ملاحظات نقدية على اتفاق الادارة الذاتية وتيار الغد السوري

اكرم حسين 
رغم تحكم القوى الخارجية بالصراع السوري ، ينبغي ان لا يتقاعس السوريون ويبذلوا جهودهم ، ويعززوا دورهم ، في انجاز أي حل سوري ينهي معاناتهم ويضع حدا للمقتلة السورية ، وبهذا المعنى يعتبر الاتفاق الذي تم بين الادارة الذاتية وتيار الغد السوري تطوراً نوعيا يصب في مصلحة مكونات المنطقة ، خاصة وانها المرة الاولى التي تبرم الادارة الذاتية اتفاقا مع طرف سياسي عربي ، يحظى بالشرعية الاقليمية والدولية ، وحتى من قِبَل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ، فرئيس تيار الغد السوري احمد الجربا ترأّس الائتلاف لدورتين متتاليتين ، كما ترأس وفد المعارضة في مباحثات جنيف 2 ، الامر الذي قد يساعد في توفير الدعم الاقليمي من قبل بعض الدول التي يرتبط معها الجربا
و يأتي الاتفاق او التحالف في صلب اهتمامات الادارة الذاتية ، التي تتبنى مشروع الامة الديمقراطية وتعمل عليه منذ تأسيسها، حيث وجدت في الجربا الشريك المفقود عربيا ، لان المكون العربي “الجزراوي ” بقي مترددا في المشاركة لأنه كان موالياً للنظام قبل الثورة، بسبب التخلف والجهل وانتشار العلاقات العشائرية والاقطاعية ، وغياب الاحزاب الوطنية المعارضة في صفوفه ، اما اليوم فالشارع العربي بات موزعا  بين موالي للنظام ، ومنخرط في صفوف الادارة الذاتية وقوات الحماية ، واخر يتبنى فكر تنظيم الدولة الاسلامية  .
ان تفاهمات الادارة – الجربا هي اكبر من مجرد تقارب واقل من تحالف ، لكنها تفترض امكانية نموذج بديل لنظام الحكم او الادارة في المنطقة ، وهي تجربة كما تعتقد الادارة سيصبح نموذجا يسترشد به في عموم سوريا ، والسؤال ماذا يستطيع ان يقدمه هذا الاتفاق ان لم يكن مدعوما من القوى الاقليمية والدولية ، التي باتت تمسك برقاب الشعب السوري وتتحكم بمصيره ؟ وهل تستطيع هذه القوى – في ظل ضعف الامكانات الذاتية وهذا الترهل والتخبط في ادارة الصراع ، وبناء خطاب جديد يرتكزعلى قيم المساواة والديمقراطية والمواطنة المتساوية – بجسر الهوة بين هذه القوى وبين السوريين ؟ هل الاتفاق  خطوة من اجل تعزيز الصفوف وبناء الذات والحفاظ على الوحدة الوطنية ، التي باتت مهددة اليوم اكثر من أي وقت مضى جراء التدخلات الاقليمية والدولية ، بحيث يصبح اكثر صدقية وانفتاحا ؟ هل يدخل الاتفاق في اطار انتاج خطاب وسلوك مطمئن للأخر، بحيث يوسع ويعمق التلاحم والتعايش التاريخي الذي كان قائما بين الكرد والعرب وباقي المكونات ؟ هل تم الاتفاق بعد التأكد من استحالة طرف بعينه فرض ارادته وسلطته على المجتمع ؟ هل جاء الاتفاق لتأكيد عمق العلاقة التاريخية بين الكرد والعرب ، لان التاريخ الذي يجمعهم ويوحدهم كسوريين هو اكبر واقوى مما كان يفرقهم ، ابان الحقبة البعثية  التي استطاعت ان تحدث شرخا عميقا في العلاقة بين الكرد والعرب ؟ .
 لقد ادركت الادارة الذاتية استحالة الانفصال ، وتحقيق أي كيان كردي بمعزل عن وحدة الاراضي السورية ، فقرارات الامم المتحدة وخاصة القرار 2245 اكد على تلك الوحدة ، لذلك اعتقدت بأن عليها ممارسة البراغماتية والواقعية السياسية والابتعاد عن طرح الشعارات الطوباوية ، عبر طرح نظرية الامة الديمقراطية التي تتعايش ضمنها كل المكونات وتدير شؤونها في اطار وحدة التراب السوري . 
