ظاهرة الإغتيال السياسي في الحركة الكردية في سوريا (1)

 علي شمدين
واجهت الحركة الكردية في سوريا ظاهرة خطيرة أثرت على نضالها، وأحدثت في جسمها نزيفاً قاتلاً، أفقدتها الكثير من طاقاتها النضالية المجربة، ألا وهي ظاهرة الإغتيال السياسي التي مارستها الجهات الشوفينية بحق رموز الحركة الكردية وكوادرها المتقدمة، سواءاً بالتضييق عليها وملاحقتها ومحاربتها بلقمة عيشها، أو عبر إستنفار أبواقها وطوابيرها وتجنيدها في نشرالإتهامات والشائعات المغرضة بحق تلك الكوادر، ومحاولة تشويه سمعتها بين الجماهير وتنظيم الحملات الإعلامية المضللة ضدها، وقد خلّفت هذه الظاهرة الكثير من الضحايا الأبرياء الذين غادروا النضال بين صفوف الحركة الكردية في سوريا بمرارة وألم.
فمن جهة كانت الجهات الشوفينية تتهم هؤلاء المناضلين بالخيانة الوطنية وبالخطرين على أمن الدولة وتواجههم بمختلف اساليب القمع والملاحقة والسجن ومحاربتهم بلقمة عيشهم وسد سبل الحياة أمامهم، ومن الجهة الأخرى تحرض طوابيرها ضدهم وتسلط عليهم أبواقها لتنسج حولهم أبشع الشائعات وأخطر الإتهامات، بهدف عزلهم عن الجماهير وتأليبها ضدهم، فكانت لهذه الظاهرة الدور الأخطر في دفع الكثير من القيادات البارزة إلى دائرة اليأس والشعور العميق بالخيبة والهزيمة، بحيث لم يبق أمامها إلاّ الإنسحاب بصمت من الساحة السياسية كردة فعل سلبية على المعاناة التي كانت تعيشها بين مطرقة الشوفينيين وسندان أبواقها وطوابيرها من المزاودين والمضللين في الوسط الكردي (2).
ولا شك بأن تاريخ الحركة الكردية في سوريا مليء بالعشرات من أمثال هؤلاء الضحايا الذين خلفتهم ورائها هذه الظاهرة الفتاكة، فإذا كان المرحومان نورالدين زازا وأوصمان صبري يعتبران نموذجاً للذين تم تصفيتهم من قبل رفاق دربهم بالطرد من الساحتين التنظيمية والسياسية مبكراً قبل الآوان، فإن عبد الحميد درويش يعتبر نموذجاً لأولئك المناضلين الذين صمدوا بعناد في وجه هذه الظاهرة الفظيعة ولم يستسلموا لأساليب التخوين والتكفير التي كانت تعتمدها في مواجهتهم، وظلوا متحصنين في خندق النضال بين الجماهير حتى يومنا هذا، ولم ينحنوا أمامها بالرغم من صخب آلة التضليل التي أطلقت آلاف الشائعات والإتهامات الباطلة ضدهم، ولم يفقدوا العزيمة والثقة بأنفسهم وبجماهيرهم التي أدركت وإن متأخراً جداً أبعاد تلك الحملات والأكاذيب التي حيكت ضدهم بشكل مبرمج، وتنبهت إلى حجم تلك المؤامرة التي إنطلت عليها حتى وقت قريب.
فمنذ تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا، والمؤسسون الأوائل يتعرضون لأخطر الإتهامات والإشاعات المشوهة لتاريخهم النضالي، وكان أقلها هو إتهامهم بالعلمانية والكفر والزندقة وغيرها من الإتهامات التي من شأنها أن تحرض الجماهير المؤمنة بالدين الإسلامي ضدهم، وقد لعبت رابطة علماء الدين الإسلامي التي أسسها الشيخ عزالدين الخزنوي مطلع الستينات من القرن المنصرم، الدور الأخطر في هذا المجال (3).
