إيـــــــران … السيناريو الأصعب ؟!

م .

باڤي ژيـن

 سياسة شدِّ الحبال بين أمريكا وإيران يختلط فيها المنطقي، باللاموضوعي ؛ فمحاولات إيران المستميتة ونجاحها في تخصيب اليورانيوم لاستخدامات حميدة كما تتدعي, لا يمكن فهمه على نطاق ضيق من قبل الدوائر الاسترتيجية الغربية, على اعتبارها دولة راغبة في الامتلاك والحصول على التكنولوجيا والطاقة النووية لأعراض سلمية, حيث- أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير لها صدر عام 2003 ( أن إيران قد أخفت برنامجاً للتخصيب النووي لمدة 18 عاماً)
والنزاع مستمر منذ ذلك الحين؛ وفي الغالب الحديث عن الطموح الإيراني لا يقف عند الحدود القطرية الضيقة, وقد يتخطى الأقاليم المجاورة لتمتد إلى آفاق أرحب وأوسع… يؤكد الدكتور رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام : ( أن على الدول الغربية ومن بينها أمريكا أن تدرك أن إيران تغيرت وأن تهديداتهم لن تجدي نفعا لأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى أن يكون لها كلمة الفصل في المنطقة خلافا لرغبات القوى العظمى  .) كما صرح مؤخراً السيد علي خامنئي : بأن إيران تقود شعوب العالم في مواجهة أمريكا .

 
إن لخوف أمريكا وحلفائها من تصاعد وتنامي قوة إيران الاقتصادية واللوجستية في أكثر مناطق العالم حساسية ونفوذاً وتوتراً ما يبرره ؛ فالدعم اللامحدود الذي تقدمه إيران للطائفة الشيعية, لا يراد منه بناء منظومة طائفية شيعية فقط , وإن اعتبرنا ذلك صحيحاً في حالة دعم حزب الله والتيار الصدري الشيعي في العراق , ولكن كيف يفسر دعم النظام الإيراني السخي ( مادياً ولوجستياً ) للحركات السلفية الأفغانية المناهضة والمتخالفة لفكرة التشيع, والمجموعات الأصولية السنية المتطرفة في العراق, كذلك حركتي حماس والجهاد السنيتين في فلسطين ؟ إن نظام المحافظين في قُم , تعمل عكس ما يدعي ويذهب إليه ؛ فبراغماتية الدولة الفارسية القومية بعيدة كل البعد عن رعاية المشروع الشيعي وظاهرة التشيع, والجمع بين هذه المتناقضات ليس الهدف منه إحياء ودعم طائفة دون أخرى, بل بناء منظومة مرحلية قوية موازية ومناهضة للمشروع الأمريكي تجمع محور ( إيران – سوريا – حزب الله اللبناني – حماس – الجهاد الإسلامي في فلسطين ) بالإضافة إلى الدعم اللامحدود للمنظمات الإرهابية في العراق وأفغانستان والشيشان عبر قنوات استخباراتية محترفة وما توفر لها من إمكانات مادية هائلة في الوقت الراهن .


بدون شك أن السعي الإيراني الحثيث نحو تحقيق دور مركزي لها في المنطقة والعالم من خلال بناء دولة فارسية قومية مترامية الأطراف ( تمتلك سلاحاً نووياً واحتياطاً نفطياً كبيراً واقتصاداً متنامياً ومزدهراً ) على أساس عرقي لا طائفي, هو الهدف الاستراتيجي لها وأما الدعم الذي تقدمها للآخرين باسم الصحوة الدينية والإسلامية وإدعاؤها النضال من أجل تحرير الأقصى وعلى لسان كبار مسؤوليها ( يجب محو الدول اليهودية من على الخريطة وترحيل الإسرائيلين إلى ألمانيا والنمسا ) ما هي إلا مسائل تكتيكية ووقتية, الغرض منها استمالة الشارع الإسلامي العريض إلى جانب مشروعهم السياسي القومي, وسينتفي بتحقيق أطماع إيران وأحلامها الشعوبية القديمة الجديدة في المنطقة .
 أياً كان موقفنا من نوايا وتوجهات إيران, لابد من الاعتراف بأنها لا تزال تمتلك العديد من الأوراق المؤثرة في الشأن السياسي الإقليمي والدولي, وذكاء العقول المفكرة لديها يؤهلها للمناورة واستخدام ما بحوزتها من عناصر الضغط  في الاتجاه الصحيح, وعلى عدة الجبهات :
 1-  تمتين أواصر العلاقة والتعاون مع الدول والحركات والتيارات والمنظمات التي تندرج تحت يافطة( قوى الممانعة والرفض ), وكذلك العمل على تحسين وتوطيد علاقات التعاون والتنسيق مع كل من الصين وروسيا الاتحادية, ونجاح إيران في الأونة الأخيرة من الإستفادة وجلب الخبرات والكفاءات والكوادر العلمية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية خاصة في مجالي الطاقة ( العالم النووي الباكستاني: عبد القدير خان ) والتسليح مقابل مزايا سخية ورواتب مالية ضخمة مستفيدة من فارق السعر في ارتفاع أسعار النفط الخام علماً أن هؤلاء كانوا يعيشون بموازاة خط الفقر في أوطانهم – مصائب قوم عند قوم فوائد – أدى هذا التلاقح بين الخبرات الوطنية الإيرانية والعالمية إلى نجاحات مثيرة خاصة في مجالات الطاقة والتسليح وصولاً إلى منظومة صواريخ متطورة تصل مداه إلى(2000 كم) والقادرة على حمل رؤوس غير تقليدية وبإمكانها تفادى الرادارات وتدمير عدة أهداف في وقت واحد كما أعلنت عن تطويرها لطوربيد مائى تبلغ سرعته (360  كم) في الساعة وجربته بنجاح أثناء مناوراتها العسكرية في مياه الخليج وإعلان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد دخول إيران رسمياً إلى النادي النووي الدولي يدل على مدى  تطور إيران في هذا المجال  .


