مروان سليمان
قد نضطر أحياناً إلى تصديق بعض القصص التي نسجها الأولون من نسج خيالهم الواسع بأن ملك ما كان يأكل مخ البشر أو بأن الأفاعي كانت على أكتاف الشرير الذي يبدي الشر للآخرين ليستولي على حياتهم قبل أن يستولي على ممتلكاتهم و من هذه القصص المنسوجة من خيال الكورد بأن الحداد كاوا قد خلص الكورد من ظلم الضحاك الذي كان يذبح الشباب ليتغذى على مخهم لكي يشفي من مرضه و هنا كانت عدالة السماء بأن انتقم الحداد كاوا لأبناء جلدته و خلصهم من ظلم الجبار و الظالم و لكن أن نصدق تاريخ منطقتنا المزور الذي كتبه في غفلة من الزمن و أرضى البعض ممن كانوا يوالون المستعمرين الأتراك و الفرس و العرب و نستسلم للواقع و نردد ما كان يقوله المستعمرون منذ عشرات السنين بأنه لا وجود لوطن خاص للكورد
فهذا ضرب خيال لا يصدقه العدو قبل الصديق و هذا ما يخلق تبريرات خصبة لما يقوم به محتلو كوردستان بتدمير القرى الكوردية و تهجير سكانها و تجنيد أبناء الكورد و إرسالهم إلى أماكن لا تخص الكورد فهذه أيضاً تعتبر بمثابة خنجر مسموم في الظهر الكوردي و أما التاريخ فله حكاية أخرى مع الشعب الكوردي الذي قرر المستعمرون بتقسيم الوطن الكوردي فيما بينهم مثل كعكة و كل أخذ نصيبه من هذه الكعكة و بقي أبناء الكورد يعانون الظلم و الإضطهاد وأصبحوا يتامى بلا وطن لأن الحروب التي خاضتها الدول إنتهت بمعاهدات ما بين شد و جذب حتى إنتهى الخيار في لوزان بحرمان الكورد من رسم خريطته المستقبلية لوطن كان يحلم بأن يعيش فيه حراً و سيداً على نفسه ولكن الطموحات الكردية كانت كبيرة و آماله كانت متعلقة بروح الأخوة و الدين و الإنسانية و المحبة و التسامح في حين كان المستعمر و المحتل يستغل طيبة قلب الشعب الكردي و كان بخيلاً بالنسبة للكرد و حقوقهم الشرعية فاختلت المعادلة و بدأ التخبط و عادت المطاليب الكردية تطرح نفسها بقوة لأنهم أصحاب الحق و المظلومية و لم يستسلموا للأنظمة التي تحتل أرضهم لألد أعداء الإنسانية وحشية و بربرية و همجية سواء الترك أو الفرس أو العرب و كانت الثورات و الإنتفاضات التي عمت المناطق الكردية شاهدة على ذلك و كانت من أهم نتائجها الملموسة قيام جمهورية مهاباد بقيادة القاضي محمد و إتفاقية آذار 1970 للحكم الذاتي لكورد العراق و كان هذا في غاية الأهمية بالنسبة لتحديد إتجاه تطور الأمور بالرغم من إنه كان في غاية الضيق من حيث الغدر و الحصار فخدعتها الأنظمة الشمولية و الديكتاتورية و دخل الكورد في مواجهة عدو لا يرحم و بين أحضان دول إسلامية لم يلتفت أحد منهم لما يعانيه الكورد من ظلم أشقائهم الصداميين و الخمينيين و الأتاتوركيين و البعثيين مع العلم بأن الكورد هم من أكثر الشعوب قاطبة ضحى من أجل الإسلام و إنتشاره و لكنه بنفس الوقت من أكثر الشعوب قاطبة تلقى الضربات و الطعنات من المسلمين .
و مع ذلك فإننا نحن الكورد نسير في عملية نعاني فيه من فرط الخطاب الغير المنضبط و الذي يسوده الفلتان بلا حدود و هذا الخطاب الذي أوصلنا لمستوى تقسيم المواطنين و الجميع يجد في نفسه الإخلاص و الأدب و المهنية و لكنه في المقابل يجد غيره من أبناء جلدته عميلاً و خائناً و متعاملاً مع أعداء الشعب الكوردي و غيرها من الصفات التي أوصلتنا إلى الدرك الأسفل مما حول ذلك الخطاب إلى التهديد و الوعيد و إثارة مشكلات لم تكن بالحسبان في يوم من الأيام (كانتون شنكال على سبيل المثال) و هو خطاب يقسم المجتمع الكوردي ما بين أشخاص أو مذاهب و أديان و هدفهم هو القضاء على الفكر القومي و خلق صراعات عبثية نتيجتها إضعاف و تشتيت القوة الكوردية و من هنا يتطلب من الجميع تحمل مسؤولياته و الوقوف أمام عظمة الغرور لدى البعض الذي إنتشر في تقسيم المجتمع و رفع بعضهم فوق بعض درجات و الكف عن الخطابات التي تسوق البعض سوقاً بالإتجاه المعاكس لإرادة الكورد و الوقوف جدياً من أجل إيجاد صيغة من التوافق لصالح الإطار العام و ذلك من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية و مناعتها و الوقوف في وجه التحديات في هذه المرحلة من أجل إنقاذ ما تبقى من الشعب الكوردي على أرضه و لكي لا يدفع أبنائنا ثمن أخطائنا كما دفعنا نحن ثمن أخطاء آبائنا و أجدادنا و وضع البندقية الكوردية في مكانها الصحيح بدلاً من توجيه تلك البندقية نحو صدور أبنائنا و عدم الإختباء وراء شعارات لا تفيد كالمساواة بين الضحية و الجلاد بل يجب التحلي بالشجاعة و قول الحق و الموقف الصحيح بما يتلائم و المصلحة الكوردية العليا.
مدرس في المدارس المهنية بالمانيا
05.11.2016