صلاح بدرالدين يتحدث لـ (كلنا شركاء) عن مشروع إنقاذ الأكراد في سوريا

تحدث السياسي الكردي السوري صلاح بدرالدين في حوار مع “كلنا شركاء” عن مشروع سياسي يعتزم إطلاقه قريباً، بهدف “إنقاذ الأكراد في سورية” من بعض التيارات والمجموعات الحزبية التي تحاول احتكار تمثيل هذا المكون من السوريين، ولتفادي إشعال الفتنة العنصرية بين العرب والكرد.

ما هي فكرتكم التي تطلقون عليها مشروع إنقاذ الكرد في سورية ومن يقف خلفه؟
فكرة المشروع ليست جديدة، بدأت مع اندلاع الانتفاضة في سورية، الصفة العامة لهذه الانتفاضات التي أُطلقت عليها ثورات الربيع العربي كانت ثورات الشباب والوطنيين. وفي الحالة السورية، كان هناك حراك ثوري شبابي في جميع المناطق وبينها المناطق الكردية في البداية. وعندما حصل الانشقاق داخل الجيش السوري والتحق العديد من الضباط الأحرار والجنود بصفوف الشعب، أصبحت ثورة حقيقية بعدما تفاعل هؤلاء مع الحراك الثوري الشبابي الوطني العام. هذا التفاعل حصل من مارس/آذار 2011 حتى نهاية العام نفسه، وفي هذه الفترة تبلورت ثورة سورية. من قاموا بهذه المهمة كانوا من الفئة الشبابية. بالنسبة للوضع الكردي، الشباب كانوا في طليعة التظاهرات الاحتجاجية السلمية. لم يكن هناك وجود للأحزاب الكلاسيكية على الصعيدين الكردي والسوري عامة. وأصبح شباب الثورة هدفاً للنظام السوري.
الشباب الأكراد كانوا في طليعة التظاهرات الاحتجاجية السلمية عام 2011 كما ساهمت الأحزاب التقليدية في إزاحة الشباب عن المشهد، باعتبار أن الشارع أصبح بيد الشباب، فحصل نوع من التقاطع بين موقف هذه الأحزاب والنظام. حاول الجميع إزاحة الشباب عن المشهد. تلقت تنسيقيات الشباب الكردي ضربات قوية من النظام بالتصفيات والاعتقالات والتهجير، وضغطت الأحزاب عليها. تجربتنا مع الأحزاب التقليدية أكدت لنا فشلها في التفاعل مع الانتفاضة الثورية وتمثيل الجماهير الكردية على الصعيد السوري. والدليل على ذلك هو أن بعض الأحزاب دخلت في صفقات مع النظام، مثل حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني). اتفق هؤلاء مع النظامَين السوري والإيراني وجلبوا مسلحيهم من مناطق جبال قنديل (على الحدود العراقية الإيرانية) إلى المناطق الكردية السورية.
حصل ذلك بداية عام 2012 عندما زار رئيس الأمن العسكري، صهر رئيس النظام السوري بشار الأسد، اللواء آصف شوكت مدينة السليمانية العراقية والتقى قادة حزب العمال الكردستاني، واتفقوا على إتمام مصالحة في ما بينهم على غرار ما كان يحصل أيام كان زعيم “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان مقيماً في دمشق، على قاعدة أن ما يجمع الطرفين هو مواجهة تركيا. أعطى النظام السوري “الكردستاني” صلاحيات مطلقة في المناطق الكردية السورية، وجاءت قوات هذا الحزب بالمئات ثم الآلاف وتوزعوا في مختلف المناطق الكردية، من عين العرب، والجزيرة، وعفرين.
من الجانب الآخر، كان هناك المجلس الوطني الكردي وكان هناك صفقة بين الرئيس العراقي (جلال الطالباني) والنظام السوري على احتواء الأحزاب التقليدية الكردية السورية لعزل الأكراد عن الثورة وإطلاق الوعود لمعالجة القضية الكردية. وكانت النتيجة ظهور اتجاهين للأحزاب الكردية: الأول مع النظام ودخل طرفاً في المشروع السوري ـ الإيراني، والثاني أريد له الوقوف على الحياد وهو المجلس الوطني الكردي الذي تكوّن من 16 حزباً. وخلال هذه الأعوام ثبت أن الطرفين لا يمثلان الطموحات الحقيقية للشعب الكردي بسورية، لأن المصلحة الرئيسية للكرد كانت تقضي بوجودهم ضمن الثورة السورية، وأن يخضعوا لقوانين هذه الثورة، لأن هناك حركة ثورية ناشطة وجيشا حرا وقوى مسلحة تحاول تغيير موقع الكرد كشعب مضطهد، كان يجب أن يكون الأكراد مع التغيير الديمقراطي، ومع إسقاط النظام.”
بعض الأحزاب دخلت في صفقات مع النظام، مثل حزب الاتحاد الديمقراطي لكن للأسف، هذه الأحزاب بطرفيها، خرجت عن أهداف الشعب الكردي السوري، وألحقت بها الأذى. بحصيلة هذه الأعوام مثلاً، نشاهد مأساة كبيرة يواجهها الكرد، وخسائر فادحة نتيجة مغامرات “الكردستاني” وفرعه السوري “الاتحاد الديمقراطي”، كما أساؤوا للعلاقات العربية الكردية وأحدثوا شرخاً كبيراً فيها. نحتاج إلى سنوات لإعادة الثقة لهذه العلاقات التاريخية والمصيرية التي اهتزت نتيجة تصرفات وردود فعل بعض الأحزاب والتيارات الكردية والعربية الشوفينية.
ظهرت فكرة تشكيل كردي جديد عام 2012 بين أوساط المثقفين والمستقلين والوطنيين الكرد والحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني. هذه القوى تمثل أكثر من 80 في المائة من المجتمع الكردي في سورية. بدأنا بمناقشة هذه المواضيع وكيف يمكن إنقاذ الكرد وما هو الطريق الأسلم. ظهرت برامج ومشاريع ونقاشات ولقاءات واجتماعات موسعة ولا تزال حتى الآن قائمة، ومن خلالها سيتبلور الموقف بالكامل. هناك برنامج سياسي يتعلق بالوضع الكردي الخاص، وبرنامج وطني يتعلق بالوضع السوري ومستقبل سورية والعلاقات الكردية ـ العربية، والنظام السياسي المنشود.
نعدّ وثائق لا تزال قيد الدراسة والنقاش. قبل ذلك، أطلقنا النداء للجميع، وهناك محاولة لجس نبض الجماهير الذين جلسوا في بيوتهم، معلنين الحياد إزاء ما يحصل أو هاجروا. نريد فعلاً العودة إلى الشعب لمعرفة نبضه، نبض المستقلين حتى تنضج الفكرة. سأكون وفياً لخدمة هذا التوجه ووراء القيادات الشبابية التي ستتولى قيادة الحركة في المستقبل.

