الحالة الكردية الراهنة في سوريا والموقف العقلاني ..

حواس محمود
 
 دأب المثقفون الكرد الجادون – وأحسب ان كاتب السطور أحدهم – على ممارسة التحليل والنقد للأطراف السياسية ، ونبذوا سياسة التمحور حول  الدول الغاصبة لكردستان ، ولكن الأطراف الكردية لم تكن تهتم بآرائهم وتحليلاتهم ، وكان مؤيدوها- وبخاصة المحسوبين او اعضاء حزب ال ب ي د  الذي يسيطر على روج أفاي كردستان –  يبررون هذا الاهمال والتجاهل بأن البندقية هي التي تتكلم ولا وقت للتنظير أو التحليل أو النقد، مدفوعين بغرور يفتقد العقلانية والحكمة ومبهورين بسيطرة وقتية على بعض مفاصل الحياة السياسية والميدانية في المناطق الكردية في روج أفاي كردستان ، وكذلك موهومين بالتحالفات الظرفية مع القوى الكبرى كروسيا والولايات المتحدة الامريكية ، ومعتقدين أن الاحوال في السياسة ثابتة وراسخة ولا يمكن ان تتغير التوازنات والتحالفات بتغير المصالح ، 
طبعا كان النقد يركز على ضرورة الاتفاق الكردي الكردي والعودة الى اتفاقية هولير المبرمة  سابقا بين مجلس غربي كردستان والمجلس الوطني الكردي ، وتفعيل الهيئة الكردية العليا التي كانت انشئت كترجمة ادارية وسياسية لاتفاق هولير ، وأيضا العودة الى اتفاق دهوك ، وكلتا الاتفاقيتين تم ابرامهما بين الطرفين الكرديين المتخاصمين بإشراف اقليم كردستان العراق وتحديدا كاك مسعود البارزاني . 
النقطة الرئيسية في نقد المثقف الكردي الجاد للب ي د  الحاكم في المناطق الكردية  والمتعاون مع بعض القوى العربية والآشورية والسريانية – المسيحية – كانت ولا زالت تتركز على قطع العلاقة وفك الارتباط الامني والعسكري والسياسي والاداري مع النظام المجرم القابع في دمشق ، ورسم سياسة كردية وطنية واقامة علاقة تعاون كبيرة مع اقليم كردستان المجاور لامكان ادخال المساعدات الغذائية وايضا امكان  ادخال بيشمركة روج افاي كردستان المدربين هناك لمعاونة اكراد سوريا في حربهم مع داعش وامكان طرد النظام من مناطق الاكراد وتحرير هذه المناطق بالتعاون مع القوى العربية والآشورية،ولكن لم يتم الاهتمام لا برأي المثقفين الكرد  ولا العقلانيين الكرد ولا برأي  قوى المجتمع المدني التي يتم تهميشها والتضييق عليها كثيرا ، وكذلك لم يتم الاهتمام برأي الطرف الكردي الاخر وهو المجلس الوطني الكردي المنضوي في الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة  ، لا بل تم اعتقال رئيس المجلس الوطني الكردي ونفيه الى خارج الحدود اي الى اقليم كردستان العراق دون رغبته أو ارادته ، كما تم اعتقال العديد من السياسيين والناشطين والاعلاميين وتم حرق  احدى  الاذاعات المستقلة ،وفي هذه المعمعة كان قد حدثت عدة امور اخرى منها ان شاحنة في نهاية تموز الماضي –  قد دخلت  الشارع العام في قامشلو  وتم تفجريها بالمدنيين وتم استشهاد اكثر من 100 مدني وجرح اكثر من 200 ، علما ان  دخول  الشاحنات الى المدينة ممنوع ، وهذا اثار سخط الشارع وسخط العقلانيين من الكرد وكان السؤال الكبير كيف لهذه الشاحنة بهذا الحجم الكبير وبهذه المتفجرات تدخل الى مناطق المدنيين دون ان تفتش،  وشكل التفجير نقطة استفهام كبيرة لدى الشارع الكردي ، وحلل الكثيرون بأن هذا التفجير من تدبير النظام وحده ،  طبعا كان حجة داعش الذي تبنى التفجير انه اراد استهداف مقرات ال ب ي د ومنها وزارة الدفاع  وهي حجة خبيثة  لقتل المدنيين ، كما ان استياء المواطنين جاء بسبب استغرابهم ودهشتهم وتلخص تساؤلهم بالقول :  كيف لمقرات عسكرية مثل وزارة الدفاع وتكون موجودة بين المنازل حيث يسكن المدنيون ،لأن  مكانها يجب ان يكون خارج المدينة بعيدا عن المدنيين ، ولكي لا تخلق للارهابيين حجة مجانية لاستهداف المدنيين ، حدث هذا طبعا مع وجود مربع امني تابع للنظام ويوجد المطار المدني الذي تحول الى ثكنة عسكرية  ومعبأة بالسلاح والعتاد 
وفي الاونة الاخيرة لجأ النظام الى ضرب مواقع الب ي د في الحسكة ليس بالدبابات والمدفعية  وحسب بل بالطيران الحربي ايضا ،  وتم ايقاف القصف بتحذير امريكي مفاده  ان خبراء عسكريين  امريكان يتواجدون مع القوات الكردية لذا فان على النظام ان يتوقف عن القصف وتم تسوية الامر والاتفاق على تسليم الحسكة لل ب يد وابقاء المربع الامني ماكثا في المدينة . 
