كان القربان البشري هو الهبة التي يقدمها الإنسان البدائي للإله
فأي إلهٍ يا ترى مَن يود صالح مسلم التقرب إليه عبر قرابينه?
ماجد ع محمد
لا شك بأن من مصلحة الغرب أن يتخلص من المتطرفين الاسلاميين في ديارهم عبر شحنهم المستمر الى سوريا قبل العراق، حيث غدت سوريا البلد الأنسب ربما لإرسالهم إليه، لعلّ المطاف ينتهي بهم هناك، ويتخلصوا بالتالي بكل يسر من تبعات وجود تلك القنابل الموقوتة بين ظهرانيهم، ومنها ما أفادت به وسائل إعلام بلجيكية بأن بنك المعلومات المحدث لديها والذي أنشأته السلطات البلجيكية، يحتوي على أسماء 614 شخصا، بينهم 104 نساء، غادروا البلاد للقتال إلى جانب الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق.
ومن جهةٍ أخرى لا يخفى على المتابع بأن أغلب الفصائل العسكرية العاملة في سوريا بعد إدامة عمر الثورة وعقب انتقالها من حالة الثورة إلى مرحلة الحرب الشبه العبثية في الكثير من الأحيان، غدوا مجرد أدوات في الصراع الدموي الدائر في سوريا، فبالنسبة لطُلاب الحواري فمن المؤكد أن على قلبهم مثل العسل مقتل أي واحدٍ منهم في أي مكانٍ كان، فكيف بسوريا وهي الأرض المباركة بالنسبة لهم، باعتبار أن الشهادة هي بداية الطريق نحو الفوز بالكنوز والمقتنيات الأبدية في الآخرة التي يؤمنون بها، وبالنسبة للثوار الذين استسلموا وبكل مرارة لأمر الواقع الذي فُرض عليهم فرضاً، فالجماعة خضعوا مكرهين للعبة المحاور والممولين وصاروا مجبرين بالتالي على خوض القتال وفق مصالح مَن يتحكمون بموارد تسليحهم وغذائهم اليومي، أما الفصيل اليساري الذي لا يؤمن لا بالآخرة ولا بإغراءاتها أو فوائدها اللاحقة، ولا هو ضامن استحقاقات النضال المسلح فيما بعد، فما الذي يدفعه للقتال إذاً وهو لا دوافع سامية ماورائية لديه يعمل لأجلها، ولا لديه هدف أرضي من وراء القتال يود تحقيقه؟
فمع أن الكثير من وسائل الاعلام تناقلت خبراً مفاده أن الجيش التركي وقف عملياته العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطي، بحسب ما ذكره مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) ومسؤول عسكري كردي، إلا أن الجيش التركي سرعان ما عاود القصف واستهدفت قذائف الجيش التركي قرية جقلي شيه في منطقة عفرين بما يقارب أربعين قذيفة حسب النشطاء، حيث جاء القصف بعد أن رفضت أنقرة يوم الأربعاء 31 آب، وقف إطلاق النار مع الأكراد في شمال سوريا، ونفت أنقرة التقارير التي تحدثت عن إبرامها هدنة مع المقاتلين الأكراد في سوريا، وذلك على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، القائل: “بأن إعلان واشنطن التوصل لهدنة في سوريا غير مقبول، مطالبا الإدارة الأمريكية بالإيفاء بتعهداتها بانسحاب قوات حماية الشعب الكردي إلى شرق الفرات” وحسب أوغلو أن “بلاده ستواصل استهداف المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، طالما أنهم لم ينسحبوا إلى شرق الفرات”، كما أكد قبله الرئيس التركي بأنهم سيقاتلون المسلحين الأكراد مثلما يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك في 29 أغسطس/ آب 2016 بمدينة غازي عنتاب حيث قال أردوغان “بأن بلاده ستقاتل المسلحين الأكراد بالحزم الذي تقاتل به تنظيم الدولة الإسلامية”.
فمن جهة داعش بات معلوم للقاصي والداني أنه تنظيم وظيفي استخباراتي يعمل لصالح أكثر من جهة دولية، وأن هذا التنظيم يتمدد ويتقلص حسب الطلب، وحسب قراءتنا لمجمل التصريحات أعلاه أن حزب الاتحاد الديمقراطي غدا هو الآخر مثل تنظيم داعش ذريعة لدى الجهات المصرحة أعلاه، وأنه من غير المستغرب أن تبقى قوات سوريا الديمقراطية محتفظة بمواقعها التي تتحجج بها تركيا، لكي تبقى الذريعة جاهزة إلى ما بعد الانتهاء من الدواعش في الباب أو الرقة، ليتم من بعدها تحريك الملف نفسه من جديد، وتعود كل مرة حرارة القتال الى جبهات بين وحدات الحماية الشعبية والجيش التركي مع الفصائل الموالية لكلا الفريقين.
لذا فما قاله كل من جاويش أوغلو وأردوغان من جهة وما ما صرح به مايكل راتني ممثل أمريكا لدى المعارضة السورية، في لقاء رسمي مع الهيئة السياسية للائتلاف الوطني بقوله: (أنهم يتعاملون مع وحدات الحماية الشعبية ويعترفون بها، ولكنهم لا يتعاملون مع حزب الاتحاد الديمقراطي ولا يعترفون به) يدل على أن القصف التركي ربما يكون قد يتوقف مؤقتاً إلى حين أن يتم تحرير الرقة من قبل أدوات الحرب أي (الكرد) ومن ثم من غير المستبعد أن يستأنف الجيش التركي هجومه على مواقع قوات سوريا الديمقراطية من جديد.
