محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
ديرك-في: 21/10/2016
منذ دخول سوريا ظروفا دفعت الناس إلى القيام باحتجاجات سياسية تحولت إلى ثورة ضد ممارسات في النظام لها نتائج مؤذية للشعب، وانفجرت في درعا إثر حادثة اعتقال أطفال وقلع أظافرهم وما نتج عنها من ردود الأفعال انتشرت على شكل مظاهرات في مختلف المدن السورية … وقد حددت بدايتها في 15 آذار 2011.
مذ ذاك أصبحت “فيسبوكيا” كما يحلو لبعضهم أن يصف أصحاب الحسابات في الفيسبوك.
كانت دوافعي عدة:
1- أن اطلع من خلال الفيسبوك –الأسرع نقلا للأخبار والأكثر تنوعا …-.
2- إن أساهم بتأثير محتمل على أصدقاء كانوا ذات يوم طلابا درّستهم، وشعرت أنهم يقرؤون لي، فضلا عن الذين علمتهم في المرحلة الابتدائية في قرى، وفي المدينة. وأصدقاء قد يتفاعلون بروح جادة ومسؤولة مع الأطروحات المختلفة ومنها منشوراتي
3- أقصد التأثير على منهج التفاعل، فقد لاحظت انحرافا فيه لدى كثيرين. ولا يزال هذا الانحراف ساريا بالنسبة لبعضهم-ربما لغاية، خاصة في ميدان السياسة. ولا يبدو أنه انحراف بسبب جهل، وقلة معرفة!
4- ظننت أن التفاعل مع أصدقاء من مشارب مختلفة عرقيا وثقافيا… قد تكون فرصة خصبة لتنمية ثقافية منوّعة، نستفيد جميعا منها.
اذكر أنني طرحت فكرة أن تستثمر المساحة التي وفرها الفيسبوك لغايات ثقافية، أبدى بعضهم رأيا ملخصه، أن المساحة المتاحة للمنشور ضيقة، ولا توفر الفرصة الملائمة للحوار وعرض موضوعات طويلة. فقد كانت مساحة المنشور لا تتجاوز اسطرا قليلة حينها، والجميع يذكر هذا. لكنني اقترحت، أن يُستفاد من هذه المساحة الضيقة ثقافيا وحاولت ذلك، وشاركني من اقتنع بالفكرة، او انهم في الأصل من ذوي البنية الثقافية الرصينة والجادة.
أتاح الفيسبوك -فيما بعد -مساحة واسعة للمقالات والمحاورات الطويلة. فوفر بذلك فعلا، فرصة المعالجات في مساحات كافية. واستفاد كثيرون من ذلك. لكن المشكلة هي في أن بعض الذين لهم غايات سياسية وأهدافا خاصة. انتبهوا إلى ذلك. فدفعوا نحو اتجاه التشويش على هذه الميزة، بتجنيد شباب قليلي الخبرة، او بعض أيديولوجيين، او ربما عناصر ذات ثقافة استخبارية، او ارتباط استخباراتي …الخ. لزرع بذور النزاعات والأفكار المثيرة للخلافات والاختلافات. وكان بعضهم لقّن بمنهج استخدام الاتهام والشتيمة، وإثارة ردود الأفعال النفسية…الخ. وهذا ما حصل في أوقات مختلفة وبوتيرة اختلفت هنا او هناك… عكس ذلك:
أولا: الأزمة الثقافية التي تعيشها شعوب المنطقة جميعها، كوردها وعربها، ومسلميها ومسيحيها ومختلف القوميات والاتجاهات الدينية الأخرى.
ثانيا: براعة الجهات التي اتخذت التشويش والإثارة منهجا لها، وكان-ولا يزال –واضحا دورها السلبي في التأثير على أجواء التفاعل الجاد والحواري المنهجي /المنطقي.
ثالثا: الاستعداد الثقافي/النفسي للاستجابة للإثارة، والغرق في لعبتها التي تهدف إلى التضليل والاحتكاك والاصطدام… للتشويش على مسار الأفكار المفيدة.
لقد لاحظت أن بعضهم اتخذ ذلك منهجا عن قصد ووعي، بل وخبرة أتاحت له أن يلعب على أوتار نفسية لبسطاء الناس، او توظيف مرتزقة لتسخين الأجواء فكانوا يِشتمون ويتهمون بلا أدلة، ليردّ عليهم المختلون بالشّتيمة والاتهام … ويزرعون الشك حول القضايا والشخصيات ذات المكانة الاجتماعية والثقافية والسياسية…
المهم كأن غايتهم، أن يبقى الجو متوترا ومنفعلا، فيضيع منهج التفكير الحر والمتزن، وتحل المهاترات محل المعلومات والعلوم والفنون الجادة، ووفق مناهج منطقية، ومعايير، تؤكد ما فيها من صحة او خطأ.
لا أنكر أن مناخا أفضل بدأ يتنامى –على الأقل في أوساط جادين يتحملون مسؤولية ذواتهم كقيمة إنسانية تستحق التقدير. لكن بقي من ارتهن لإغراءات مختلفة، منها المال، ومنها المركز، ومنها الجنس…الخ. فدائما –وعلى مدى التاريخ –هناك من يبقى أسير إغراءات مختلفة تجعله عبدا لها، وكثيرا ما يدفع الضريبة باهظة، لكنه أيضا يفرض ضريبة باهظة على الغير بلا شعور بالمسؤولية، لا الأخلاقية، ولا القانونية، ولا الدينية …
اليوم نحن في اليوم الواحد والعشرين من الشهر العاشر تشرين الأول من العام 2016
أي بعد أكثر من خمس سنوات، أكاد أرى أن الجهود الثقافية في الفيسبوك لم ترتق إلى المأمول لأكثر من سبب، ذكرنا بعضها فيما سبق، لكن هناك أسباب ذاتية تخص روّاد الفيسبوك. منها مثلا:
1- الكسل عن قراءة المقالات (المنشورات) الطويلة، والتي عادة، تتضمن دراسة منهجية لموضوع ما بخلاف المنشورات القصيرة الوامضة.
2- الفهم القاصر لمنشورات يضطر إلى تكرار شرح الفكرة نفسها عدة مرات أحيانا، حتى أن بعضهم لا يطلع على المداخلات والتعقيبات على المنشور، فيكرر المعنى الذي ذكره بعضهم قبله، او يكون صاحب المنشور قد أوضحه في أحد تعقيباته.
3- عدم قراءة المنشور والتعقيبات عليه بدقة، فيتكرر التعليق “المكرر” او أن ضعف الفهم (وسرعة القراءة) يجعل التعقيب يتخذ منحى مختلفا عن الفكرة التي يحملها المنشور، وقد يقصر كاتب المنشور أيضا في توضيح الفكرة التي يطرحها لسبب ما.
هذه الملاحظات وغيرها تدفعني أحيانا إلى أن أرى الجهود الجادة التي تبذل هنا (في الفيسبوك) هي جهود متعثرة نتمنى لها أن تستقيم، لتترك تأثير ا إيجابيا مأمولا.