ماجد ع محمد
“يا مرائي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك”
الانجيل
مِن دُرر النبي محمد قوله “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” فمن المؤكد أن فحوى الحديث غير مقتصر على المجال الاجتماعي ولا الاقتصادي ولا السياسي، إنما هو أشبه بقانون كلي، يشمل جميع مناحي الحياة، ومن ضمنها الإعلام الذي هو محور حديثنا اليوم، حيث يشير القول بوضوح إلى حرص كل فردٍ من أفراد المجتمع على مصلحة غيره كما يحرص على مصلحته الشخصية، وهو يهدف بلا شك الى ترسيخ مبدأ التكافل الاجتماعي والإيثار وإحقاق الحق بين الناس على مر العصور والأزمنة.
وبناءً عليه وبغض النظر عما يعانيه المرء وما يحدث معه، فما قيل أعلاه يحضه على مراعاة ظروف الآخرين وما يحدث معهم أو يجري في ديارهم، وهو ينسحب إلى تخوم عدم السكوت عن الأخطاء أو الانتهاكات بحق الغريب أو القريب وفقاً لمقولة: “الساكت عن الحق شيطان أخرس” لذا ينبغي على المرء وخاصةً الإعلامي أن يتحلى بالصدق فيما ينشر، ويكون مِقداماً في قول كلمة الحق أينما كان، وأن لا تقتصر بسالته الانتقادية المزعومة على مكان دون غيره، ولا تحضر في مناسبة وتخفى في أخرى، ولا يتبجح بقولها في محفلٍ ويلتزم بالصمت المطبق في محفلٍ آخر.
ولا شك بأن إيمان المرء بالعدل والإنصاف هو محط تقدير وترحيبٍ حتى لو كان المعنيُ من الحلف المبالغ في عدائه لجهةٍ ما، وأن يُناصر المرء حقوق الانسان لهي صفة حميدة يجب عدم تغافلها حتى لو كان المُناصر من الموالين لمن نكره، ولكن أن يرى الشخص أبسط عورةٍ في خصمه ليلوح بها ليل نهار هي بالتأكيد وسيلة رخيصة للنيل منه، طالما أن المعني يتقصد إخفاء عشرات الحالات المماثلة عن الناس، بحكم أن تلك الأفعال المشينة صادره عن رهطه أو حزبه أو فيلقه السياسي.
إذ ومن خلال المتابعة الاعلامية فقد تناولت أغلب وسائل الاعلام التابعة لمجمع الدهاقنة في قنديل مع الاحتفاء الظاهر من قبل أنصار ذلك الحلف في وسائل التواصل الاجتماعي، منذ يومين، خبراً مفاده “أن أسايش أربيل قامت باختطاف المواطن هيمن عبد الخالق في ناحية “بنة سلاوة” التابعة لمحافظة أربيل، وأهانته من خلال حلق رأسه وحاجبيه بشكل غير لائق ومن ثم تركه وابنه في منطقة نائية، مؤكدين الخبر على لسان رئيس لجنة حقوق الانسان في برلمان كوردستان، سوران عمر، “بأن قوات الاسايش التابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني هي من قامت بإهانة ذلك المواطن” علماً أن الأسايش تابعين في الاقليم للحكومة وليس للحزب المذكور! وقولهم بأن المواطن عبد الخالق هو من نشطاء حركة التغيير وكان من البيشمركة ويزاول عمله في ديوان وزارة البيشمركة قبل ان يتم فصله إثر كتابته تعليقاً بشأن الرواتب، ليصل الأمر معه الى أن تقوم الآسايش بذلك العمل المشين بحقه”، وطبعاً من دون أن يتطرق أحد إلى أسباب ودوافع الأسايش للقيام بذلك الفعل المتعارض مع شرعة حقوق الأنسان، أو معرفة شيء عن خلفية الرجل وممارساته اليومية أو سلوكياته.
ولكن لنفرض جدلاً بأن الخبر موثوق مئة بالمئة وأن ذلك المواطن بريء حقاً كحمامة كانت سائرة في طريقها فاعترض دربها باشقٌ شرسٌ من الأسايش، ولكن السؤال أليس جديراً بتلك الوسائل المطبلة والمحتفية بذلك الخبر بأن يتجرؤوا أيضاً بنشر الأخبار اليومية لما تتعرض إليه حمامات الكانتونات؟ والإعتداء المتواصل من قبل أسايش الاتحاد الديمقراطي على المواطنين الأبرياء، ومنها ما تعرضت له مراسلة روداو رنكين شرو مِن قبل أسايش كانتون دهام الهادي من الإهانة إلى السحلِ الى الضرب ومن ثم عدم السماح لها بالدخول إلى بلدها، أم أن النيل من الآخر والتحدث عن مقابحه أكثر سهولة وأهمية من الاعتراف بالمثالب المماثلة التي يقترفها من هم محسوبين على واحدنا أيديولوجياً؟ وهل على الإعلام أن يكون أعوراً إذا كان إعلاماً حزبياً؟ بحيث لا يرى إلا بعينٍ واحدة مع حجب المَشاهد كلياً عن الجمهور من خلال العين الاخرى التي حجب نورها الإعلامي؟
وفي الخاتمة وإعلامياً نقول بأن من يتجاسر على نشر أصغر أو أكبر عيبٍ من عيوب الآخرين ويلوح به بمناسبة وبدونها، وبالمقابل لا يمتلك الجرأة على الإقرار بما يقترف مناصرو حزبه أو تنظيمه أو عشيرته من عيوب يومية فلا مصداقية لا لخبره ولا لمنبره الأعور، وما من فضيلةٍ أصلاً لدى الذي لا يتجرأ على انتقاد المستبد القريب منه والمحسوب عليه، ولا يُظهر شجاعته إلا على على الآخر الخصمِ وعن بُعد طبعاً، فهذه المكاييل والازدواجية النقدية في تناول قضايا حقوق الانسان مِن قِبل مَن يقترف تلك الحقوق بشكل متواصل، نشك بأن تساوي حدوة حصانٍ تلكأ عفو الخاطر بالمنبر ونبأئه.