المثقف الكردي.. وضريبة الكتابة

عمر كوجري
مهما تكن لفظة المثقف مطاطة، وقابلة للتأويل، فإنها في الوسط الكردي في كوردستان سوريا تعني الكثير بحكم العسف الذي لحق بالثقافة الكردية والمثقف الكردي من طرف النظام السياسي وأدواته الأمنية العسكرية في سوريا وطوال عقود، بمعنى أن من ادّعى الثقافة رهط كبير من الناس، ومن تعب، واشتغل على حاله، ودفع من عمره فاتورة الرغبة في اكتساب صوت المثقف الحقيقي، هؤلاء قلة. لكنهم موجودون في الساحة، وتشار لهم بالبنان، وهم مثار احترام ساحات أوسع، وأكثر شهرة من ساحة وطن كبير وصغير في آن.
حين استلمت سلطة أمر الواقع زمام الإدارة من النظام في دمشق بُعيد انطلاق” القيامة السورية”، لم يكن متوقعاً منها ما يمكن أن يكون محل فجاءة أو انبهار.
حزب ب ي د وببراعة نفّذ كل ما طُلِب منه، من الآخر ” الغريب” و” القاتل” وأدار كوردستان سوريا بقوة الحديد والنار، هذه المنظومة ” التوليتارية” التي فتحت حرباً مفتوحة على كل تيار سياسي معارض لتوجهاتها وسياساتها، وقوانينها التي أبطلت الحياة في البلاد، لم تتوقف عند حد معين لعسفها، لقد مارس هذا الحزب سياسة ممنهجة في التنكيل والتغييب والملاحقة بحق البقية المتبقية والمتشبثة في الوطن، وحاصرهم في لقمتهم، وحاول تبديد كل رغبة للبقاء” الأسطوري” في الوطن 
 سلطة أمر الواقع، وكعادة كل سلطة قامعة قاهرة، عرفت مبكّراً أن صوت المثقف الكردي يجب أن يُخنق لئلّا يسبّب لها المشاكل والمصاعب في قادمات الأيام، فبادرت الى تصنيف المثقفين إلى فئات، وكلّ مَن لم يوافقها دكتاتوريتها كان مصيره الإبعاد والإهمال، وتفقير الحال، وسدّ كلّ أوكسجين الحياة عنه، وبالفعل نجحت في تحويل العديد من المثقفين من قبلها إلى إداة بيدها يكيلُ لها المدائح المجانية، ويعظّم من شأن القرارات التي جاءت في كثيرها بالضد من الثقافة والمثقفين، بل تحوّل بعض المثقفين إلى العصا الغليظة للسلطة المستبدة، وصار يحرّض “قضاء” هذه السلطة للتضييق على المثقفين، وكل ذلك مقابل إرضاء الطبقة السياسية الحاكمة التي اغتنت، وتفرعنت بسبب مناخات الإذعان والخضوع التي وفّرها لها الجميع. 
نعم نحن جميعاً مسؤولون عن تغوّل هذه ” السلطة” مثقفين وأشباههم، سياسيين ومدّعي سياسة، والعوام الكثير من الشعب المسكين.. المستكين!!
المثقف الكردي في كوردستان سوريا يعرف أن فاتورة ” الشجاعة” في وطن الخوف والرعب بالغة القسوة وباهظة، لكنه يريد إزاحة الرماد عن روح الوطن بالقلم.
صحيفة كوردستان- 547- تاريخ 1-11-2016 زاوية” العدسة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تدور عجلة الزمن في سوريا بعكس اتجاه الحضارة والرقي، رغم القضاء على أحد أكثر الأنظمة المجرمة قسوة في العالم. يُساق الشعب، بمكوناته الثقافية والدينية المتنوعة ومراكزه الثقافية، نحو التخلف والجمود الفكري الممنهج، في ظل صدور قوانين وممارسات سياسية متناقضة وعلاقات دبلوماسية متضاربة. فمن جهة، هناك نشاطات وحديث نظري عن الانفتاح على العالم الحضاري واحترام جميع مكونات سوريا…

إبراهيم اليوسف بدهيّ ٌ أن ما يجري- الآن- في الوطن أمرٌ غريب ومثير للتساؤل. إذ هناك من يحاول تحويل البلد إلى سجن كبير من خلال فرض نمط تربية صارم، وكأننا أمام فتح جديد يتطلب جر الناس قسرًا إلى حظيرة مرسومة. وكلنا يعلم أنه على مدى مائة عام، فقد اعتاد السوريون على نمط حياتي معين لم يستطع حتى النظام…

عبدالعزيز قاسم بعد كفاح طويل ومرير ومتشعب من الصراع خاضه السوريون، وإثر ما عرفت بالثورات “الربيع العربي” والتي لا تزال إرتداداتها مستمرة كما هي الزلازل الطبيعية؛ لاحقاً فقد تمت الإطاحة بنظام الحكم في سوريا ٠٠٠ وبما انه لا بد من ملئ الفراغ الذي خلفته الإطاحة العسكرية تلك وتداعياتها في عموم الساحات السورية والكردية خصوصاً؛ فقد بادر اصحاب الفكر الإستباقي…

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…