علماً أن هذا التصور لم يكن من بنات الخيال إنما هو مبني على ما صرّح به المتحدث باسم القيادة المركزية الكولونيل جون توماس، الذي قال: “تسلمنا خلال الساعات الماضية تأكيدا بأن الأطراف المشاركة في القتال ستوقف إطلاق النار، وتركز على تهديد تنظيم الدولة الإسلامية” فانتبهوا على المقتطف من كلام الكولونيل الأميركي، فالهدف من وقف القتال ليست الغاية منه عقد أي اتفاقٍ دائم بين الطرفين، ولا هو ليسلم الأبرياء من ألسنة نيران المدفع التركي، إنما الهدنة كانت أو ستكون فقط لمحاربة تنظيم داعش إلى حين إضعافه أو إنهائه، ومن ثم لا بأس إن جُدّد القتال بين العدوين اللدودين، تركيا والاتحاد الديمقراطي، حيث كان القتال بينهما أثار ويثير قلق وزارة الدفاع الأمريكية التي علقت آمالا على هزيمة داعش في سوريا، بالاعتماد الرئيسي على قوات سوريا الديمقراطية، وأنفقت حسب الخبراء الكثير من الأموال على تدريبها وتوفير المعدات لها.
والوقائع والتصريحات تشير بأنه إما أن ذكاء هذا الحزب يفوق قدراتنا البشرية، لذا لا نقدر على استيعاب ما يخططون له، أو أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو حزب مضحوك عليه وتتسم كل قيادته بالسذاجة والغباء السياسي الصرف، وإما أن هذ الحزب هو مجرد مافيا سياسية يبيع ويشتري بالشباب الكردي بمقابل مالي لا أكثر ولا أقل، وهو ما لمح إليه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بما معناه أنهم لم يعدوا الأكراد بإقليم أو بدولة، بل تحالفوا معهم فقط لطرد داعش، وأن من حق تركيا حسب قوله الدفاع عن حدودها وأنهم أي الأمريكان يدعمون تركيا في شمال سوريا.
إذاً فالأمريكان حالياً قد يلزمون تركيا بوقف القصف والتحرك في مساحة محددة داخل وسوريا، بحيث سيكون لهم حرية التمدد والتقلص من جرابلس إلى اعزاز عرضاً بعمق 15كم داخل الأراضي السورية، ولكن الواقع والتكهنات تدفع باتجاه أن ذلك الهدوء مؤقت ولن يدوم طويلا،ً وأنه ولمجرد أن تقوم جماعة الاتحاد الديمقراطي بتحرير الرقة بعد أن يُقدموا الشباب الكرد قرابين أخرى في محرقة الرقة على غرار ما فعلوه في منبج، ربما تمر على الكرد فصولٍ دموية أخرى من وراء طيش الاتحاد الديمقراطي واتفاقاته الآنية مع القوى الدولية والذي لا يسعى الى هذه اللحظة لأي اتفاق سياسي مضمون النتائج مع الدول الغربية المعنية بالملف السوري وفي مقدمها أمريكا صاحبة قرار الحل والربط، إنما جل تعاونهم مع الغرب محكوم بالجانب العسكري الزائل، وهو الجانب الذي لا يضمن أي التزامات غربية تجاههم في المستقبل، وأنهم سيكونوا مجرد أدوات مرحلية إلى الانتهاء من ملف داعش حتى يكونوا فيما بعد هم في مرمى نيران الكل.
وفي العودة الى التاريخ السحيق والمتعلق بطقوس الأضاحي البشرية لدى الشعوب، فتقول المرويات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط بأن نهايه القرابين البشرية كانت واضحة في القرآن الكريم، حيث انتهى عهدها في قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل من خلال الكبش الرباني الذي كان البديل عن اسماعيل، إلا أن الاتحاد الديمقراطي يبدو أنه لم يتخلص بعد من ثقافة تقديم القرابين لإرضاء آلهة الصراع في المنطقة، فهل يا ترى بعد كل الذين ضحى بهم الحزب المذكور سيفكر قادة ذلك الفصيل المتهور بعد محرقة منبج، بإنزال مزمورٍ خاص يلغي فيه تقديم القرابين المجانية في صفوف تنظيماته السياسية والعسكرية؟ وهل سيستفيد حزب الاتحاد الديمقراطي من تجربة منبج حقاً؟ أم سيبقى الشباب الكردي لديه مجرد أخشاب جاهزة لإدامة أوار نار الحرب في سوريا بدون أن يتدفأ ذويهم يوماً بالحرارة التي أحدثتها أبدانهم تالي الاحتراق؟ أم سيعقد الحزب المذكور مع الغرب وعلى رأسهم أمريكا اتفاقيات سياسية علنية تقرُ به وبوجوده السياسي قبل العسكري؟ وبالتالي لا يبقى صالح مسلم وحزبه مجرد عَربة مخصصة لنقل أرواح الشباب الكرد من مناطقهم إلى محارق وجبهات الصراع المتنقل في سوريا؟.