إسلاميات جانحة !

 ابراهيم محمود
2-الصليبية والداعشية
إن الشرائع ألقت بيننا إفَنَاً   وأورثتْنا أفانين العداوات 
” أبو العلاء المعَرّي “
====
قبل أكثر من تسعة قرون كانت الحروب الصليبية في الشرق في مغامرتها الدموية الأولى، والتي لم يسلَم منها المسيحيون أنفسهم تحت وطأة الصراعات المذهبية الساخنة، وكان هناك مفهوم ” الصليب/ الرمز ” شارة لمّاحة ومزعومة لحماية قبر المسيح، وها هي الداعشية ” صندوق باندورا الرعب المتأسلم ” تصعّد هولها في سلسلة الإرهاب الدينيّ الطابع، السياسي المحتوى، ليكون لكل منتم إلى جغرافية دار الإسلام نصيبُه من الرعب الذي طال المسلم وغيره.
الداعشية ليست فريدة دهرها، إنما وليدة والدة، مولودة من والدة ولّادة لبطون عنف دموي في بيت معرَّف بالديني، ولم يخل منزل منه من سفك دماء، ومن ضحايا ماتوا بأبشع الطرق.
الصليبية تتداخل مع الداعشية، لكن ما يظهر هو أن الداعشية وهي بسوادها المحمول والمسطور الأبيض الصارخ، أرادت أن تضرب المثل في عنف غير مسبوق يُسمّيها وحدها، فثمة أمثولة كبرى في العنف الدموي أيضاً !
كما لو أن الداعشية فيما جسَّدته من مشاهد رعب وعنف وعسف، تترجِم معادلة رياضية على تماس مباشر بتاريخ تتقاطع فيه خطوط ودوائر، وتتناظر زوايا، وخروقات حاصلة جرّاء عنف متنام، لا يعدو أن يكون مكبوتات رغبات تتراكم، في ظل أنظمة استبدادية ” دسبوتية “، تزيدُ في طغيانها الشاقولي صحبة الأفقي على رعاياها حتى تنفجر هنا وهناك.
الداعشية بقدر ما تسمّي آلافاً مؤلفة من ضحاياها، بقدر ما تشير بأكثر من إصبع اتهام إلى طغاتها الذين تستولدهم الظروف والتجارب المجتمعية المحفّزة على اعتبار ” سلاح الإرهاب ” شاهد عيان على خلل بنيوي مريع، حيث يُسدُّ أفق مستقبل رعايا الدين الواحد المأهولين بالتعادي، أكثر من ” ثور خرافي ” بأكثر من خط/ ثلم منحرف.
راهناً، ومنذ حين من الدهر، لا أكثر من تكرار مفردة ” الصليبية ” أو ” الصليبية الجديدة “، وما في ذلك من التشديد على تكفيرها وتبرير كل عنف ممارَس ضد المعنيين بها، لتكون الداعشية ذاتها في موقع الضحية لا الجلاد، ولا أوضح مما هو مرئي ومسموع عبر فضائيات مستفحلة بروائح مقولاتها الوخيمة، والمواقع الالكترونية المختلفة، وهي تشكّل غطاء مبارِكاً لضروب القتل والنهب والمثلة والسبي العصري للنساء بحق الآخرين، وبالصوت والصورة.
هنا، يمكن الحديث عن الإرهاب المزدوج: إرهاب موجَّه ضد الخصم، أو من في موقعه، أو المعتبَر عدواً، وقد تأثيمه: تكفيره، ليكون تعريضه لضروب العنف أكثر، وضمناً: حز الرأس، ضمناً: هتك الحرمات، ضمناً، قتل الأطفال، ضمناً حرق كل ما يمت إلى ” المقتول ” بصلة، جرّاء الكبت المتعاظم والمفعَّل بطرق شتى، وإرهاب موجَّه إلى الذات، كحال المنتحر الذي يمثّل الوجه الأبشع لإرهاب يودي بصاحبه وبمن هو واقع في نطاق تهديده، إنما حينها لا يكون شاهداً على بشاعة ما قام به، بقدر ما يكون موضوع تفاخر من قبل ” سيّده ” وقد دفع به به عبدَه المتأسلم والمنذور لإرهابه ومن خلاله بالذات، حتى تكون نهايته هو بدوره.
من خلال العقود الزمنية المنصرمة، بدا العالم كما لو أنه يستعيد أزمنة غاية في الهمجية، لا يعود الله نفسه في عرف القيّمين على الجاري بمفارق لأوزار الأرضي، وبالنسبة للإسلام الذي شكّل في ضوء المستجدات جنوحاً قياماتياً، وربما يصدُق أولئك الذين يشددون على أن القيامة قريبة على وقع هذا الظلم الماحق الساحق، كما لو أن القيامة صرخة السماء الصمّاء ذاتها، ولكنها القيامة التي تشهد على جنوح أولي الإسلام هذا في واقعه العملي، وفي الواجهة جل الذين يتفقهون ويتشدقون ويمقمقون على أن الإسلام دين رحمة للعالمين جميعاً، والدماء تكذّب دعاة الرحمة على طريقة” الميَّة تكذّب الغطاس “. فإلى أين يمضي بنا هذا الجنوح المطروح ؟
دهوك- في 17 تشرين الأول 2016 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…