الانتخابات الأمريكية المثيرة

جان كورد
يذهب بعد أيامٍ قلائل في (8 نوفمبر 2016) أكثر من 219 مليون ناخب من الأمريكان المسجلين للانتخابات الذين بلغوا الثامنة عشرة من العمر ويقيمون في إحدى الولايات الأمريكية، وليسوا مسجونين ولا يعيشون في جزر مثل بورتوريكو، لانتخاب رئيسهم ال45 انتخاباً غير مباشر، وعليهم الاختيار بين أحد اثنين من المرشحين (الديموقراطي) و(الجمهوري). وهذا يعني بين السيدة هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وزيرة الخارجية في عهد السيد باراك أوباما لفترة طويلة من الزمن، التي تأمل في أن ينتخبها أبناء الأقليات من السود ومن بلدان أمريكا الجنوبية والوسطى والنساء، والسيد دونالد ترامب، الملياردير الذي ليست له فعاليات سياسية سابقة وظاهرة، والذي يسعى لكسب أصوات البيض والأثرياء والناس الذين يأملون في إحداث تغيير في سياسات واشنطن الداخلية والخارجية. 
وبسبب الفروق في التقسيمات الزمنية الستة للولايات المتحدة الأمريكية، ستبدأ عملية الانتخاب في أوقات مختلفة بين شرق البلاد ووسطها وغربها. فيبدأ المركز الأوّل في قرية صغيرة على الحدود مع كندا تدعى ديكسفيل نوتج في ولاية نيو هامبشير، حيث سيتم الانتخاب في منتصف الليل لوقت قصير جداً ثم يغلق صندوق الانتخاب ويتم فرز الأصوات. في حين تغلق الصناديق الأخيرة في الساعة الثالثة في مدينة نيويورك التي منها المرشحان ترامب وكلينتون. وبعض الولايات تسمح لمواطنيها بالانتخاب قبل يوم 8  نوفمبر، كما أن ثلث الأمريكيين ينتخبون عن طريق المراسلة البريدية والالكترونية من دون الذهاب إلى مراكز الانتخاب.
على قوائم الانتخاب تجد أسماء المرشحين للرئاسة، إلاّ أن الانتخاب يتم عن طرق 538 منتخب، يشكلون معاً ما يسمى ب”المجمع الانتخابي – Electoral College” الذي تشارك فيه كل ولاية بعددٍ من المندوبين، حيث هناك ولايات تساهم بعدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة مثل آلاسكا وبعضها بأكثر من 40، مثل كاليفورنيا التي لها 55 مندوباً في هذا المجمع، حيث يتم الانتخاب عن طريق الأغلبية التي يحصل عليها المندوب في ولايته، أو عن طريق نسبية معينة، في بعض الولايات مثل ماينى ونبراسكا. وعلى هذا الأساس، من دون الحصول على 270 صوتاً في هذا المجمّع لا يستطيع أي مرشح أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة حتى ولو حاز على أغلبية الأصوات في البلاد كلها. وهذا النظام الذي يعود إلى القرن التاسع عشر هو حل وسطي بين الانتخاب المباشر من قبل الشعب والنجاح في الانتخاب عن طريق ممثلي الشعب. 
يمكن معرفة من الفائز سلفاً فيما يقارب ال 20 ولاية، حيث هناك وضوح في مدى قدرة أحد المرشحين على انتزاع أغلبية الأصوات، ولكن الحرب الحقيقية تجري في “ولايات ساحة المعركة” أو التي تسمى ب”Swing States”، ومنها فلوريدا، وبنسلفانيا ونورث كارولينا و أوهايو، التي مجموع مندوبيها للمجمع الانتخابي يزيد عن (70) مندوباً، وتقع كلها على ساحل المحيط الأطلسي. وهذا يعني أن المواطنين سينتخبون قبل الولايات الغربية والوسطى، وبسبب فرز أصواتهم مبكراً، يتم التأثير بشكلٍ أكيد على الرغبة الانتخابية لدى المواطنين في سواها من الولايات.
وحيث أن دونالد ترامب قد هدد علناً بأنه سيطعن في نزاهة الانتخابات عندما يرى ضرورة لذلك، فإن المحكمة الدستورية العليا هي التي ستقرر في النهاية من سيكون الرئيس القادم، إن حدث ذات الخلاف على نتائج الانتخابات، كما جرى بين المرشح الديموقراطي آل غور وجورج دبليو بوش في مرحلةٍ سابقة، بسبب انتخابات ولاية فلوريدا. وهذا يعني أن الفوز النهائي سيتأخر ربما لأكثر من شهر في تلك الحال. 
وفي حال تساوي الأصوات بين المرشحين أو عدم تمكن أحدهما من نيل ثقة (270) مندوبٍ في المجمع الانتخابي، تعقد السلطة التشريعية برمتها اجتماعاً، بحيث يكون لكل ولاية صوت واحد، وتقرر من يكون الرئيس ومن يكون نائبه. 
ولا تجري الانتخابات بسبب الرئاسة فحسب، وإنما على الأمريكان انتخاب نوابهم (ال435) إلى البرلمان، إضافة إلى أكثر من (100) سيناتور من مجلس الشيوخ مجدداً. ومعلوم أن الحزب الجمهوري لدونالد ترامب يسيطر الآن على المجلسين، وكذلك فإن (12) حاكماً من حكام الولايات يجب إعادة الانتخاب لمقاعدهم، وفي بعض الولايات سيتم التصويت الشعبي المباشر على تعديلات محددة في القوانين السارية المفعول مثل (إلغاء الرق) ووضع قيود على (بيع الخمور) وقيود على (الأفلام الإباحية) ولربما إنشاء الولاية (51) باسم (نيو كولومبيا).
بعد انتخاب الرئيس من قبل المجمع الانتخابي، يتسلم الرئيس الجديد ال51  للولايات المتحدة الأمريكية منصبه بعد أن يعلن الكونغرس ذلك رسمياً في منتصف نهار 20  يناير (كانون الثاني).
إنها عملية معقدة فعلاً وتستغرق وقتاً طويلاً وصرف أموال كثيرة، ولكنها لون من ألوان الديموقراطية التي بدونها لا يمكن حكم الأمم الكبيرة، وإلاّ فإن الطريق الأقصر هو كما في سوريا، حيث يتم تغيير الدستور في أقل من ساعة ويستلم شاب الحكم كإرثٍ من أبيه الراحل، وبوصوله إلى سدة الحكم تنزلق سوريا في أخطر المزالق الدموية في تاريخها الطويل.   
   ‏03‏ تشرين الثاني‏، 2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…