بالعودة الى بنود الاتفاق ، يعترف الاتفاق بان ما جرى في سوريا في بداية 2011 كان انتفاضة شعبية سلمية ضد النظام –الاعتراف بوجود انتفاضة بمواجهة النظام- لكنها تحولت في مرحلة لاحقة الى حرب- بصراعات اقليمية ودولية- لكنها في المرحلة النهائية –الان- خرجت الثورة عن مسارها لتقاسمه من قبل محاور طائفية-أي كانت ثورة وخرجت في النهاية عن مسارها بسبب طائفيتها – هذه الطائفية ابعدت السوريين عن تطلعاتهم بدولة مدنية ديمقراطية تعددية ، هذا يعني بان ثورة السوريين تكتسب مشروعيتها –لأنها ضد نظام استبدادي – لم يكن ديمقراطيا في أي يوم- لكن الثورة انحرفت بسبب طائفيتها ، التي ابعدت السوريين عن مطالبهم المشروعة ، لكن ما يجري اليوم حرب عالمية بالوكالة لدول وجماعات عابرة للقارات رغم ماضي السلطة الاسود ، حيث الاحادية والظلامية والحزب الواحد والشعار الواحد والحكم المطلق – نظام دكتاتوري توليتاري فردي – يتحكم فيه الحزب الواحد والشخص الواحد الذي استباح البشر والحجر- أي هكذا نظام لا بد له من ان ينتهي – لأنه بعيد عن منطق العصر والتطور التاريخي – القول لابد من ان تطوى صفحة هذا النظام- 
– يؤكد الطرفان بان المشروع المطروح من جهتهما وطني ديمقراطي ، قائم على التنوع والتعدد والتكافؤ العادل بالحقوق والواجبات لكل السوريين على مختلف انتماءاتهم وآرائهم 
– لم تعلن في الاتفاقية  بنود الاستراتيجية السياسية والعسكرية للمرحلة المقبلة ، ولم تعرف ما هي التفاهمات السابقة التي جاء الاتفاق استكمالا لها ؟.
– يؤكد الاتفاق ان لا حل في سوريا الا بالحوار السوري- السوري  تحت مظلة الامم المتحدة وفروعها الدولية والاقليمية ، علما بان الحل قد يكون في جانب منه سياسي ، لكنه بالتأكيد سيكون عسكريا في جانب اخر ، لان الحل السياسي لابد له من اليات وضمانات لتطبيقه ، كما ان مصير السوريين ليس بأيديهم ، لان اليوم- كما جاء في فقرات اخرى –  تحولت الى حرب بالوكالة ولم يعد للسوريين أي دور في انهاء هذه الحرب المجنونة – وما الاتفاق الروسي الامريكي الاخير الا خير شاهد على ما نقول . 
– ينص الاتفاق على ان هناك تغييب متعمد لكافة الاطراف السياسية التي تمثل المكونات الاساسية للشعب السوري العرب منهم والكرد- كلام غير دقيق فيما يخص العرب – لان القوى التي تمثل المكون العربي ممثلة في الائتلاف وفي الهيئة العليا للمفاوضات ، لكنه صحيح بمعنى من المعاني في الجانب الكردي ، فمكونات الادارة الذاتية السياسية والعسكرية ومن يدور في فلكهما ، تم استبعادها من اطر المعارضة -لأسباب لا مجال لذكرها الان- كما استبعدت من مؤتمر الرياض –والحضور الكردي يخص المجلس الوطني الكردي فقط  – 
– ان دعوة السعودية ومصر والامارات للإشراف على العملية السياسية لا معنى له فالدول العظمى –امريكا – روسيا -هي التي تمسك بالملف السوري وتتحكم به، ولا مجال لأي عملية سياسية دون موافقتهما بالإضافة الى تركيا وايران .