2-  العمل على زعزعة أمن واستقرار العراق بما فيه إقليم كردستان الخاضع لسيطرة الحكومة الكردية , وإفشال المخطط الأمريكي في العراق والمنطقة ومحاولة إغراق أمريكا في الوحل العراقي وذلك عبر الدعم اللامحدود لقوى الظلام والتدمير والتكفير العالمي خاصة المتواجدة على الساحة العراقية لتعطيل خطة أمن بغداد الأخيرة ولإلحاق المزيد من الخسائر في صفوف الجيش الأمريكي وحلفائه في العراق والتأثير على الرأي العام الأمريكي والغربي للضغط على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الحليفة للاعتراف بدور إيران المركزي في المشهد السياسي الشرق أوسطي والجلوس معها للتباحث والحوار حول المنغصات والمصالح والهموم المشتركة لجميع الأطراف وإيجاد صيغ ترضي أقطاب الصراع وإن جاءت ضد مصلحة الشعب العراقي أو اللبناني أو الفلسطيني .

   
3-  تلبية كافة الدعوات الداعية لعقد المؤتمرات الإقليمية والدولية حول مساعدة العراق والمشاركة فيها لمساعدة  العراقيين وإخراجهم من محنتهم وإظهار الدولة الإيرانية بمظهر الخاسر الأكبر من عدم استتباب الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة والتأكيد على التزامها بـ القرارات والتوصيات الناتجة من هذه القمم أمام وسائل الأعلام المحلية والعالمية نظرياً بينما الدلائل تشير إلى العكس تماماً في الواقع من ممارسات وتدخلات سافرة في الشأن الداخلي للعراق ولبنان وفلسطين.


 تأتي الجولات المتكررة والمتقاربة لمسؤولي الإدارة الأمريكية الكبار في المنطقة وفي مقدمهم ديك تشيني والرأس المدبر للدبلوماسية الأمريكية الناعمة( كوندوليزا رايس) لتبيان خطر تصاعد قوة الدولة الإيرانية وخطورتها على دول المنطقة وأمنها الوطني عبر محاولة نظام العمائم في قم امتلاك الأسلحة النووية وتطوير منظومة الصواريخ والطوربيدات حيث أكد نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أدم ايرلى على « أن قيام ايران بتجربة صاروخ وطوربيد ذات قدرات نووية يظهر أن إيران لديها برنامج تسلح لا يقدم شيئا لطمأنة جيرانها أو المجتمع الدولي وكون هذا البرنامج يأتي في ظل مساندة إيران للإرهاب وهنا تكمن أسباب قلق الجميع » وبالتالي حشد المزيد من التضامن والتأييد من دول الجوار إذا ما أقدمت على ضربة عسكرية لإيران..
انطلاقاً مما سبق تدرك أمريكا وحلفاؤها جيداً أن إيران هي العقبة الكأداء التي تواجه سياساتهم ومشاريعهم في المنطقة وربما توصلت من خلال مراكزها الاستراتيجية لسيناريوهات محتملة حول الخطر الإيراني :   
        1 – ايران هي “الهدف الاستراتيجي القادم” للولايات المتحدة .


