشمركة ثورة أيلول ، الذين ما فتئوا يرابضون على الجبهات ويرفضون الذهاب إلى بيوتهم وعائلاتهم ، وقد أكّد أحدهم قائلاً بلهجة لا تخلو من العصبية : لن أبارح هذا المكان طالما بقيت في عروقي نقطة من دماء .
يبدو أنهم أنقسموا إلى مجموعتين ، الأولى تناولت غداءها ، وعادت لتتمترس على السواتر ، في حين جاء دور المجموعة الثانية لتتناول غدائها ، ففعلنا نحن أيضاً مثلهم ، فانقسمنا إلى قسمين ، قسم منّا استهدف المجموعة التي كانت على السواتر ، وقسمنا الآخر استهدف المجموعة التي كانت لاتزال تتناول وجبتها . ومن حسن حظنا أن مجموعة رماة صواريخ ميلان كانت تقوم بمناوبتها على السواتر ، فتوجهنا إليهم وأمضينا معهم لحظات متخمة بأحاديث الفخار ، نظرأً لدور هؤلاء الرماة في حسم المعارك على مدى عامين ، وأمضينا مع قصص الميلان وقتاً ممتعاً للغاية . بينما كان قسمنا الآخر يستمتع بأحاديث المجموعة الثانية وهي تتناول وجبتها على ظهور المدرعات .
مضى الوقت سريعاً ، وبدأ غياب الشمس يلوح في الأفق ، وكانت هناك قوة تشدّنا للبقاء هناك ، وتمضية الليل على كتف أحد السواتر ، ولكن عملية الاقتحام لقرية الفاضلية صبيحة اليوم الثاني ، ألقت بظلالها على فكرة بقائنا هناك ، وسلكنا طريق العودة ، ولكننا كنّا نقف بين الحين والآخر لتوديع مجموعات البيشمركة التي كانت تلوّح لنا أيديها بالوداع .
فريق ( ولاتى مه ) :
فرمان بونجق
نوروز ميقري
أندرياس غورليك
منيار بونجق