كما أثير سيل من الدعايات المغرضة حول الخلافات بين قيادة الحزب في السجن مطلع الستينات، واتُهِمَ المرحوم نورالدين زازا حينذاك بالتخاذل والجبن والمساومة، ولم تنتهي تلك الحملة المنظمة ضده حتى بعد خروجه من السجن، والتي دفعته في النهاية إلى الإنسحاب من الساحة السياسية والعودة إلى أوروبا، وكان المرحوم أوصمان صبري يقف علناً وراء إثارة تلك الحملة بتحريض مباشر من ثنائي الفتنة (صلاح بدرالدين ومحمد نيو)، وكان دافعه في هذا الانتقام القاتل من الدكتور زازا وإنجراره نحو هذه اللعبة هو أنانيته وتحسسه من الدور الكاريزمي الذي كان يلعبه زازا في المجتمع الكردي كشخصية أكاديمية مرموقة، وهو من القلائل في الشرق الأوسط الذين حصلوا آنذاك على شهادة الدكتوراة في العلوم الإجتماعية، في وقت كان المرحوم أوصمان صبري يفتقد إلى مثل تلك المؤهلات السياسية والتنظيمة، وكان مسكوناً إلى جانب ذلك بنظرية المؤامرة والشك حتى بأقرب المحيطين به. 
 ومن هنا ظل المرحوم أوصمان صبري واقفاً للدكتور نورالدين زازا بالمرصاد، حتى أرغم اللجنة المركزية في النهاية لأن تتخذ موقفاً متشدداً تجاه الدكتور نورالدين زازا، فصدر قراراً بطرده من الحزب ومن ثم تشهيره بين الجماهير وبالتالي تحطيم شخصية وطنية كان يمكن لها أن تقدم الكثير لحزبه ولشعبه ولحركته الوطنية الكردية، وكان هذا الإجراء أحد الأسباب الأساسية التي اضطر معها الدكتور نور الدين إلى جانب الضغوطات الأخرى لأن يترك سوريا، ويقيم في لبنان بعض الوقت ثم يذهب إلى تركيا ومنها إلى سويسرا التي أقام فيها حتى وافته المنية في 7 تشرين أول 1988. وفي هذا المجال يقول عبد الحميد درويش: (هنا أرى من الضروري أن أشير إلى أن عقلية الانتقام الشخصي هذه طغت لفترة طويلة على ممارسات قيادة حزبنا والأحزاب الكردية الأخرى بوجه عام في مرحلة اتسمت بالتنافس على رفع الشعارات بدل الاحتكام إلى الموضوعية، ولا ريب أن هذه العقلية علاوة على أنها كانت عاملاً في إضعاف حزبنا ، فقد أساءت أيضاً إلى العديد من المناضلين الذين ضحوا بالكثير في سبيل خدمة قضية شعبهم الكردي كما أنها أساءت في نهاية المطاف للرفيق عثمان صبري نفسه) (4).
وبعد أن إستخدم قادة الإنشقاق المرحوم أوصمان صبري كحصان طروادة لإنجاز إنشقاقهم في 5آب1965 ضد الحزب الأم وضد رئيسه الدكتور زازا، كان لابدّ لهم أن يقوموا بتصفية أوصمان صبري أيضاً والتخلص منه بنفس الطريقة التي تخلص هو بها من المرحوم نور الدين زازا، فنسجوا أفظع الإتهامات وأخطر الأضاليل بحق المرحوم أوصمان صبري، وبالتالي التمهيد لعزله من حزبه بتهمة الخيانة العظمى خلال كوانفرانس حزبهم الذي انعقد في عامودا أواخر الستينات من القرن المنصرم، وهكذا تم تصفية أبرز شخصيتين في قيادة الحركة الكردية في سوريا بإسلوب التشهير والتخوين.
لم يكتف المنشقون بإنجاز إنشقاقهم فقط، وإنما ظلوا يترصدون أيّ كادر قد يبرز في الساحة النضالية الكردية ليسلطوا عليه أبواقهم التخوينية ودعاياتهم التشهيرية، وكان محمد نيو يمثل أسوأ نموذج لإدارة هذه الظاهرة الخبيثة بين صفوف الحركة الكردية، فهو الملا الـ(يساري)، الذي أتقن فن التشهير والتضليل وأساليب التخوين والتكفير في حجرات الملالي وكتاتيب الشيوخ وطلاب الشريعة، ومن أجل إنجاز تلك المهمة غير المقدسة، قام المنشقون بتشكيل لجان للدعاية ضد الجناح الذي نعتوه بالـ(يمين)، وذلك على نمط عيادات الدعاية النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وهي كانت متخصصة بشكل رئيسي في محاربة حميد درويش، الذي بدأ نجمه يسطع وشخصيته الكارزمية تتبلور شيئاً فشيئاً بين صفوف الجماهير، وكانت مهمة تلك اللجان هي أن تخترع إسبوعياً حزمة من الإشاعات التي تندى لها الجبين ضد حميد درويش ورفاقه، لتذيعها بين الرأي العام، وما أن تنتهي مفعولها حتى تلحق بها بواحدة جديدة أخرى وهكذا (5).. 
