نوري بريمو
تعقد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في هذه الأيام إجتماعها السنوي بمقرها الدائم في نيويورك وبحضور زعماء الدول الأعضاء الذين يلقون كلماتهم التي تعبَّر عن مواقف بلدانهم بشأن حاضر ومستقبل البشرية، وقد شَهِدَتْ أروقة المجلس على هامش إجتماعات هذه الدورة ثمة ندوات ولقاءات ثنائية وثلاثية ورباعية وثمانية بخصوص الأزمة الشرق أوسطية (سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها) والأزمة المالية العالمية ومخاطر انتشار أسلحة التدمير الشامل وعواقب عرقلة حل القضايا العالقة ومسائل إنتهاكات حقوق الأنسان وكيفية حل معضلات ملايين اللاجئين السوريين وغيرهم وسبل مواجهة ظاهرة الإرهاب المستشري في بقاع كثيرة من المعمورة و..الخ.
أما الأمر الجديد الذي أنشد له بعض رؤساء الوفود فهو الدعوة لتفعيل دور مجلس الأمن لجهة توسيع تمثيله لصالح مكافحة الإرهاب وتوفير السلام والأمن والاستقرار لشعوب المعمورة، ومن جهة أخرى فقد أجمع معظم المحللون بأن تراشق الإتهامات كان سيد الموقف بين ممثلي الدول في إجتماعات هذا العام.
أما إقتراح السير نحو تفعيل وإصلاح هيئة الأمم المتحدة وبلورة إدارة عالمية جديدة، فهو بحد ذاته سابقة إيجابية، لأن الدول الكبرى التي تمتلك حاليا حق النقض “الفيتو” باتت طرفاً وجزءاً من بعض المشكلات الإقليمية والدولية وبالتالي فهي لم تعد قادرة على إدارة العالم وحل مشكلاته.
ورغم أن لسان حال الرأي العالمي يدعو إلى تحقيق إصلاح لهيئة الأمم المتحدة، إلا أن هذا الإصلاح مرتبط بمدى قدرة الدول على التحرك في هذه الحقبة العالمية التي يحتاج فيها العالم إلى استنفار المجتمع الدولي برمته لمواجهة تحديات غير مسبوقة كالأزمة السورية الناشبة والتي باتت أشبه ما تكون بحرب عالمية ثالثة، في حين لا يمكننا أن نطلب من الدول ذات الأزمات العالقة أن تحترم المعايير الدولية بدون أن نساعدها في التخلص من أزماتها، وبناء عليه فعلى المجتمع الدولي أن يتوقع حصول ربيع دولي من شأنه أن يلغي المنظومة القديمة ويخترع منظومة دولية جديدة على أنقاض هيئة الأمم الحالية وعلى طريق بناء نظام عالمي جديد.
ولعل الدعوة إلى التفعيل عبر زيادة حقائب العضوية الدائمة في مجلس الأمن الذي يضم حاليا فقط خمسة دول كبرى، تنطلق من منطلقات مختلفة قد تكون من قبيل الأخذ بأولويات التمثيل القاري أو الإقليمي أو لإعتبارات أخرى تتعلق بتغيير موازين القوى، لكنْ يبدو أنَّ جوهر هذه الدعوى يكمن في ضرورة الأخذ بعين الإعتبار مسألة تزايد انضمام أعضاء جدد لهيئة الامم المتحدة منذ تأسيسها وحتى اليوم، ففي حين كانت نسبة التمثيل (7.5 إلى واحد) داخل مجلس الأمن في سنة 1945، أصبحت (36 إلى واحد) في عام 2000، وبناء عليه فانَّ بعض الدول تعطي الحق لنفسها وتضع معايير وتقترح معالجة هذا الخلل الحاصل في معادلة التوازن الدولي بسبب عدم تناسب نسبة التمثيل في مجلس الأمن مع هذا الكم الهائل من الدول الأعضاء في الجمعية العامة.
بَيدَ أنَّ دعوى إصلاح مجلس الأمن الدولي التي كانت تبرز على سطح السياسة الدولية بين الحين والآخر على مدى العقود الماضية التي لم تجد أية استجابة حتى الحين، قد باتت حاجة دولية ملحة نتيجة لتفاقم بعض الملفات العالقة التي عجز مجلس الأمن بتركيبته الحالية الضيقة عن حلها وإيجاد مخارج لها، ولعلّ الشاهد الأكثر دلالة على فشل هذا المجلس هو إخفاقه في إدارة الأزمة السورية ، حيث استطاع نظام الأسد تعطيل جنيف1 وجنيف2 وجنيف3 وإفشال كافة المندوبين الأمميين (الدابي السوداني وكوفي عنان والأخضر الإبراهيمي واستيفان ديمستورا)، أما حبل الفشل في اليمن وليبيا فهو على جرار مجلس الأمن الذي انحسرت قراراته بإصدار بيانات تعبر عن “القلق الشديد” حيال مآسي العصر كسوريا واليمن وليبيا والعراق و…إلخ.
ولنفرض جدلا بأن أقوياء العالم سيستجيبوا لدعاوى الربيع والإصلاح والتوسيع، فإن الأمور قد تسير صوب منح عضوية دائمة للدول الصناعية المتقدمة ذات الحظوظ الأكثر، مما قد يؤدي إلى مزيد من التهميش للدول النامية التي قد لا تتوافق فيما بينها على خلفية المحاولات الانفرادية لبعض القوى الإقليمية الساعية بحمية لإيجاد موطئ قدم لها دون غيرها في قمة هرم هيئة الأمم المتحدة.