محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
ديرك 16/10/16 19
الإنسانية مفهوم اشتق من معنى الإنسان (ككائن متميز بالعقل والتفكير والحرية والتنبؤ والخُلُق …) وهي خصائص تميزه عن الكائنات الحيوانية الأخرى. ففي الفلسفة استقر تعريف الإنسان على ما لدى أرسطو: بان “الإنسان حيوان ناطق”. فهو ينتمي في تكوينه الجسدي / المادي، إلى الحيوان. لكنه يتميز عنه بكونه ناطقا (أي عاقلا متكلما يعبر عن معان في ذهنه). باختصار كائن يعبر عما يراوده من أفكار ومشاعر وانفعالات… بلغة ما (نطقا وكتابة). وهذا ما لا يتوفر لدى الحيوان بالرغم من وجود أصوات أو لغة انفعالات وتفاهم خاصة به.
في محاولة تنظيم قواه، فإن الإنسان كوّن أسرة عندما كانت الحياة بسيطة، ولا تقتضي تعقيدا. فكانت الغاية حينئذ، هي المحافظة على البقاء؛ بتامين الطعام، والملبس والمأوى(السكن) كأقصى ما يحتاجه، ويسعى اليه. حتى أن الاقتصاد كان يعرفه أرسطو بأنه ” علم تدبير شؤون المنزل” لكن زيادة تطوره أدت إلى تعقيد حاجاته، كلما اتجهت نحو الرفاهية، وتدخلت الصناعة فيها، حتى وصل إلى صراع؛ حرّكه نزوع حيواني أعمى، أو قوى شريرة كامنة في تكوينه. وتوصف في لغة الدين بالشيطان (بغض النظر عن كونه قوة مبثوثة في تكوينه النفسي، او الجسدي، أو قوة مستقلة ذات قدرة على التأثير).
أنتجت هذه الصراعات، الحروب، وسلطات مستبدة وظالمة. مما دفع أبناء الشعوب إلى التفكير بتنظيم قواهم لمواجهة القوى المتنفذة المستغِلّة الظالمة. فأسست تكتلات بنيت على ردود الفعل كما في حالة عصابات، لكن الحاجة دفعت نحو تأسيس تكتلات أكثر تنظيما ووعيا باسم الأحزاب. فالحزب حالة تنظيمية تمثل الحالة الأكثر تنظيما ورقيا وفقا لمنهج تتبعها لتحقيق غايات تمثل رؤيتها والعمل من أجلها.
وكانت القيم الأخلاقية أساس في البنية التأسيسية للمراحل الأولى من تأسيس الأحزاب، لكنها تخلت عنها منذ اتبع علم السياسة -الغربي المنشأ –نهجا؛ فصل فيه بين الأخلاق وممارسة السياسة. وذلك بحجة أن العلم ينبغي أن يكون موضوعيا، غير خاضع لمؤثرات ذاتية. والقيم الأخلاقية بطبيعتها ذات بعد ذاتي (نفسي).
من المؤسف أن ظاهرة تأسيس الأحزاب انتقلت من الغرب إلى الشرق الأوسط بـ “روحية” أرادها الاستعمار الغربي أن تكون، فكانت كذلك. من حيث الشكل هي أحزاب تشبه الأحزاب الغربية (تجمّع طوعي لعدد من الشخصيات والاتفاق على برنامج عمل ورؤية نظرية تمثل الغايات التي تعمل لتحقيقها، وهيكلية تنظيمية هرمية…الخ). لكنها تفتقر الي مقومات ذاتية ناضجة، تساعد على نجاح أداء العمل بوتيرة ناجحة ومنتجة.
فتظهر تأثيرات سلبية لواقع العمل الحزبي:
أولا: تضييق المعنى الإنساني لدى المنتمي إلى الحزب. فينحصر –تقريبا-في الممارسة في إطار الحزب والمنتمين اليه.
ثانيا: أن الانتماء إلى الحزب (وتقلص المعنى الإنساني فيه) يفرز شعورا بالخصومة-وربما العداوة-تجاه الأحزاب الأخرى، خاصة في الأحزاب الأيديولوجية.
ثالثا: نمو مفهوم المصلحة التي تطرحه السياسة الغربية لدى أعضاء الحزب في إطار معنى الحزب، وأصبحت مفهوما في السياسة عالميا، وهذا يحوّل الحزب إلى مجموعة، تجمعها المصلحة التي تصطبغ-باستمرار-بالحالة الثقافية التي يكون عليها الحزب، وهي حالة ثقافية – في المجتمعات المتخلفة تغلب فيها الأمية ومفرزات التكوين الاجتماعي-مما يجعل البسطاء ضمن الأحزاب وقودا لأطماع ومشاريع القيادات فيها.
رابعا: أن الحزب غالبا ما، ينفصل عن المنظومة الفكرية النظرية التي تأسس عليها، وتصبح الممارسة اليومية نابعة من العلاقات الاجتماعية السائدة، وهي متخلفة غالبا، وتغلب فيها الأمية ومفرزاتها من المنظومات المفاهيمية الغيبية، والأسطورية، والخرافية، والعادات والتقاليد التراثية ذات الطبيعة المتخلفة. أو ردود أفعال لها –وهذه أكثر خطورة (فهي تبنى على مواقف يسود فيها الجهل ويضاف اليها الانفعالات والتوترات )..
وإحدى نتائجها، الانتكاسة، والعودة نحو روح عشائرية، لكن بواقع مشوّه، لأن أسس التكوين العشائري، الطبيعية، لا تتوفر فيها، فيصبح أداء (الأحزاب) شبه بمشية البطة المشوّهة*.
………….
• يقال، إن البطة حاولت تقليد مشية الحجل فلم تتقنها، ولما حاولت العودة إلى مشيتها الأصلية نسيتها فتشوّهت حالة مشيتها كما تُلاحظ واقعيا.