استطاع حميد درويش بنضاله الدؤوب أن يصمد في وجه تلك الحملة الشرسة، ويفشِل مخططات خصومه الهادفة إلى تصفيته، ودفع بهم إلى دائرة سياسية ضيقة حتى لفظتهم أحزابهم وتنظيماتهم من بين صفوفها، وانفضحت فيما بعد الأبعاد الخفية لمؤامراتهم التي استهدفت المناضلين المخلصين لعزلهم جماهيرياً وبالتالي إغتيالهم سياسياً، وهناك شهود عيان مازالوا أحياء ممن تورطوا في تلك اللعبة أو الذين انطلت عليهم تلك المؤامرة في حينها، وهم يعترفون الآن بما كانوا يحيكونه من إشاعات ضد حميد درويش ورفاقه (6).
لقد ظل درويش وحزبه الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا الذي أعلن عن تأسيسه في الرابع عشر من حزيران 1957، يواجه حملات إعلامية مضللة يقودها الشوفينيون والإنعزاليون، الذين يغيظهم أن يبرز هذا الحزب كقوة نضالية فاعلة تنتهج سياسة موضوعية، وتعبر بصدق عن طموحات الشعب الكردي في سوريا وتعكس بواقعية خصائصه القومية، بعيداً عن التضليل والمزاودة والتطرف..
ولهذا فإن تلك الجهات لم تبق مكتوفة الأيدي إزاء تنامي دور هذا الحزب ومكانته الجماهيرية، وإنما استمرت في محاولاتها التضليلية لتشويه صورة الحزب والطعن في سمعة قيادته وكوادره، والتركيز على شخص سكرتيره، مرة بنعته بالدكتاتورية الحزبية وبأنه سكرتير أبدي، ومرة بأنه صار كهلاً ولم يعد قادراً على مواظبة أعباء النضال، ومرة أخرى بإنه يتبع سياسة مساومة وإنبطاحية وما إلى ذلك من النعوت الرخيصة التي لا يهدف مروجوها من ورائها  مصلحة حزبه بالطبع، وإنما هي محاولة يائسة منهم للنيل من هذه الشخصية الكارزمية التي باتت تشكل ركناً أساسياً من أركان قوة حزبه وصموده، وتشويه صورته كأبرز رموز الحركة الوطنية الكردية في سوريا وتصفية آخر مؤسسيها الأوائل، وسعياً منهم لصرف الأنظار عن القضية القومية المركزية للشعب الكردي نحو قضية ثانوية هي في جوهرها قضية تنظيمية بحتة لاتخص أحداً سوى الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا الذي بات اليوم يضم بين صفوفه المئات من الكوادر المثقفة ومن ذوي الشهادات العالية، ومن المناضلين العريقين الذين خبرتهم السجون والمعتقلات، وصقلتهم السنوات الطويلة من النضال في ظروف العهد السري، وبات يمتلك هيكلا تنظيما ينتشر حيثما انتشر أبناء الشعب الكردي في الداخل وفي بلاد المهجر، وهو يعتمد الديمقراطية في بنائه الهرمي واختيار هيئاته بما فيها منصب السكرتير الذي ينتخب مباشرة من المؤتمر الذي يعتبرالسلطة العليا في الحزب بحسب الأصول التنظيمية الديمقراطية المتبعة فيه!!.
