بناز تزور دعاء في جنة الخلد

  بافي ايمي *

ننادي جميعا بالديمقراطية والحرية و أحيانا أيضا بالأشتراكية، كل منا انسان متطور وعصري،  نعي و نعرف مامعنى كل هذا؟هل تبدأ الديمقراطية تبدأ من الأعلى إلى الأسفل،  أم من الأسفل إلى الأعلى.

لو بدأ الأنسان بتطبيقها على نفسه- حسب رأيي- و استطاع في أفضل الأحوال أن يطبقها على عائلته، و بأضعف الإيمان على جيرانه، لخلقنا جميعا مجتمعا ديمقراطيا، حرا، يسوده السلام والوئام، ناهيك عن الحب، لأنه مصطلح ممنوع في قواميسنا.
احترام العادات والتقاليد، شيء جميل جدا، ولكن تطوير تلك المبادئ إلى الأمام شيء صعب المنال.
نحن مستعدون للتقليد الحضاري بكل أشكاله، سواء في الوطن أم في بلاد الناس – جعل الله لنا يوما ما بلدا- ننتقي أفضل أجهزة تليفونات خليوية لحملها والتبحبح بها، نبحث عن أفضل موديلات للسيارات و يفضل أن تكون مرسيدس ب م دبليو، موديل السنة الجديدة، حتى لوكانت بقروض البنك الطويلة لا يهم: ولكن أن نحترم مشاعر أطفالنا و شبابنا و نسائنا ؟ ممنوع، حرام، مخجل، وإلا فأين بقيت رجولتنا ؟
بناز ركبت على ظهر فرس ملائكي و طارت بهدوء لتحط رحالها ضيفة عزيزة على دعاء.
بناز:  سلام الله عليك يا دعاء
دعاء:  وطئت أهلا يا أختاه، ضعي رحالك و انزلي في جنة رب عدل بنا، هنا، ها هو جناحك الفردوسي، ارتاحي و اسردي لي قصتك – بيجا هفالا هيجا بيجا-
بناز: يا أختاه، لقد زوجوني و أنا في السابعة عشر من عمري، لا لي علم ولاخبر بما كان ينتظرني، أرادو أن يسكتوني على وجه الحياة، قتلوا صرختي قبل أن يخنقوني، علموني أنه قضائي و قدري مع زوجي.
دعاء:  و هل أحببتي زوجك كما كنت أنا أحمل مشاعري وعواطفي لخطيبي المستقبلي؟
بناز: الحب، قتلوه في كبدي قبل أن يكبر، علموني أنه من المحرمات، والدتي سهرت ليالي طويلة ويدها على شعري تعلمني رسائل والدي، يا بنيتي، يا حبيبتي: لا تفضحينا، أجيرك بالله، لا تلوثي شرفنا و تطئي برأس أهلك في الوحل والأرض، أنسي من تكنين له مشاعرا، ألا ترينني، يوما ما تزوجت والدك أيضا و الحمد لله، صار لنا بيت وعيال، و صرت على صراط مستقيم.
دعاء:  و هل يعرفون الله، أيعرفون من هو رب السماء والأرض، هل عاملونا بقوانين إلهية، أم دنيونية أنانية؟ لكن أبشرك اليوم، هنا ما من فرق بين ديني و دينك، اليوم نحن أخوات في ربوع رب خلقنا لنتعارف ونتآخى.
بناز:  نعم يا عزيزتي، حتى على وجه الأرض أمرهم رب السموات بالتآخي والمودة والتفاهم، ولكن ما الفائدة، ضربوها كلها عرض الحائط، جميل جدا أنه لافرق بيننا و بين كل الآخرين هنا.
أهلي تعبوا بتربيتي، هربوا من ظروف بلادهم إلى بلاد الغربة، فكروا بالتجديد والتحديث والحياة الرغيدة الأفضل، و كان هدفهم هو تحسين وضعنا جميعا إلى الأفضل.
دعاء:  و هل تغير الحال إلى الأفضل، أن ربنا يقول: لا ولن أغير بقوم شيئا، ألا أن يغيروا هم ما بأنفسهم.
بناز: كلهم مذنبون بقتلنا، أهلنا، مجتمعنا، قيادتنا، ولكن هل تنتهي القصة بمعرفة المذنب؟