خليل مصطفى مطالب كورد سوريا (بعد سقوط نظام البعث) ليست بجديدة، بل هي قديمة. فالغالبية العظمى من أبناء شعوب الأُمُّة السُّورية (وتحديداً ذوي الذهنية الشوفينية / عرباً وآخرين أمثالهم): لم يقرؤوا التاريخ الحقيقي لشعوب الأُمَّة السورية وتحديداً المُتعلق بالشعب الكوردي.؟! ولذا أُعرض للمعنيين (أعلاه) جزئيات من تاريخ سوريا (فترة الانتداب الفرنسي): أوَّلاً / عملت فرنسا خلال الأعوام من 1920 إلى…

أزاد خليل* في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا منعطفًا تاريخيًا بعد إسقاط نظام الأسد، إيذانًا ببدء مرحلة انتقالية تهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، بعيدًا عن عقود من الاستبداد والحرب. هذه المرحلة تشكل نقطة تحول نحو تحقيق تطلعات السوريين للحرية والكرامة، بعد أربعة عشر عامًا من النضال والتضحيات. الفرص والتحديات أمام سوريا الجديدة مع إسقاط النظام، باتت…

يبدو أن هناك مرضاً متجذراً في المنظمات الكردية في روج آفاي كردستان، يتمثل في التبعية لمحاور كردستانية وإبراز المصالح الفردية على حساب الروح الجماعية والمؤسساتية. وللأسف، أصبح العمل عكس الشعارات والمواثيق والبرامج التي تعلنها هذه المنظمات ظاهرة واضحة، وكان آخرها ما يُسمى بـ”جبهة كردستان سوريا”. لقد كانت مطالبنا في هذه المرحلة واضحة وصريحة: توحيد الخطاب السياسي الكردي، والاتفاق على حقوق…