زهرة أحمد
منذ بدء الأزمة السورية وعسكرة ثورتها والحدود مفتوحة على التدخلات الإقليمية والدولية بالرغم من إغلاق المعابر الحدودية الرسمية سواء أكان التدخل سياسيا أو عسكريا، والسيادة السورية تخرق باتفاقيات مع سوريا أو بغيرها، ليتوه الحل في أقبية الضياع وعلى حلبة صراع القوى والمصالح.
سوريا الغارقة في دمائها تئن تحت وطأة التدخلات فسالت أنهار من الدماء الطاهرة وتشوهت الجغرافية بالأنقاض والدمار والأشلاء المتناثرة وارتبكت المساعي الدولية للحل، لتسجل الأزمة السورية رقما قياسيا في سجل الأزمات الأكثر تعقيدا في التاريخ، حتى المؤتمرات الدولية للسلام لم تر النور بسبب تدخلات الدول ذو المصالح في سوريا ومحاولاتها الجادة لإجهاض كل حل يؤثر على بنيان مصالحهم، فالبقاء على الوضع الحالي والفوضى الخلاقة تتناسب وتوازن المصالح في محاولة لتمزيق خارطة الحل المهترئة بمعالمها وحدودها.
سوريا معركة متعددة الأطراف سواءً الفاعلة على الأرض أو في معركة السماء أو من خلال اتفاقيات وصفقات أبدع فيها اللاعبون الدوليون أصول الصراع، والدعم غير المشروع للمتنازعين تمخضت عن نتائج سلبية واتفاقيات سرية زعزعت الأمن وهدمت البلاد.
وكانت الضحية في كل تلك الصراعات الشعب السوري وأحلامه في الحرية والحياة الكريمة.
الشعب الذي نادى يوما بالحرية يقتل الآن تحت القصف ببراميل الموت أو بالاسلحة المحرمة دوليا وبانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني الذي ينص على حماية المدنيين في الحروب.
وكانت من أهم مفرزات هذه الأزمة وأهم النتائج السلبية لهذه التدخلات أنها جلبت للإنسانية إرهاباً يعتبر الأكثر خطورة في التاريخ، اتبع سياسة الأرض المحروقة فقتل البشر والشجر والحجر لتكون من أبرز الذرائع الواهية للتدخل في سوريا مع أنها كانت من مفرزات الأزمة.
الانفجار الإرهابي في قامشلو هز الوجدان البشري، جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، ارتكبت بحق المدنيين الكرد في قامشلو مخلفا أشلاء ودماراً هائلاً في الأرواح والجغرافيا والزمان، ودفنت وراءها ألف قصة وغصة تحت الانقاض.
لم تبق بقعة صغيرة من سوريا إلا ونالت نصيبها من التدمير بمختلف أنواع الأسلحة المدمرة، لم يبق شارع إلا وتلون بدماء الأبرياء، حتى الهواء أفسدته القنابل الفوسفورية والنابالم.
كل تلك الجرائم اللاإنسانية هزت البقية الباقية من الأمن والاستقرار ورغبة الحياة في سوريا حتى في المناطق المنسية منها لتشمل كامل جغرافيتها.
لتتبدل طموحات الشعب في الحرية والسلام إلى الهجرة واللجوء لإنقاذ أنفاسهم المنهكة من الضياع، فكانت الهجرة السورية إلى خرائط العالم لينتهي بهم القدر في غابات الضياع وبحار الموت أو تحت رحمة قوانين اللجوء القاسية.
آلان الكردي رسم الصورة الحقيقة للتشرد في سوريا، تاريخ إنسانية في أعلى درجاتها المأساوية، بالإضافة إلى تغيير ديمغرافية المناطق في سابقة خطيرة من نوعها.
وانتشار أوبئة القيم والأخلاق في المجتمع السوري نتيجة الاختلاط وفقدان القانون والمحاسبة وانتشار الجريمة المنظمة.
كل ذلك كانت مفرزات فيروسية لصراع المصالح في سوريا جلبت للشعب السوري الويلات والمآسي والدمار. خارطة التوازنات السياسية تغيرت وفق المصالح، أمريكا وروسيا المتحالفتان المتخالفتان ترسمان تضاريس قاسية في طريق الحل، تتخالفان في العلن وفي السر ترسمان خارطة الطريق الروسية الأمريكية لسوريا.
قانون المصالح تحكم في سوريا الآن وتعمل مفعولها المدمر.
الصراعات الدولية الدبلوماسية والعسكرية على الارض وفي السماء وعلى طاولة المفاوضات المتوارية عن الأنظار ليست إلا بازارات سياسية وعسكرية على حقوق الشعب السوري.
وما أكثر الضحايا في الأزمة سوريا كانوا أوراقاً ضاغطة مؤقتة أو بالأحرى حلفاء مؤقتين ريثما تتم إعادة التوازنات وترتيب المصالح وبعد ذلك فلتذهب حتى الى الجحيم.
تركيا الآن تتصدر الدول الأكثر حظوظا في هذه الحرب صدرت خلافاتها ومسرحياتها العسكرية خارج حدود دولتها، خرقت السيادة الاسمية وما تبقى من السيادة قانونا لسوريا بحجة محاربة داعش وهي المتهمة بدعم الجهات التكفيرية في سوريا وتسهيل مرورها الى سوريا عبر حدودها.
تركيا حاضنة الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة تعقد صفقات على بقاء الأسد في السلطة وهي التي دعمت المطالبة برحيله وروجت لسوريا المستقبل بدون الأسد.
فالتغيرات في العلاقات السياسية تتناسب والتغيرات في القوى العسكرية الفاعلة على الارض.
وبالرغم من تعدد أطراف النزاع لا منتصر في الحرب السورية، والضحية في كل تلك المسرحيات السياسية والعسكرية هي الشعب السوري.
يبدو أن سوريا مقبلة على خارطة جديدة ترسم حدودها بقوة السلاح وتقرأ تضاريسها بلغة المصالح والشعب السوري في دمائهم غارقون وفي أصقاع العالم مشتتون.
أمام هذه المفرزات المدمرة وتأجج الصراعات الدولية والاقليمية، والاتفاقيات السرية والعلنية المرحلية تاه الحل في متاهات لامتناهية من الضياع.