غاية المهاجر الكردي الجديد

احمد معي
منذ انطلاق الثورة السورية في الربع الأول من عام 2011م انتقلت بنا إلى مرحلة لم تكن معهودة من ذي قبل، ولم تشبه مثيلتها في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وحتى راوندا. يمكن أن تعتبر فريدة من نوعها. هذه المرحلة أدت إلى هجرة السوريين نحو شتى الأوطان ومن ضمنهم الكرد، وعلى رأسهم الشباب الكردي. ومنهم من رغب الدراسة في الجامعات ومنهم من أراد العمل لتكوين الثروة عسى أن يعود إلى بلده ليعش فيه عيشة ميسور الحال، وهذه الإمكانية ميسورة المنال؛ حيث في بلدان أوربا الغربية يتحقق للملتجئ الأمان والمعيشة، وهما من ركائز الحياة المستقرة.
بحكم وجودي كلاجئ في أوربا الغربية مثل غيري، التقيت بالعديد من شبابنا الكورد ومن مختلف مناطق غربي كوردستان، ما أحزنني كان أغلبهم من ذوي الطموحات البسيطة، كجني بعض المال في عدة سنوات، ومن ثم العودة إلى من حيث أتى، بغية الزواج والاستقرار، دون التفكير بوطن تعصف به العواتي من كل حدب وصوب. إن دل هذا على شيء؛ إنما يدل على سطحية النظرة للواقع والمستقبل المنتظر لوطن لن تضمد جراحه بسهولة، بعد سكون العواصف. لو أمعنوا قليلا فيما يجري في الوطن، وسألوا أنفسهم ماذا يحضر لنا العدو في المستقبل، وهل ستكون العودة ممكنة، لما راودتهم هذه السطحية في التخطيط لمستقبل لا يعلمه إلا الله. وما خيّب مأمولي في شبابنا أن نسبة 70% منهم لم يخططوا لمستقبل مشرق ﻷنفسهم ولم يربطوه بوطنهم. وهنا يفرض علينا الواقع مرة أخرى أن نتساءل ما هو دورنا في هذه المرحلة؟ وماذا يمكننا أن نفعل لمستقبل وطننا ونحن بعيدين عنه؟!
وجود الإمكانيات والفرص المتاحة لنا في أوروبا ومنها الدراسات الجامعية، وغيرها من المجالات المفتوحة أمامنا تشجعنا على استغلالها دون ضياع وقتنا فيما لا ينفع. ولتحقيق هذه على أرض الواقع يجب علينا أولا تخطى جميع الصعوبات، وكذلك ما تجول في مخيلتنا من معوقات، كما يجدر بنا التغلب على الصعوبات التي تواجهنا في حياتنا، والتركيز على ما هو مفيد لنا كأبناء شعب يعاني الاضطهاد والتجزؤ ليحوّل ذلك إلى خدمة الوطن ورسم مستقبل جميل لنفسنا للعيش في كنفه وهو محرر.
فمثلا دراسة فروع التكنولوجيا كـ(الهندسة الكيميائية-هندسة الإلكترونيات-هندسة البترول…الخ) ترقى بالمرء إلى مستويات عالية، وتؤمن له معيشة مرفهة، فنحن في عصر التطوير التكنولوجي والعملي. وأيضا الدراسة في مجالات السياسية والحربية مفيدة، بل ضرورية للوطن الذي ينتظرنا أن نحرره، والوصول إلى هذه المقاصد ممكن إذا اتبعنا الرغبة المفيدة لنا وللوطن. في هذه المجالات وتكون العلوم السياسية والحربية هما ما يحتاج إليهما الوطن الكردي المجزأ؛ ولكنهما مرتبطان بالإرادة الصحيحة والقوية من أجل تطبيقها على أرض الواقع.
إذا كان تفكير شبابنا لا يرقى إلا إلى تأمين حياة مستقرة في وطن مجزأ يتبع وطنا كليا مجهول المصير، كيف سيكون التحرير، ونحن نطالب به منذ جلين، على أقل تقدير. هذه الغاية المسيطرة على عقول شبابنا، لم يأتِ من فراغ أو هي نتيجة عنفوان المراهقة أو أنها نزعة أنانية… عندما نتعمق في أسبابها تتراءى لنا الحقيقة المطمورة تحت ركام الأخطاء، فتوارت عن الأنظار وكأنه لا وجود لها البتة. إذا تساءلنا عن المسؤول لهذه النزعة لأشار استنباطنا إلى ثلاث حلقات أساسية هي: الأبوان، الفئة المثقفة والحراك السياسي. قد نعذر الأبوين، لكون محدودية الإمكانيات من جانبهما، أما الفئة المثقفة، التي مهمتها إقامة أي اعوجاج في حياتنا، الواقعة تحت الاحتلال، إن جاز التعبير، فمحتلونا، ليسوا بمحتلين؛ وإنما قتلة؛ ولكن تجاوزا ننعتهم بالمحتلين. وهذا بحث يطول في الحديث، وليس مجالنا الخوض فيه، خاصة في هذه المقالة. أما الحراك السياسي فهو النخبة القائدة في توجيهنا إلى التفكير السليم من أجل التحرير منذ الصغر إلى أن نركن إلى التراب الأبدي؛ طالما ظل الوطن محتلا، ولم يرفل بالحرية المنشودة. وما نحن عليه حاليا مؤشر واضح على الخلل المميت في معظم جوانبنا، ولم نفلح حتى اللحظة، أضعف الإيمان، التقليل منه إلى الحد المقبول.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تدور عجلة الزمن في سوريا بعكس اتجاه الحضارة والرقي، رغم القضاء على أحد أكثر الأنظمة المجرمة قسوة في العالم. يُساق الشعب، بمكوناته الثقافية والدينية المتنوعة ومراكزه الثقافية، نحو التخلف والجمود الفكري الممنهج، في ظل صدور قوانين وممارسات سياسية متناقضة وعلاقات دبلوماسية متضاربة. فمن جهة، هناك نشاطات وحديث نظري عن الانفتاح على العالم الحضاري واحترام جميع مكونات سوريا…

إبراهيم اليوسف بدهيّ ٌ أن ما يجري- الآن- في الوطن أمرٌ غريب ومثير للتساؤل. إذ هناك من يحاول تحويل البلد إلى سجن كبير من خلال فرض نمط تربية صارم، وكأننا أمام فتح جديد يتطلب جر الناس قسرًا إلى حظيرة مرسومة. وكلنا يعلم أنه على مدى مائة عام، فقد اعتاد السوريون على نمط حياتي معين لم يستطع حتى النظام…

عبدالعزيز قاسم بعد كفاح طويل ومرير ومتشعب من الصراع خاضه السوريون، وإثر ما عرفت بالثورات “الربيع العربي” والتي لا تزال إرتداداتها مستمرة كما هي الزلازل الطبيعية؛ لاحقاً فقد تمت الإطاحة بنظام الحكم في سوريا ٠٠٠ وبما انه لا بد من ملئ الفراغ الذي خلفته الإطاحة العسكرية تلك وتداعياتها في عموم الساحات السورية والكردية خصوصاً؛ فقد بادر اصحاب الفكر الإستباقي…

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…