لو كنت «عاهرة»*

ابراهيم محمود
إلى ” أولي أمر” الكُرد في Kampa Domîz بدهوك وسواها
===
نعم، أنا ابراهيم محمود، وبعد أكثر من سبعين كتاباً، أقولها بصراحة: لو كنت ” عاهرة ” : عاهرة لا على التعيين في الجمال أو القوام، طالما أن هناك ما يشفع لي لعبور أكثر من حاجز، أكثر من باب وبوَّابة، دون بطاقة شخصية فعلية، لمن يعنيه أمري، فثمة ما يتقدمني، ثمة ما يحفّز الثملين بما أحمله حينها وتلبية طلباتي في الحال، حتى لو كنت مؤَيْدزة” وِش وقفا “، تأكيداً على أن هؤلاء لا يقلّون فحولة خاصة عن آخرين، حتى لو على حساب قضيتهم الكبرى” المقدَّسة ” .
نعم، لو كنت عاهرة، لتهافت علي ” طلّابي ” في أوقات مختلفة، وفي الليل أكثر، وهم يحملون أوراق معاملاتهم، أو يودعون أرشيف ألسنتهم طلبات وربما شكاوى خاصة، لأسعى لهم من أجلها، وأتلقى مدداً مادياً ومعنوياً .
نعم، لو كنت عاهرة، وأنا في هذا العمر، في عمر كعمري حرفياً، لعرفني القاصي والداني هنا وأبعد أبعد أبعد من هنا، فعبارة ” البدء ثقب “، ليست خرافة، إنما حقيقة يسعى في إثرها، بقدر ما يتسابق عليها جل الذين أعرفهم من أولي أمر الكرد، فالثقب مدخل إلى الأشياء مهما تفاوتت قيمةً، كما هو ثقب” خُرم ” الإبرة، فدونها لا قيمة للخيط، ولكم يمرر خرم الإبرة من خيوط، كم تعمل الإبرة على الوصل بين الأمور، وتبسيط العالم ذاته، وليس من شيء إلا ويستهله ثقب، ويطوّبه ثقب، ويحرّره ثقب، ويفيّزه ثقب، ويشهد على مدى صلاحيته ثقب، وينهيه ثقب…الخ، وهو ما يعزّز مدى أهمية الثقب لدى من أشرت إليهم، أوليس هذا ما يتباهى حتى الذين يتباهون بمقاماتهم الثقافية والسياسية في أوربا بالذات، وهم يسردون لبعضهم بعضاً عن الثقوب التي تمكنوا من عبورها، كما لو أن الكردية شأن ثقبيٌّ، وعلى قدْر عبور ” الثقوب ” تعظم الكردية!
نعم،، لو كنت عاهرة، لاستغنيت عن رجليَّ اللتين بهما أمشي، وربما عن يديّ اللتين بهما آكل، فثمة من يتطوعون دون إعلام، وهم يتقدمون مني، عارضين خدماتهم، من سيارة إلى سيارة، ومن يد إلى أخرى، دون السؤال عما يترتب على هذا التهافت، وماذا أحمل، تأكيداً على أن نشوة رؤية الأنثى تعني اعتبارها ثقب إقامة وقيامة، ومدى رهافة إحساس المهووس بالمحمول والمأمول من خلاله.
نعم، لو كنت عاهرة، لكانت لي أملاك، قبضايات/ حرَّاس شخصيون بالاسم أو من دونه، حسابات مالية، علاقات، ذيوع صيت، حضور مجالس، الظهور في الكراسي الأولى، الصوت المسموع أكثر من آخرين.
نعم، لو كنت أنا ابراهيم محمود عاهرة” وبإطلاق،  لوحَّدت كردستان من خلال جسدي معترك الفحولات الكردية وأختامهم ، وحدت في المعبر الذي أملكه بين عتاة الكرد المتخاصمين أشد الخصام، تأكيداً على أن ليس من سلطة اعتبارية تضاهي سلطة مات كنت أملكه، وأنا أجمع بين النقائض، وأنا أضم إلى ألبوم روّادي، زبائني، عملائي، شخصياتي الخاصة جداً، صوراً لا تحصى، تصلح لأن تكون مشروع يوتوبيا الكرد القادمة.
لكنني ابراهيم محمود الستيني الخارج من روجآفا اضطراراً، وأقمتُ في إقليم كردستان اضطراراً، ولا أدري إلى أين ستكون وجهتي تالياً، اضطراراً أيضاً، جرّاء بؤس القائم، ربما قيّض لي أن أكون دون العاهرة مقاماً وسلاماً .
*-كتبت هذا المقال ” العاهر” كما يبدو، على خلفية الحدث التالي، وهو أن المعتبرين أنفسهم اتحاد كتاب كردستان سوريا، قد ” زاروا” إقليم كردستان ولم يدَّخروا جهداً في أخذ لقطات ” عالية المستوى ” تشفع لهم لأن يكونوا كتّاباً على أعلى مستوى، و” زاروا ” كامبا دوميز، وكعادة حزبييهم الذين عبَّدوا لهم طريق الزيارة واللقاءات، أرادوا التحدث إلى ” جماهيرهم الكردية ” ومن لهم صلة بالثقافة، ومن خلال أولي أمر الكرد، حيث إن ” أحدهم ” اتصل يوم الجمعة في ” 15 -10-2016 ” بالأخ الكاتب عبدالسلام داري، يدعوه لحضور اللقاء ” المرتقب ” طالباً منه الاتصال بالكتاب المعروفين، ومن لهم علاقة بالموضوع، فذكر له اسمي، وأنكر الآخر أنه يعرف كاتباً بهذا الاسم، فاستغرب الأخ داري: وكيف لا تعرفه ولديه أكثر من خمسين كتاباً” كما أعلمني “، لكن الآخر أبدى جهلاً بذلك وطلب منه الاتصال بي، لهذا الغرض.. فرفضتُ طبعاً، لأن ما يجري ليس من شيم الكتّاب أو الثقافة بالذات. نعم، لو كنت عاهرة لكان نجمي في ” صعود ” .
دهوك- في 16 تشرين الأول 2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان…

كفاح محمود مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف. ونتذكر جميعا منذ أن فشلت…

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…