هل تعتقد أن المشروع سيحظى بالدعم الذي يمكنه من الصمود أمام المشاريع القائمة على الساحة الكردية المدعومة خارجياً؟
المهمة ليست سهلة، لكن هذا الطريق الأسلم ليس للكرد فحسب بل للقضية الوطنية السورية وللحركة التحررية الكردستانية، من خلال إعادة تعريف الوضع الكردي السوري ومتطلبات الكرد، وإعادة تعريف العلاقات الكردية العربية لبنائها من جديد، وهي مهمات مستعجلة لأن الكرد تلقوا ضربات عدة. هناك مناطق كردية فارغة اليوم من أهلها نتيجة تصرفات الأحزاب الكردية. هناك كانتونات حزبية وليست وطنية. بعض الأصدقاء العرب يتهم “الاتحاد الديمقراطي” بأنه يسعى للانفصال، وهذا غير صحيح لأنه فرع من “الكردستاني”، وهؤلاء يريدون كانتونات حزبية مرتبطة بالحزب الأم. يريدون تشغيل الكرد السوريين لصالح الحزب الأم ولصالح صراعاته في المنطقة مع تركيا وغيرها.
هناك برنامج سياسي يتعلق بالوضع الكردي الخاص، وبرنامج وطني يتعلق بالوضع السوري والعلاقات الكردية ـ العربية
كنا نقول منذ البداية إنه يجب عزل الوضع السوري عن الصراعات الكردية الأخرى في كل من تركيا، والعراق، وإيران، لأن لكل بلد وضعه الخاص، وطريقة للعمل السياسي، إذ لا نظام موحداً للعمل السياسي في الأجزاء الكردية. نريد إعادة بناء الشخصية الكردية الوطنية. لسنا فرعا من “العمال الكردستاني”، بل جزء من الكرد الموجودين في المنطقة، وجزء من الشعب السوري. مصيرنا مرتبط بالشعب العربي السوري. ما يربطنا مع المواطن الديمقراطي العربي السوري أكثر من الذي يربطنا بالقائد العسكري لـ”الكردستاني” جميل بايك في قنديل مثلاً. نعم هناك صعوبات لكن المصلحة السورية ومصلحة العلاقات الكردية العربية تقتضي أن يبادر شركاؤنا العرب السوريون في المعارضة والقوى العربية المعنية بالملف السوري والحريصة على الوحدة الوطنية، ونأمل أن يدعموا هذه الفكرة.