يجري هذا كله دون الالتفات  الى ما كان يقوله ويحذر منه المثقفون والعقلاء من الشعب الكردي في الداخل والخارج / وأشير هنا ان كاتب السطور كتب وبالحرف قبل سنتين على موقعه في الفيسبوك   أن ضرب النظام للكرد في مناطقهم وارد ” وأنا أرى أن الكرد سياسيا   أخطأوا في سورية لأنهم لم يتخذوا موقفا استراتيجيا ، لان النظام ما كان يتجرأ ان يضربهم لو كانوا موحدين( – يخشى ان يضربهم مستقبلا وهذا وارد جدا ) ، لأن العامل الدولي كان يكون لصالحهم كما حصل في كردستان العراق من دعم دولي بالسلاح والموقف ، انا اعترض على عدم حصول كرد سوريا على وثيقة واحدة من النظام او الاقليم او الامم المتحدة تدعم تجربتهم وعندما تفشل تجربتهم لا مستند اقليمي او دولي لصالحهم، عكس وضع الاقليم المعترف به من الحكومة العراقية ومجلس الأمن “- 27 اغسطس  آب 2014 – 
هذا يثبت ان العقل الكردي لدى بعض النحبة الكردية متيقظ ومدرك وواع لمجريات الامور ومتحسب لخطورة المرحلة الراهنة التي يمر بها الكرد ، لأن الصراع حساس وكبير وخطير واللاعبون ايضا كبار وخطرون ، والكرد قد تنقذهم وحدتهم أو اتفاقهم المشترك  ، اما أن تنفرد قوة سياسية وعسكرية واحدة بالقرار دون وجودآليات  ديموقراطية في ادارة المناطق الكردية فان هذا له مخاطره الجدية واستتباعاته وتداعياته الباهظة التكاليف 
ما يجري هو تحالف الكثير من القوى الدولية على تدمير البنى التحتية السورية وتشريد الشعب – المناطق الكردية ايضا شهدت هجرة كبيرة جدا وبخاصة الفئة المثقفة والنخبوية وهذا خطر كبير – وابقاء الصراعات القومية والطائفية والمذهبية  لا بل اذكاءها وصب الزيت على نار الصراعات الجارية ، باختصار ادارة الازمة وليس حلها ، وكل الاحاديث التي تجري هنا وهناك ووجود مبعوث دولي ديمستورا كله شكليات وميكياجات وبروزات لاخفاء الحقيقة المؤلمة والكارثية يمكن التعبير عنها رمزيا بأنه عار على الامم المتحدة ان يستمر النزف ويقتل الاطفال الابرياء تحت البراميل المتفجرة في القرن الواحد والعشرين والامم المتحدة تتفرج !
كما أن  الدول الاقليمية ايضا تكمل اللعبة  الدولية  لا بل ان احداها وهي ايران هي المسبب الاساسي لهذه الكارثة السورية  الكبرى واستمراريتها   بتغذية الطائفية في سوريا وبلدان أخرى وأيضا تركيا التي دخلت خط النار وخط اللعبة الدولية بالدخول الى جرابلس والتنازع مع القوات الكردية التابع لقوات سورية الديموقراطية وإحداث الشرخ ضمنها اذ نسمع عن انشقاقات قوى عربية عن هذه القوات ، وهذه الفوضى ما كان يجب على الب يد ان يدخلها كان العقلاء الكرد يوجهون النقد الى الب ي د بعدم ضرورة الزج بالشباب الكردي المجند في مناطق بعيدة عن تواجد الكرد منبج على سبيل المثال وكانوا يدعون الى حماية المناطق الكردية فقط من داعش ومنة النظام الذي بات يغدر بهم بالحسكة وربما لاحقا بمناطق اخرى 
ان عدم وجود خارطة طريق للب ي د وعدم وجود استراتيجية واضحة المعالم والتجليات لدى الب ي د يضع الكثير من علامات الاستفهام  حول هذا الحزب ، الوطنيون الاكراد ينتقدون هذا الحزب بسبب استفراده بسياساته وعملياته العسكرية وعدم القدرة على ادارة   السياسة الكردية في خضم الصراعات الدولية والاقليمية في سورية خصوصا ان ايران وتركيا متفقتان على عدم بلورة اي كيان كردي في سورية وان كان على شكل فيدرالية او حكم ذاتي . 
ان غموض الب يد مثار تساؤلات ونقاشات كردية واسعة  الآن وهناك ارهاصات ببزوغ قوى كردية جديدة تحاول اعادة المسار الكردي على سكة صحيحة  وسليمة ،  والإيمان  الراسخ بالقرار الوطني الكردي المستقل ونسج علاقات التحاور والتجاور الكردية العربية بما يخدم الشعبين وكذلك السعي معا لإسقاط النظام وضرورة ان تعترف المعارضة السورية بالخصوصية الكردية والاتفاق فيما بعد على ادارة البلاد بما يضمن الحقوق الكردية المشروعة وبما يتحقق للسوريين الحرية والكرامة وإقامة نظام ديموقراطي برلماني تعددي . 
……………………………….
مقال نشر بجريدة المستقبل  – 17-9-2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…