معلوم لكل منصف بأن هذه الحملة لم تبدأ الآن بسبب تقدم عبد الحميد درويش بالعمر كما يدعون، وإنما بدأت منذ ما يزيد النصف قرن عندما بادر ورفيقاه (أوصمان صبري وحمزة نويران) إلى تأسيس الحزب أواسط الخمسينات من القرن المنصرم، وهو لم يزل في ريعان شبابه، ولم تبدأ أيضا تلك الحملة لكونه شغل منصب السكرتير لسنوات طويلة كما يتبجحون، وإنما شنت حتى قبل أن يصبح سكرتيراً عام 1965، وذلك عندما قاد حزبه بجدارة طوال سنوات العهد السري، حيث كان ملاحقا ومتواريا عن الأنظار، دون أن يغادر البلاد رغم ما عاناه من المرارة ومختلف صنوف الحرمان والعذاب، وساهم في بقاء الحزب موحدا ومتماسكا آنذاك، ولهذا فهم لا يبغون من وراء مطالبتهم بتنحيته من موقعه كسكرتير أن يسدوا بالنصيحة للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا بكل تأكيد، أو بسبب غيرتهم على الأصول التنظيمية في تداول القيادة، وإنما انتهاكاً لتلك الأصول وتدخلاً فظاً في شؤون حزب هو غير حزبهم، لأنهم بمطالبتهم هذه إنما يتدخلون في شؤون لا تخصهم قط وهم يدركون هذه الحقيقة ويتقصدون تشويهها.. 
الحقيقة إن هؤلاء بتصرفهم هذا إنما يروجون لظاهرة خطيرة لا تخدم مصلحة الشعب الكردي وقضيته القومية بأية حال من الأحوال، وهي الدعوة إلى إستبعاد وتصفية الكوادر التنظيمية المجربة والمخضرمة من بين صفوف الحركة الكردية وتفريغها منهم، لأن المطلع على بديهيات العمل السياسي يدرك جيداً بأن النضال لا يقاس قط بالسن أو العمر وإنما بمقياس العطاء والأداء الناجح وبالدور الفاعل الذي يؤديه هذا الشخص أو ذاك، وبمواقفه السياسية التي يشكل الواقع الميداني والتجربة النضالية المحك الأساسي لإختبار مدى نجاحها وصحتها!!.
فإذا كان عبد الحميد درويش قد حافظ على روحه النضالية العالية متقدة إلى يومنا هذا متحملا ظروف الملاحقة والسجن والإعتقال والقهر المادي والمعنوي، فانه يسجل له بأنه كان صابراً على كل تلك الظروف القاسية التي واجهته، وعنيداً في التمسك بمواقفه السياسية وقضيته القومية في وجه أساليب الغدر والإتهامات القاسية والإشاعات القاتلة التي وجهت ضده من جانب الشوفينيين والانعزاليين، وهذه الروح النضالية لاشك استحقت كل الإعجاب والتقدير من لدن الشرفاء والغيورين على المصلحة القومية والوطنية للشعب الكردي (7).
 إن نظرة سريعة على السجل الطويل للكوادر القيادية المناضلة التي راحت ضحية تلك الموجة من المهاترات والمؤامرات الخبيثة، تبين حجم الخسارة الكبيرة التي لحقت بالحركة الكردية بتصفية هؤلاء المناضلين الأوائل الذين تم اغتيالهم سياسياً من قبل تلك الجوقة المدججة بسلاح التخوين والتشهير، الذين افتقدهم الشعب الكردي وهو يخوض أصعب مراحل نضاله وأحوجها إلى مثل هؤلاء الذين كانوا يعدون رصيداً غنياً ومخزوناً هاماً من التجربة النضالية والخبرة السياسية، الذين كانوا سيؤثرون بدون شك على واقع الحركة الكردية ويدفعونها نحو الأمام لو لم يتم استبعادهم بأساليب مؤامراتية يندى لها الجبين ويدمى لها القلب، ولعل آلية تصفية الدكتور نور الدين زازا هذا الكادر القيادي الفذ والأكاديمي العريق إلى خارج الحزب وهو في أوج اندفاعه وذروة عطائه تعتبر جريمة سياسية بحق قضية شعبنا قبل أن تكون بحق شخصه بالذات،عندما نجحت السلطات الشوفينية مع الأسف الشديد آنذاك في تمرير مؤامرتها في وضح النهار بأدوات برعت في أساليب التضليل والمهاترات، وقد تورط في تنفيذها أيضاً ذاك المناضل الصلب المرحوم اوصمان صبري بأنانيته وسلوكه التنظيمي الخاطئ كما أسلفنا، وقد راح هو أيضاً ضحية لتلك العقلية المدمرة فيما بعد على يد من يدعون اليوم بأنهم (أحفاده)، الذين لفظوه من حزبه بشكل مهين وبتهمة التخوين ..