تتوقعون أن تفضي عملية جمع التواقيع للدعوة إلى عقد مؤتمر عام، وهل هناك سقف زمني للخطوات التي ذكرتها؟
الوضع الأمني الحالي في سورية، في ظل المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام، لا يسمح بعقد مؤتمر عام، هناك فكرة أن يُعقد على مراحل، باعتبار أنّ هناك أعضاء ونشطاء فاعلين مرتبطين بالفكرة ولا يستطيعون الإفصاح عن أسمائهم لوجودهم في الداخل السوري. وهناك مهاجرون في إقليم كردستان العراق، وتركيا، وأوروبا عموماً. وبعد ذلك يُنتخب المندوبون ويصادقون على البرنامج السياسي ويعقدون الاجتماعات. المهم أن يتفق الجميع على البرنامج السياسي للمشروع الكردي والوطني السوري. ليس لدينا توقيت معين لعقد المؤتمر على دفعات، الأمر يتوقف على مدى التجاوب الجماهيري الكردي والشركاء العرب السوريين والأصدقاء العرب.”
لا سقف زمنياً للمشروع، المهم أن يتفق الجميع على البرنامج السياسي للفكرة”

هل الحراك الذي أنتم بصدده موجّه للكرد فقط؟
النداء موجّه للجميع، لكن بالدرجة الأولى للعرب السوريين من المعارضة والثورة، ويمكن لهؤلاء أن يوقعوا على المشروع.

هل يتضمن هذا الحراك تفكيك الأحزاب القائمة على الساحة السورية؟
هناك بند أساسي في الدعوة يقضي بإفساح المجال للأحزاب للمشاركة، لكن العدد الأكبر هو للمستقلين وللشباب ومنظمات المجتمع المدني، لكن يسمح للأحزاب المشاركة بمندوبين بنسبة الثلث. لا نطرح أنفسنا بديلاً للآخرين وليس من وظيفتنا محاربة الآخرين، الشعب يقرر هل هذا الحزب أو التنظيم مؤهل أم لا. نحن مشروعنا وبرنامجنا وخطتنا السياسية واضحة والمرحلة وصلت إلى النضوج منذ ثلاثة أو أربعة أعوام. هناك عمل حثيث في هذا الاتجاه، ومشاورات في إقليم كردستان العراق لأنهم معنيون بالأمر، ونحتاج إلى دعمهم بالدرجة الأولى لأن أي تعزيز للحركة الوطنية الكردية في سورية هو دعم لهم. هناك أخطار محدقة بالإقليم قد تكون مقبلة من سورية بالدرجة الأولى. أعتقد أن هناك مصلحة مشتركة للتفاهم حول هذا المشروع.

