علي شمدين*
في اجتماع عقد في لندن بتاريخ (7/9/2016)، بدعوة من الإتحاد الأوربي وحضور وزراء خارجية وممثلي دول اصدقاء سوريا، أعلنت الهيئة العليا للمفاوضات السورية وعلى لسان رئيسها السيد رياض حجاب، رسمياً عن وثيقة بعنوان (الإطار التنفيذي للحل السياسي وفق بيان جنيف 2012).
وبغض النظر عن التفاصيل الدقيقة لهذه الوثيقة الخطيرة التي تقرر مصير سوريا ومستقبلها، فإن مضمونها تكشف بشكل صريح عن البوصلة العنصرية والطائفية التي اعتمدت في تحديد هوية الدولة السورية، والتي تم تقزيمها في كونها دولة عربية إسلامية، واعتبارها جزء لا يتجزأ من الوطن العربي واعتبار اللغة العربية اللغة الرسمية لها، وبأن نظامها سيؤسس على أساس اللامركزية الإدارية وحق المواطنة والممارسة الديمقراطية، وتجاهلها المقصود للمكونات القومية الأخرى في سوريا كالشعب الكردي والآشوري السرياني والتركماني وغيرها، وللمكونات الدينية كالمسيحيين واليزيديين والدروز والعلويين وغيرهم، الذين يشكلون معاً الغالبية الساحقة لسكان سوريا.
فبالنسبة للشعب الكردي الذي يشكل ثاني أكبر مكون قومي أصيل في سوريا، والذي يتجاوز تعداده 15%، فقد تجنبت الوثيقة ذكره كشعب يعيش على أرضه التاريخية، وأكتفت بهذه الفقرة التالية: (إن القضية الكردية قضية وطنية سورية، والعمل على ضمان حقوقهم القومية واللغوية والثقافية دستورياً)، ناهيك عن إقصاء المكونات الأخرى كالآشوريين السريان الذين لم يتم ذكرهم بالمطلق.
هذه الوثيقة تفضح نفسها بنفسها عن عنصريتها القومية وطائفيتها الدينية، وهي بذلك لاتحتاج إلى الكثير من الجهد للغوص بين سطورها والكشف عن الألغام المزرعة فيها والتي لابدّ لها ان تنفجر إن آجلا أم عاجلاً، لابل ان المنظمة الديمقراطية الآشورية ذهبت أبعد من ذلك بكثير، وقدمت بنفسها مذكرة احتجاجية جاء فيها: (إنّ هذا التجاهل يمثّل تراجعا يرقى إلى مستوى الانقلاب على كل ما أنجزته المعارضة الوطنية الديمقراطية قبل الثورة وبعدها، ويأتي كاستمرار لذهنية البعث التي جرّت الويلات والكوارث على سوريا وطنا وشعبا، ويصبّ في نهج الاستبداد الذي كرّسه النظام في نسف مبدأ الشراكة الوطنية عبر إقصاء وتهميش مكونات المجتمع السوري ولا سيما المكون السرياني الآشوري).
ولكن مع الأسف الشديد كل هذه الملاحظات والاحتجاجات لم تلق أيّة آذان صاغية من جانب الهيئة العليا للتفاوض التي كانت قد طرحت مسوّدة رؤيتها على الكتل السياسية قبل إقرارها في اجتماعات الهيئة في الرياض بداية الشهر الجاري، بحسب ما يؤكده السيد موفق نيربية (نائب رئيس الائتلاف)، في تصريحه لموقع (جيرون)، الذي يقول صراحة بأن: (المسوّدة طُرِحت على الائتلاف، ونوقشت في هيئته السياسية، وبحضور ممثلي الكتلة الكردية)، ويتابع قوله مستخفاً بحجم هذه الإحتجاجات ويقلل من تأثيرها على سير المفاوضات:( نحن نريد الخلاص والخروج من هذا النفق المظلم، وهذه الخلافات لن تؤثر على سير عمل هيئة التفاوض العليا؛ لأنّ الجميع يصر على دفع عملية الحل السياسي، ووضعها على سكة التفاوض؛ للبدء بمرحلة الانتقال السياسي..)، والمؤسف إن المنظمة الآثورية الديمقراطية والمجلس الوطني الكردي، باعتبارهما يمثلان مكونين رئيسيين من جسم الإئتلاف الوطني للمعارضة السورية وقوى الثورة، يذهبان أيضاً بهذا الاتجاه في تصريح مشترك أصدراه في (10/9/2016)، ويؤكدان ماقاله نيربية: (يؤكد الطرفان على التمسك بالخيار السياسي السلمي سبيلا لإنهاء نظام الاستبداد وبناء سوريا ديمقراطية في ذات الوقت يؤكدان التزامهما بالتعاون والتنسيق المشترك من خلال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ومع اطراف المعارضة الوطنية الأخرى)، بالرغم من وصفهما في التصريح نفسه بان هذا الإقصاء يعد: (تراجعاً عن اهداف الثورة السورية في الحرية والديمقراطية).
السؤال الذي يطرح نفسه بمسؤولية وإلحاح إزاء هذا التراجع الخطير للمعارضة السورية عن أهداف الثورة، هو: هل سيعلن ممثلي هذين المكونين الرئيسيين (الكردي وألآشوري)، بجرأة عن انسحابهم العاجل من أطر (الإئتلاف الوطني) ومن (الهيئة العليا للتفاوض) ولجانها المختلفة قبل فوات الآوان وكما يتأمله منهم شعبهم، إلى حين عودة هذه الأطر إلى جادة الصواب وإلتزامها الصريح ببناء نظام إتحادي ديمقراطي تعددي علماني، يضمن دستورياً الحقوق القومية الكاملة لهما، وفقاً للعهود والمواثيق الدولية..؟!
أم إنهم سيكتفون بندب الحظ وإبداء المزيد من اللوم والعتاب، بالتوازي مع إلتزامهم الصارم بالتعاون والتنسيق المشترك ضمن هذه الأطر التي باتت رهينة العقلية الشوفينية العروبية والإسلامية المتطرفة، ليصبح بذلك مشاركتهم في العملية التفاوضية كمشاركة السيد (عمر أوسي)، ديكوراً لتجميلها وشهوداً للزور الذي يتم تمريره تحت غطائها في وضح النهار..؟!.
11/9/2016
——————————–
*- عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا.