نصان اختارهما ابراهيم محمود
===
17 أيلول” ب ” 1921: إن تطورات مهمة تحصل الآن في كردستان. فمنذ اللحظة التي وصل فيها فيصل إلى البلاد أخذ يتسلم رسائل متتالية من وجهاء الأكراد وزعمائهم القاطنين في شمال حدودنا، تنص على أنهم يريدون أن يخلعوا النير التركي ويشكلوا كردستان مستقلة يرأسها فيصل كملك تحت الحماية البريطانية. ويعمل فيصل على تزويدنا بالمعلومات المختصة دوماً، لكنه حتى إذا لم يخبرنا فليس في ذلك ضير لأن الرسل الذين يحملون الرسائل يأتون على الدوام ويخبرونني بما تحويه رسائلهم، قبل تسليمها في بعض الأحيان. ويريد فيصل بطبيعة الحال أن يعرف ما هي سياسة حكومة صاحب الجلالة في هذا الشأن- إنه أمر لا تعلم عنه شيئاً حكومة صاحب الجلالة نفسها.
في12 نيسان 1923: … ترامى إلى سمعنا أن قرار مجلس الوزراء سيجعل مفعول المعاهدة” المعاهدة البريطانية- العراقية حينها” يسري لمدة أربع سنوات، ومما ينافي الطبيعة أن نجرب إقامة شيء يتوقف على كوننا موجودين هناك بالقوة، فضلاً عن أننا ليس لدينا شيء نبني عليه ما نريده مع الرؤساء الأكراد المتوحشين. إن المادة المتيسرة بأيدينا، على ما يقول جعفر العسكري ، ” مادة ملعونة ” فهم كلهم رجال دين نصف مثقفين ونصف جياع- متوحشين على كل حال، ويكره كل فرد منهم الآخر كما يكره الشيطان، فكيف سيكون بوسعنا أن ننشىء دولة كردية ؟ “* “
====
*- النصان” كما سمّيتهما ” مقتطعان من رسالتين للكاتبة السالفة الذكر، ومن كتاب ” العراق في رسائل المس بيل “، ترجمه وعلق عليه: جعفر الخيّاط، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 2003، ص415- 551.
ولمن ليس لديه العلم الكافي بشخصية الكاتبة، أنوّه إلى أنها تُعَد من بين أخطر الشخصيات النسائية العالمية عموماً، في الربع الأول من القرن العشرين، في تأثيرتها السياسية في المنطقة العربية عموماً، وفي العراق خصوصاً، دون نسيان اطلاعها على مجريات الأحداث في الدول المجاورة وخبراتها المختلفة: إيران وتركيا بالذات، رغم أنها ودّعت الحياة وهي دون الستين عاماً” 1868-1926 “، وتعرَف بأنها شغلت مكتب السكرتيرة الشرقية للحاكم البريطاني كوكس بدءاً من عام 1917 حتى وفاتها ” 1926 “، كانت متعددة المواهب: رحّالة، متسلقة جبال، آثارية، روائية، ذخيرة معلوماتية بأمور قبائل المنطقة، كاتبة يوميات، الفاعلة في وضع خرائط سياسية للمنطقة، ومغيّرة عروش، تركت وراءها كتباً كثيرة، ورسائل ويوميات وكتابات في السياسة، وتتطلب دراسة شخصيتها متابعة لأعمالها الكثيرة وذات الصلة بالمنطقة وبالكرد ضمناً.
وبغضّ النظر عن موقفها السلبي تجاه القضية الكردية، فإن هناك ما يجب التركيز عليه، وهو العائد إلى سلوكيات الكرد فيما بينهم، وكيف يعمد الأعداء والخصوم إلى النيل منهم باستغلال افتئاتهم وعداواتهم الجانبية، وما أوردته آنفاً، من باب التذكير بما كانت تتفكره في المنحى المعنون به، وليس إيرادهما بمثابة المصادقة على كل عبارة مسطورة، إنما تنويه إلى أن قراءة الوارد تحتاج إلى رويّة وبصيرة وليس توجيه الاتهام والشتيمة كما هو المعتاد كثيراً في أوساطنا، ولعل الجاري كردياً يلغي المسافة الزمنية، مع تغيير طفيف في بعض الصيغ والتواريخ، كما لو أن الذي قيل قبل أقل من قرن بقليل يحتفظ بطزاجته.
من جهتي: مذ أن حللتُ في إقليم كردستان قبل أكثر سنوات ثلاث ونصف، أغرِق نفسي في كتب لها صلة بما هو كردي وما يتحرك على تخومه، وأما ما يتعلق بجيرتروود بيل، أو المس بيل، كما تعرَف في العراق، فقد أوليتها جانباً من اهتماماتي البحثية، حيث قرأت مجمل ما كتبته وهو منشور بالعربية، وما كتِب عنها هنا، وسوَّدت صفحات كثيرة في هذا السياق، أمّا ماذا ستتمخض عنه الأيام جرّاء هذه المتابعة، فهذا ما لا أستطيع البت فيه الآن، إنه في حُكْم الغيب .
دهوك- في 14 تشرين ألأول 2016 .