دعاء:  لا، مع الأسف، أنا و أنت لا نبحث عن مذنب، بل نبحث عن طرق تفاهم جديدة، عن حرية محترمة، عن انفتاح في شخصيتنا و عائلتنا و مجتمعنا،دمنا هدر من أجل هذا، أأصبحنا شهداء؟ لعسى ولعل لا يلحق بنا أخوات أخريات.
بناز: لم نطالب بشرف الشهادة، و لسنا شهداء للدعاية والأعلان، كل ما طلبناه هو حرية الرأي، ذلك اللذي ينادي به كل منظماتنا وأحزابنا و مجتمعاتنا:
دعاء:  قوانينا في الدين تتطلب تقبيل الأكبر منا عمرا و سماع كلامهم، أينما كان وكيف ما كان:
بناز: قوانين ديننا تقول أن الرجال قوامون على النساء، هل من فرق بين ديننا ودينكم؟
دعاء:  هل بالفعل يخاف كل واحد منهم من الآخر؟ أيخجلون فقط أن يخسروا  ماء الوجه؟
بناز: لا ياعزيزتي، أظن أنهم يختبئون وراء زي العادات والتقاليد، لكن الحقيقة نائمة في مكان آخر، رجالنا مع الأسف ليس لديهم ثقة بنفسهم، يحبون الأحتكار والتسلط، يخافون أن يخسروها:
دعاء: آه يا أختاه، فقط لو فهمونا و عاملونا كالبشر و ليس كملك يباع ويشترى ويهدى، ولو أنهم دعونا نختار شركاء حياتنا و نحن مسؤولات عن قراراتنا:
بناز: لعلهم يريدون مصلحتنا ويخافون علينا؟
دعاء:  مصلحتنا ليست كامنة أن يختاروا لنا طريقة حياتنا و شركاء حياتنا، إلى الأبد:
بناز: هم عاشوا حياتهم، في زمن محدد و ما كان يصلح لحياتهم من قوانينهم السارية، قد لا يصلح لزمننا؟
دعاء:  و ازدادت مصيبتك في بلاد الغربة يا أختاه، أهلك حسبوا حساب كل شيء ولكن نسوا أن تأثير البلد الجديد على البنات والأبناء قادم، آجلا أم عاجلا.
بناز: هل بالضرورة أن تكون الحياة في بلد متطور آخر تغيير عاداتنا وتقاليدنا و اعتناق عادات سلبية؟
دعاء: لا يا عزيزتي، خير الأمور أوسطها، يجب أن ينتقى الأفضل و أخذه بعين الأعتبار، نأخذ الأيجابيات و نترك الكثير من السلبيات، لكن هل يسلم بائع المخدرات من اعطائها؟
بناز: لا، لا أظن فلا بد، بقصد أو بغير قصد أن تمر عليه ساعات ضعف يتصرف فيها بأسلوب، يسمونه في عالم الأحياء، أسلوب خاطىء و لذلك قد لايسلم بنطلون الصياد أيضا من أن يبلل بالماء:
دعاء:  اذا عليهم أن يحسبوا حساب كل ذلك، قبل خروجهم من بلدهم و ديارهم؟
بناز:  نعم، لا بد أن يفكروا بهذا أيضا، وليس فقط في البلد الجديد، أكل الزبيب من على الكاتو و ترك الكاتو يابسا دون و كبه في الزبالة:
دعاء:  آه يا أختاه، لقد صعبت لغتك، ولم أعد أفهم كل ما تعنين وما تريدين أن تقوليه ؟
بناز: اذا لندع هذا اليوم، فأنا أيضا جئت من سفر طويل، عناءه كثير.
دعاء:  أنت ضيفتي اليوم، و غدا صاحبة جناحك الخاص، لتسترحي و نكمل حديثنا عن قريب، و سأعرفك غدا أيضا على زينى، هل تذكرتيها، حبيبة ممو؟
بناز:  نعم، يااااه، لكم اشتقت أليها و لكم حلمت أن أتكلم معها، ولكن بكو هل هو أيضا قريب من هنا ؟
دعاء:  بكو، في مكان آخر، بعيد عنا، ولكن مع الأسف مازال هناك آلاف الأسماء الملقبة ببكو في عالم الأحياء: فهل سيصبح بكو يوما ما لنا صديقا و يجلس معنا على طاولة، لنشرح له همومنا و آلامنا؟
هل سيفهموننا يوما ما ؟
———

* مرشد اجتماعي، مترجم، النمسا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…