لم يكتف المضللون بإتهام تلك الرموز، وإنما طالت حملاتهم كل من حاول التقرب منها أو قرر التعاون معها، فبينما كانوا يروجون بأن حميد درويش هو من جماعة الدكتور نور الدين زازا لوقت طويل، صاروا يتهمون فيما بعد كل الرموز النضالية المخلصة لقضيتها والحريصة على وحدة صفوفها، لمجرد إنها حاولت فتح أبوابها مع الأتجاه الذي يقوده حميد درويش كإتجاه لايمكن الإستغناء عنه في أيّ عمل نضالي جدي ومؤثر على الساحة الوطنية الكردية في سوريا. 
فقد إتهم هؤلاء المرحوم كمال أحمد درويش (السكرتير الأسبق للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا/ البارتي)، بأنه باع نفسه لحميد درويش مقابل فنجان من القهوة، لمجرد إنه قرر مطلع الثمانينات وبحرص وطني مسؤول اللقاء بحميد درويش والتعاون معه من أجل خوض الإنتخابات البرلمانية بقائمة موحدة تلبية للرغبة الجماهيرية التي كانت تنتظر منهم مثل هذه المبادرة في توحيد الصفوف. 
كما إتهموا كذلك المرحوم الأستاذ إسماعيل عمر(رئيس حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا/ يكيتي) بأنه الشاهد المقنع لحميد درويش لمجرد إنه وبحسه القومي الرفيع، وبوعيه الوطني العالي أدرك حجم المؤامرة الخبيثة التي حيكت من قبل تلك الجماعات المضللة التي نسجت في وضح النهار كذبة فاضحة ضد حميد درويش وادعت بأنه شتم الرموز الكردية في كردستان العراق، والتي استهدفت من وراء مؤامرتها ضرب التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا ومجلسه العام الذي شكل آنذاك رقما هاماً في المعادلتين القومية والوطنية، وعندما رفض المرحوم إسماعيل عمر الإنجرار إلى تلك المؤامرة، ولعب دوره التاريخي في إجهاضها وإنقاذ هذا الإطار التحالفي من الفشل والإنهيار من خلال فضح تلك المؤامرة، عندئذ وجهت إليه تلك الجماعات أبواقها الدعائية، وفتحت عليه أبواب الحملات الأنترنيتية المشبوهة (8).
لاشك بإن الحركة الكردية في سوريا مازالت تعاني من هذه الآفة التي تترصد أية شخصية كارزمية قد تبرز من بين صفوفها، حتى باتت متجذرة بين صفوف الحركة الكردية في سوريا، وكمثال لها نذكر هذه الحادثة التي حصلت خلال زيارة الوفد الجماهيري الواسع من المناطق الكردية إلى مدينة القرداحة لتقديم العزاء بوفاة باسل الأسد وكان يتقدم الوفد كلا من عبد الحميد درويش والمرحوم كمال أحمد درويش بإعتبارهما عضوي مجلس الشعب آنذاك، وبعد وصول الوفد إلى مكان العزاء طُلِبَ منهما إختيار وفد من عشرة أشخاص من بينهم للإلتقاء بحافظ الأسد وتقديم واجب العزاء، إلا أنهما فشلا في ذلك، عندها قال حميد درويش بمرارة: لوكنا نستطيع أن نختار من بيننا هذا العدد لكانت لنا دولتنا منذ زمن بعيد، في إشارة منه إلى هذه الآفة الرافضة لبروز رموز تاريخية لقيادة جماهيرها نحو الحرية والخلاص.
هذا وقد حاول بعض الغيورين على المصلحة القومية العليا، خلال التحضير لأعمال المؤتمر الوطني الكردي في سوريا، الذي انعقد في القامشلي في (26/10/2011)، أن يدفعوا بالمؤتمر نحو إختيار هيئة رئاسية تمثل الشخصية الإعتبارية للشعب الكردي أمام الرأي العام الدولي وفي المحافل الرسمية، إلا أن جماعات صغيرة حاقدة رفضت بقوة هذا الإقتراح إنطلاقاً من أنانياتهم الحزبية الضيقة وشعورهم الدائم بالدونية والنقص، ولأنهم كانوا متأكدين من ظهور شخصيات جديرة من دونهم إلى الأضواء وستكتسب كاريزمتها السياسية، فأصرت تلك الجماعات على أن تكون الرئاسة دورية تتبدل كل شهرين كل ينتظر دوره، ضاربين بعرض الحائط المعايير الرئيسية التي لابد أن تتوفر في من يتولى مثل هذه المسؤولية التاريخية، كالكفاءة والخلفية النضالية والملف السياسي.. الأمر الذي دفع إلى جانب عوامل أخرى بالمجلس الوطني الكردي نحو دائرة العزلة والطريق المسدود. 