– ان الدعوة الى تغيير النظام بكافة رموزه ومرتكزاته هي دعوة الى تغيير رأس النظام –بشار الاسد- ، وتم استبدال الاسقاط بالتغيير التي تعني عملية طويلة النفس  فهل يقبل طرفا الاتفاق ، الاتفاق والتفاهم مع النظام الحالي ، والمشاركة في مؤسسات النظام القائم تمهيدا لتغييره من الداخل ، ام ان عملية التغيير ستتم من الخارج ؟ هل تم الاستبدال لان معظم القوى الاقليمية والدولية لم تعد تقبل بإسقاط النظام وتصر على الحفاظ على مؤسسات الدولة القائمة لحين حدوث توافق سياسي ؟  ما هي المواطنة الحرة وما المقصود من استخدام هذا التعبير بديلاً عن المواطنة المتساوية ؟ ما هي القوميات المقصودة في عبارة ” الاعتراف بالحقوق القومية والثقافية والدينية ” . لماذا لم يتم ذكر هذه القوميات وتحديداً الكرد ؟ ما السبب في استخدام عبارات غامضة وملتبسة ؟ 
– في البند الرابع للاتفاق يأتي ، بان الطرفين سيضعان امكانياتهما السياسية والاقتصادية والاعلامية في خدمة الاتفاق للوصول الى حل سياسي – أي وضع امكانات الادارة الذاتية لخدمة تيار الجربا – هل يعني هذا عودة الجربا وتياره الى مناطق الادارة والمشاركة فيها ، بشرط تقاسم الموارد والنفوذ ؟ اذا كان ذلك كذلك  ، لماذا لا تبادر الادارة الى الاتفاق مع الاحزاب الكردية وخاصة المجلس الوطني الكردي الذي يمثل قطاعا لا بأس به من الشعب الكردي – بنفس الشروط – الم يحن الوقت للكف عن ملاحقة المجلس والافراج عن معتقليه ؟ الم تحن بعد لحظة الاستدارة الكردية بغية ترتيب البيت الكردي وعقد مؤتمر كردي سوري ينهي الخلاف والانقسام الحاصل ويضع استراتيجية للعمل القومي المشترك ؟.
– البند الخامس يؤكد على ، ان ما يجمع السوريين هو التاريخ المشترك، هذا التاريخ الذي قدم للإنسانية نموذج التعايش بين جميع الوان الطيف المجتمعي ، وان طموحهم بناء سورية يفتخر فيها العربي والكردي بهويته الوطنية ، وهذا يعني عدم صحة كل الاقاويل التي تقول بالتقسيم ، وبان حل القضية الكردية هو وطني سوري ، وهو موقف ينسجم مع رؤية الاطار التنفيذي للحل السياسي الصادر عن الهيئة العليا للمفاوضات اثناء اجتماع النواة الصلبة لأصدقاء الشعب السوري في لندن في السابع من الشهر الحالي . 
اخيرا لم يتحدث الاتفاق عن الجوانب الاستراتيجية والعسكرية التي اورها في بدايته ولم يبدي أي مواقف واضحة وصريحة من قضية الشعب الكردي والمكونات الاخرى ، فالاعتراف لا يعني الحل؟ ولنا في تجربة العراق وايران اللتان تعترفان بوجود الشعب الكردي في دستوريهما لكنهما تنفيان وجوده ، وتتنكران لحقوقه القومية والديمقراطية ، فالبيان عبارة عن توافقات عامة بين الادارة الذاتية التي تقيم على مساحات واسعة ، وتمتلك مؤسسات وقوات عسكرية وموارد بشرية ومادية ، وتيار سياسي يعيش خارج الوطن ، وهي سابقة لم تحصل ؟ كان الاجدر لهكذا اتفاق ان يصدر بين حزب الاتحاد الديمقراطي او حركة المجتمع الديمقراطي ، وبين تيار الغد ، لان ما جاء في الاتفاق حول اليات العمل ، وتصور المستقبل السوري فيما يتعلق بالعمل من اجل الدولة الديمقراطية المدنية التعددية اللامركزية على اساس المواطنة الحرة ، والاشادة بنجاحات الادارة الذاتية ،لا بد أن يكون دافعا للقوى السورية الاخرى للاعتراف بها ، والاستفادة من تجربتها ، وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه ، فالسقف الذي يطمح اليه حزب الاتحاد الديمقراطي وحركة المجتمع الديمقراطي ، هو الادارة الذاتية الديمقراطية الحالية كحل للقضية الكردية ،ولكل مكونات سوريا الاخرى ، عبر شكل جديد من اللامركزية التي يتم من خلالها العمل والتنسيق والربط بين هذه الادارات ، كشكل جديد من اشكال الدولة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…