هل تقصد أن التبعات الأمنية للوضع الحالي في سورية يمكن أن تشكل تهديداً لإقليم كردستان العراق مستقبلاً؟
أعتقد أن الإقليم مستهدف والشعب هناك حقق مكسباً كبيراً للمرة الأولى في تاريخ الحركة القومية الكردية، يجب أن يتعزز ويُصان ويتطور ونحن حريصون على ذلك. هناك تحديات تواجه ذلك إضافة إلى تحديات من داخل البيت الكردي، وخارجية من بغداد وإيران ودول أخرى، فضلاً عن التحديات المذهبية. لكن أعتقد أن الساحة السورية في المستقبل يمكن أن تتحول إلى مصدر رئيسي لإزعاج الإقليم، ونحن سنتصدى لهذه التحديات لأن مكاسبه تهمنا، وهذه تجربة جديرة بالتقدير والمتابعة.
لا نطرح أنفسنا بديلاً للآخرين وليس من وظيفتنا محاربة الآخرين، الشعب يقرر هل هذا الحزب والتنظيم مؤهل أم لا

هل بدأتم بالتواصل مع الدول المهتمة بعدم ترك الأوضاع السورية تتدهور أكثر؟
حتى اللحظة، نقوم كأفراد بقدر الإمكان بمثل هذه النشاطات، إعلامياً، وسياسياً، ودبلوماسياً. هذا التوجه موجود لإنقاذ سورية، وإصلاح الوضع، ودعم القوى الأصيلة المخلصة التي تدعو إلى الوحدة الوطنية، وتعزيز العلاقات مع المكونات السورية على المستوى الفردي. لكن عندما يحصل انبثاق كيان جديد أو حركة، فسيكون من مهامها أن تمد يدها أولاً إلى الشركاء في الوطن، وثانياً إلى الجوار والقوى المعنية بالملف السوري، ومن واجب الأخيرة دعم مثل هذه الأفكار التي تدعو إلى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

هل تعتقد أن الحراك سيكون محل اهتمام جهات ودول عدا الكرد في سورية وكردستان العراق؟
بالنهاية كل الأطراف ستعود إلى التعامل مع الواقع. إذا نجحنا في طرح مشروعنا وكسبنا الدعم الجماهيري الكردي بشكل رئيسي، أعتقد سيحصل ذلك. فهذه القوى التي تبحث عن الخير لسورية ستحاول أن تجري الاتصالات وتدعم هذا المشروع، وهناك قوى شريرة مثل دوائر في النظام الإيراني، لا أعتقد أن حراكنا سيكون محل اهتمامها بل ستحارب المشروع. أريد أن ألفت الانتباه إلى تجربة على الصعيد الشخصي عام 2012، إذ وجهت لي الخارجية التركية دعوة بعد لقاء وفد تركي برئاسة وكيل وزارة الخارجية حالياً، فريدون سينيرلي أوغلو. التقيته وخرجت بانطباع أن الخارجية التركية ليس لديها اطلاع كامل على الوضع الكردي في سورية. كما أبديت بعض الامتعاض من أن الحكومة التركية ليست مهتمة كثيراً بالمعارضة السورية وأعربت لهم عن شعوري بأن هناك انطباعاً سائداً يفيد بأن تركيا ضد الكرد عموماً. الأتراك بحاجة لوقت أطول لفهم الكرد والقضية الكردية، كما لم تؤسس الحكومة التركية لعلاقات جدية مع المجلس الوطني الكردي. قبل محاولة الانقلاب العسكري في تركيا كان هناك ضباط ومسؤولون بالأمن والمخابرات والجيش ضد الانفتاح التركي على المعارضة السورية، وبعد الانقلاب الفاشل يبدو أن هناك تغييراً. تركيا لديها حدود بطول 700 كيلومتر مع سورية، والكرد يعيشون على جانبي الحدود وهذا يهمنا، نحن والشعب التركي لسنا أعداء، الخلافات على الصعيد السياسي.
المصدر: كلنا شركاء / هيوا كريم

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…