وهكذا، وخلال هذه المسيرة الشاقة والمؤلمة من نضال الحركة الوطنية الكردية في سوريا، ظهرت نماذج قزمة أرادت أن تطرح نفسها بديلاً عن تلك الكوادر النضالية العملاقة، وذلك عبر تشويه صورة هؤلاء المناضلين والتشويش على سمعتها النضالية، ولم ينجح المضللون في شيء بقدر نجاحهم في أداء وظيفتهم المتمثلة في تشويه سمعة كوادر الحركة الكردية البارزين وتشتيت صفوفها تحت ظل شعارات براقة مخادعة، واعتمد هؤلاء الإنتهازيين أبشع أساليب الخداع والتضليل في إنجاز مهامهم غير المقدسة. 
وبعد إنتهاء أدوار هؤلاء المضللين وافتضاح حقيقة أفعالهم، إنفض من حولهم أنصارهم الذين انخدعوا بشعاراتهم طوال العقود الأخيرة الثلاثة من الحرب الباردة، لتبقى أحزابهم هياكل فارغة من الأعضاء والأنصار والمؤيدين بعد أن أنهكتها التكتلات والإنشقاقات، ولعل أبرز من يمثل مثل هذا النموذج السيء من الكاريزمات الخلبية المصطنعة هو صلاح بدرالدين، الذي لم يعلن إعتزاله عن حزبه إلاّ بعد أن تركه أشلاء متناثرة كجماعات سياسية وشلل تنظيمية صغيرة هنا وهناك (9).
 ولابد من التساؤل: لمصلحة من ألّح هؤلاء ويلحون على إطفاء هذه المشاعل النضالية المتوهجة التي أنارت الطريق أمام الشعب الكردي وقضيته القومية، ويستعجلون على إحالتها إلى التقاعد أو الطرد، وهي لا تزال في أوج عطائها السياسي وفي ظروف خطيرة وحساسة نحن احوج ما نكون إلى مثل هؤلاء المناضلين لإدارتها؟!! .
الهوامش:
1- هذه الدراسة هي جزء من كتابنا: الإعلام والرأي العام الكردي في سوريا / تأليف باللغة العربية/ صدرت طبعته الأولى بمدينة السليمانية (2013)، نعيد نشرها بمناسبة حلول الذكرى السنوية لرحيل المناضل العريق الدكتور نورالدين زازا، التي تصادف (7/10/1988).
 2 –  في هذا المجال يقول المرحوم حمزة نويران بالحرف: (بالرغم من أنني لم اكن ملتزماً بالتنظيم الحزبي بعد اعتقالي عام 1968 ، بقيت محاصراً وتحت رقابة السلطة الدائمة في كل تحركاتي ، حتى ولو كان من البيت إلى المقهى أو العكس من جهة، ومن جهة ثانية حملات عدوانية شرسة وتشهير من قبل ما سمي باليسار دون ايّ وازع من أخلاق او ضمير، السلطة تحاصرني برقابتها، واليسار ينهش في لحمي ويحاول عزلي عن المجتمع)/ من كتاب (المناضل حمزة نويران- صفحات من الذاكرة/ ص 103-104).
 3 – وفي هذا الإطار يذكر عبدالحميد درويش في كتابه (أضواء على الحركة الكردية في سوريا)، مايلي: (ومن بين الجهات التي وقفت بعناد ضد وجود حزبنا ، هي رابطة علماء الدين الإسلامي التي تم تشكيلها بُعَيد تأسيس حزبنا من قبل المرحوم الشيح عز الدين الشيخ أحمد الخزنوي ، وكان الهدف من تشكيل هذه الرابطة هو معاداة حزبنا  بالدرجة الأولى ، وقد انضم عدد كبير من الملالي والشيوخ ورجال الدين إلى هذه الرابطة وحاربوا حزبنا بجميع الإمكانات المتوفرة لديهم . وإعتمدت الرابطة في محاربتنا بشكل أساسي على اتهام حزبنا بخرق قواعد الدين والشريعة الإسلامية)، لقد توقف حمزة نويران أيضاً على هذا الموضوع في الكتاب الذي أعده محمد جزاع بعنوان (المناضل حمزة نويران- صفحات من الذاكرة/ ص 16).
