فـدوى درويـش
مع دخول الجيش التركي إلى جرابلس وإعلان الحكومة التركية، بصوت مرتفع، أنّها تستهدف إقامة أيّ كيان سياسي كردي في شمال سورية، في خطوة استباقية لحماية أمن حدودها، تعالت أصوات الكثير من الكتاب والسياسيين العرب وتوالت المقالات على الصحف العربية تتناول الكرد والمسألة الكردية في سورية، تحليلا وتنظيراً واتهاماً وأحياناً تهديداً! الكلّ يبدي رأيه ومخاوفه بشكل أو بآخر من تقسيم سوريا ( المقسمة والمهشمة) ومن قيام دولة كردية. الحقيقة أن الجميع يتحدث عن مشروع ليس له في الواقع أي وجود ولا آفاق! فأقول متأسفة، أن الكرد في سوريا ليس لهم مشروع قومي واضح وجاهز للطرح أو للتفاوض عليه. تجاوز عمر الحركة الكردية في سوريا النصف قرن ولم تقدم مشروعا واضح الملامح لحل القضية الكردية في سوريا رغم تجاوز عدد أحزابها الأربعين حزبا بين يمين ويسار ووسط وثوري….
حتى من حاول منهم فعل ذلك ( على سبيل المثال رفع حزب الاتحاد الشعبي في الثمانينات من القرن الماضي شعار حق تقرير المصير، ثم في وقت لاحق قدّم حزب الوحدة مشروح الادارة الذاتية) وما عدا ذلك لم نقرأ في برامج الحركة سوى مانشيتات عامة حول الحقوق الثقافية والسياسية للكرد وإذا سلّمنا بأنّ المرحلة في ظلّ حكم استبدادي جائر لم تكن تتحمل أكثر من ذلك.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان الكرد مؤمنين بأبدية هذا النظام؟ وهل سلّموا بدوام الحال على ما هو عليه؟! وإلا كيف لم يكن لهم مشروع استراتيجي يضع جميع الاحتمالات بعين الاعتبار! وبما فيه ما يحدث اليوم، بالتالي العمل بشكل أفضل لتعريف واقناع السوريين بعدالة قضيتهم وكسب أصدقاء حقيقيين والانخراط أكثر في المجتمع العربي وإقامة علاقات فعليّة مع القوى السياسية العربية وكسر الحواجز العنصرية التي كان النظام يشيّدها بين المكونات السورية بهدف تمكين قبضته على المجتمع. حتى بعد الثورة لم تقم الحركة الكردية بما يجب، لتستدرك الوقت وتكون على قدر الحدث الجلل في البلاد و لم تتعامل بجدية مع الأمور بل غلب عليها الاسترخاء والانتظار في حالة من المفاجئة كأي مواطن عادي لا حول له ولا قوة، لم تتحمل مسؤليتها التاريخية كممثل شرعي لأكثر من ثلاثة ملايين كردي يواجهون سياسة الالغاء في وطنهم. بل أكثر من ذلك انشغلت الحركة بخلافات حزبية داخلية وبتأسيس بعض التشكيلات السياسية العقيمة، من جملة جهودهم كان تشكيل المجلس الوطني الكردي الذي وللأسف اقتصر على عدّة أحزاب وانحصر نضالهم في العمل تحت وصاية الائتلاف السوري الذي بدوره لا ينظر إلى القضية الكردية بجدّية ولا ينظر إلى وجود الكردي إلا ديكوراً للوحته “الفسيفسائية” ولكي يثبت لحلفاءه أنّه يمثل جميع المكونات السورية! طبعاً جميع ممثليّ المجلس الوطني في الائتلاف ومنذ تأسيسه لا يتوانون في التأكيد على سوريتهم وأنّهم بريئون من أي فكر أو مشروع انفصالي، مع ذلك ظلّوا محاصرين من قبل شركائهم العرب في زاوية الاتهام، كلما سمحت الفرصة بذلك.
وكانت وثيقة لندن وما تطرقت إليه الهيئة العليا للتفاوض بشأن الكرد ( اعتبار القضية الكردية قضية وطنية والعمل على ضمان حقوق الكرد قوميا ولغويا وثقافياً في الدستور) هي جلّ ما استطاع المجلس انتزاعه من شركائهم لحلّ قضيتهم في إطار الحل السوري.
في الجانب الآخر، وبخصوص الكتلة الكردية الثانية متمثلة بحركة المجتمع الديمقراطي (Tev – Dem) والتي استلمت زمام الأمور في كردستان سوريا منذ عام 2012 وكانت أمينة في طرحها لفكر عبد الله أوجلان في رفض أيّ مشروع قومي و تبنيّها لمشروع أقرب إلى الفانتازيا السياسية وهو ( الأمة الديمقراطية) متخبطة بين إعلان كانتونات، ثم إدارة ذاتية، ومن ثم غيّرت التسمية لتكون (فيدرالية روجآفا وشمال سوريا). تمّ كلّ ذلك خلال ثلاثة أو أربعة أعوام الماضية وبشكل منفرد من قبل قيادة الاتحاد الديمقراطي دون توثيق رسمي مع أي شريك سواء النظام أو حتى المعارضة الداخلية المتمثلة بهيئة التنسيق والتي كان الاتحاد الديمقراطي منضويا في صفوفه، مع غض نظر من قبل النظام. ومع كل فرصة كان أزلام النظام يؤكدون على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة ويشكرون قوات الحماية الكردية التي تعمل لحماية أرض الوطن بالتنسيق والتفاهم مع الجيش العربي السوري. ولا يتوانى جيش النظام واستخباراته من حين لآخر لتذكير حليفهم الكردي بأنّه رهن إرادتهم، وذلك من خلال تفجيرات أو اشتباكات يفتعلها في المناطق الكردية، وأن أي غناء خارج سربه مصيره الفناء.
فأي مشروع كردي انفصالي هذا الذي قد تحول إلى فزاعة للمعارضين العرب والذين على مدى عقود طويلة، عادى البعض منهم الكرد بمواقف مسبقة دون تكليف أنفسهم عناء التقرّب والتعرف شركائهم في الوطن حتى من باب التعرف على ثقافته و فلكلوره. بينما كان الكرد أكثر حظاً مع البعض الآخر الذي لم يتجاوز سقف دعمهم وتضامنهم للقضية الكردية تعاطفاً إنسانياً وهذا ما تبيّن بعد أن خرجت المسألة الكردية من الكواليس وأصبحت جزءاً من استحقاقات الحل في إطار الحل السوري الشامل والتعامل مع الكرد كثاني أكبر قومية في البلاد تعاني التهميش والإلغاء منذ عقود، وسط التجاذبات التي تعاني منها القضية السورية منذ أكثرمن خمس سنوات. ظلّ جدار الخوف يفصل بين السوريون عموماً، هذا الخوف الذي كان فعال،اً فأنتج الحقد والتعالي من جانب الأغلبية العربية على الكرد بشكل خاص، لعدة أسباب: إما الجهل بالكرد تماماً أو جزئياً، أوبسبب التواطؤ مع السلطة أو لأسباب نفسية وأخلاقية غير مفهومة.
فـدوى درويـش