 هذا ما ورد في تقرير الصحفي اللامع سيمور هيرش والمعروف بكشفه عن الكثير من الحقائق المثيرة في السياسة الأمريكية الخفية والذي يعمل في مجلة ( نيويوركر ) ،عن طريق ضربات جوية مكثفة وخاطفة بقيادة أمريكية وبمشاركة بعض حلفائها المقربين, لمقرات القيادة وقواعد الصواريخ الثابتة والمتحركة ومنشآت عسكرية ومؤسسات حكومية , ومن ثم تدمير المفاعلات النووية ومعامل تخصيب اليورانيوم والقيام باجتياح بري في المناطق الغربية والموازي للخليج , دون التوغل عميقاً لمسافات كبيرة ,وذلك لحماية الحدود الغربية لمنع تسلل العناصر الإرهابية والمعادية إلى العراق ودول الجوار وتأمين المعابر والممرات المائية في الخليج ومضيق هرمز لاستمرار تدفق النفط إلى الأسواق بانتظام وعدم تجاوز الحدود المسموحة لأسعار الخام منه عالمياً , والعمل على إشاعة فوضى وبلبلة من خلال الماكينة الإعلامية الغربية الضخمة لتهيئة الأجواء والمناخات للجماعات المعارضة والاصلاحية والمتضررة من النظام القائم لانقلاب أبيض على العمائم البيضاء والسوداء في طهران العاصمة .
 2 – إعطاء النظام الإيراني المزيد من الوقت للمضي قدماً في مشروعها النووي, بحيث لم يعد بإمكانها التراجع عنه, والامتثال لرغبات وقرارات الأسرة , وقد نجحت أمريكا تماماً في هذا المنحى وهي تواصل في هذا الصدد  ثلاثة أنواع من الضغوط : سياسة العصا والجزرة على موسكو من أجل وقف تعاونها النووي مع إيران، والعمل على بناء موقف دولي قوى ضد البرنامج النووي الإيراني، ومن ثم استصدار قرار من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران قد انتهكت معاهدة منع الانتشار النووي الدولية لوضع نظام الملالي في مواجهة الشرعية الدولية, ورفض ما يصدرعنها من قرارات متتالية وصولاً إلى البند السابع المتضمن مشروعية استخدام القوة في حال عدم الامتثال لهذه القرارات الملزمة, وبالتالي تشكيل قوة دولية فاعلة للقيام بما تراه مناسباً حول ضرب إيران عسكرياً ولتتحمل ما تتمخض عنها من تبعات ونتائج تفوق قدرة أمريكا لاعتبارات داخلية وخارجية وتحملها استحقاقات حرب أخرى وتدفع بهذا الاتجاه كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا لتساند علنا موقف الولايات المتحدة خاصة في مجال الملف النووي الإيراني .
 3 – قبول أمريكا بمحورية الدور الإيراني في المنطقة والإعلان للرأي العام الأمريكي بفشل مشاريعها عبر الحلول العسكرية , انطلاقاً من المستنقع العراقي وبالتالي الانصياع والجلوس مع النظام الإيراني للتباحث حول جميع الملفات العالقة, بما فيه الملف النووي وفك الارتباط بين المحور الإيراني- السوري وما تسمى بحركات المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان وربما أفغانستان وإيجاد صيغ جديدة ترضي الطرفين وبالتالي قيام صداقات وأحلاف جديدة ,وبروز سياسات تختلف عما عليه الآن, ومحاولة تغيير التوجهات السياسية والاستراتيجية لإيران بالطرق السلمية، ولاسيما فيما يتعلق بوقف برامج التسلح وتطوير الأسلحة الصاروخية ، وبرنامج تخصيب اليورانيوم ، وإنهاء حالة العداء بين إيران وإسرائيل..

وغير ذلك من تحولات في المسائل ذات العلاقة .

   
        كيفما جاءت التوجهات الإيرانية, والسيناريوهات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ؛ فحالة الالتقاء بين القوتين المتخالفتين الأمريكية والإيرانية سيكون كارثياً للشعوب المتطلعة إلى بزوغ فجر جديد في المنطقة وسيكون تراجعاً أمريكياً فاضحاً عن الوعود التي قطعتها على نفسها أمام الملأ للعمل على تحقيق مبدأ الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم وخاصة في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية والتي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال بدءاً من وئد النظام الدكتاتوري الشمولي في يوغسلافيا ومروراً بـسحق حركة الطالبان الارهابية في أفغانستان وانتهاء بوضع  رأس الطاغية صدام في حبل المشنقة بالعراق وستغدو فشلاً ذريعاً للتحالف الدولي المحارب لقوى الشر والتكفير ذات شعارات اسلاموية جهادية متطرفة والتي تبدأ  بكلمة ( اللّـــــه أكبر ) في بتر الرؤوس البشرية , حينها ستقع المنطقة برمتها بأيدي مجموعات إرهابية  تمتد شرورهم إلى أقاصي الدنيا بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية , والنصر سيكون في النهاية حليف المشروع المعادي لقيم الديمقراطية والعدالة والحضارة والتقدم , وستتحول المنطقة إلى مركز لتفريخ وتصدير الإرهاب والإرهابيين….


   
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…