 4 – مذكرات الأستاذ عبدالحميد درويش (أضواء على الحركة الكردية في سوريا)، ط1 – آيار 2000 / ص 52.
 5 – نذكر من بين هؤلاء الحاج سليمان ملا سعيد كرمي (الذي إصطف مع اليسار خلال إنشقاق  1965 ، وكان من أبرز الذين لعبوا هذه اللعبة في منطقة القامشلي آنذاك)،  فقد  أقرّ بفعلته بعد أن تقدم به العمر وأصبح من الأثرياء، وقام بزيارة بيت الله الحرام لأكثر من مرّة، وبعد أن ظلّ ضميره يعذبه طوال كل تلك السنوات بحسب إعترافه أمام أولاده وأحفاده الذين حضروا إلى مأدبة الغداء التي أقامها بهذه المناسبة بحضور المرحوم تمر مصطفى، وطلب آنذاك من الأستاذ حميد درويش أن يغفر له ما نسجه ونشره من إشاعات وأضاليل ضده، وذكر له خلال إعترافه الكثير من نماذج الإشاعات التي نظمها بحقه. 
 6 – لا شك إن سلسلة هؤلاء تطول ، ولكن نذكر من بين الذين اعترفوا بهذه الحقيقة المرّة وبحضور الشهود: سليمان ملا سعيد كرمي، كجا كرد (أمينة محمود)، سعيد بارودو، عبدالرحمن آلوجي، حميد كودو، حج محمد بوطي، محمد علي حسو، صبغت الله سيدا، سلي عموسي ..
 7 – وللاطلاع على صورة عبدالحميد درويش في مرآة معاصريه من الكرد والعرب والآثوريين والسريان، يمكن مراجعة كتاب (عبدالحميد درويش/ شهادات وآراء)، الذي أعده السيد ميداس آزيزي، الطبعة الثانية2 / عام  2013 بمدينة السليمانية.
 8 – فيما يلي نص الرسالة التي وجهها( التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا)، حول هذا الموضوع إلى كلاً من المكتبين السياسيين للحزب الديمقراطي الكردستاني، وللاتحاد الوطني الكردستاني، نعرضها للقراء الأعزاء وهي تفضح تلك المؤامرة وتدينها.. الرسالة هي: (تحية اخوية خالصة: بعد انعقاد الاجتماع الدوري للمجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا، أوائل شهر آذار الماضي، تناقلت بعض الجهات احاديث منسوبة للأخ عبد الحميد درويش سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، تدعي بأنه أساء فيها إلى بعض الرموز الكردستانية، الرئيس مام جلال رئيس جمهورية العراق، والرئيس مسعود البارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، والأخ نيجيرفان البرزاني رئيس حكومة إقليم كردستان، وقيادة الحزبين الشقيقين الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، إن التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا، الذي حرص دوماً على إقامة أفضل العلاقات مع كافة الأحزاب الكردية والكردستانية، والتمسك بالاخلاقيات والسلوكيات النضالية البعيدة عن لغة التشهير والمهاترات، يؤكد في الوقت نفسه بان تلك الأحاديث لاتمت إلى الحقيقة بصلة وتهدف إلى تشويه صورة التحالف ودوره في الحركة الوطنية الكردية في سوريا، وهي مجرد إشاعات ليس إلاّ، ومحاولة للإساءة للعلاقات الأخوية بين التحالف والحزبين الشقيقين.. مع فائق الإحترام / القامشلي 10/8/2008) .
 9 – لقاء أجراه الصحفي روني علي في ( نافذة للتحاور ) على موقع (qamislo.com ) الالكتروني،  مع  صلاح بدرالدين أعلن فيه الأخير عن اعتزاله عن حزبه عام 2003، بعد أن تركه هيكلاً فارغاً، على إثر تعرضه لإنشقاقات متتالية  تركته  أشلاء وجماعات هزيلة متفرقة.


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…