د. محمود عباس
1- مدخل
الصور النمطية العفوية، المستسقاة من ترسبات الماضي أو المتكونة على خلفية الضخ الثقافي حاضرا من قبل الأنظمة الاستبدادية العروبية، وفي الطرفين، تعكس واقع سلبي، وعداوة كامنة بين الجهتين، وهي التي تريدها السلطات، كسند لديمومة هيمنتها، ولهدم هذا التكوين الخاطئ، لا بد من دراستها، ومعرفة الخلفيات التي أدت إليها، والبحث عن حلول منطقية لإزالتها، أو على الأقل تنقيتها من الحقد والكراهية. فبوجود هذه الصورة النمطية البشعة، لن تتخلص مجتمعاتنا من صراعاتها السلبية، وستظل أحد اهم العوامل الفكرية المعيقة لتطور وتقدم مجتمعينا.
بعد بحث واسع، ودراسة لشرائح متنوعة من المجتمع العربي، ومعرفة فيما إذا كانت هناك فرق أو تمييز بين الصور النمطية عندهم عن الكرد، أو اختلافات ما بين الشريحة المثقفة أو السياسية، أو العامة من الناس، تبينت بأنه تكاد تكون هي ذاتها عند الجميع. تكوينها وبهذه الشمولية عند الشرائح المتنوعة، لم تتكون من عمق معرفة أو مجهود كبير، فقد أنبتتها ورسختها الضخ المعرفي الخارجي الخاطئ عن الكرد، والتي سماها مؤرخيهم وشعرائهم باليقينيات، هؤلاء الذين لم يكن لهم سبق معرفة بديانة وثقافة وعادات وتاريخ الشعب الكردي، فاستندوا على بعض الأساطير القادمة من العرب الذين مروا بين جبالهم وجغرافيتهم دون فهم لغتهم، فأدت إلى استنتاجات فكرية شاذة عن الكرد، مثل أصلهم وتاريخهم ومعتقداتهم، وغيرها، وأسقطوها في ذهن مجتمعهم العربي بتلك الضحالة المعرفية.
مع استثناءات، ولأسباب ذاتية، تماهت الصور النمطية الجمعية، عند شريحة من المثقفين العرب وقسم من المجتمع المعاش مع الكرد، وبسبب البحث الذاتي أو على خلفية المعاملة اليومية الفكرية أو الاجتماعية مع الكرد، طغى عندهم الرؤية الإيجابية المستندة على الشعور على الصورة النمطية المركبة في اللاشعور، والمتكونة تاريخيا. وعند الأغلبية، وخاصة السياسية، لا تزال الازدراء والكراهية غالبة. لذلك فحضور اسم الكرد تعكس الكثير من التناقضات والسلبيات في ذهنية الأغلبية من العرب، وتكون عادة خلفياتها قومية، أو دينية ناتجة من مفاهيم خاطئة ذكرت سابقا عن معتقدات الكرد، كالإيزيدية والمانوية والزردشتية والمزدكية، وغذت سلطاتهم السياسة ومرجعياتهم الدينية بشكل دائم تلك الصور النمطية، لتقزيم الكرد أمام العرب.
واقتصادية طمعا بغنى جغرافيتهم، واجتماعية بسبب التمايز الحضاري والفكري. والكردي يحمل صورة عن العربي لا تقل سلبية، بحكم التراكم المعرفي والعلاقات الاجتماعية، ومن الثقافية العدائية التي مارستها السلطات العربية، وأساليب الإلغاء من الشرائح المذكورة. وكما نعلم وحسب الدراسات الاجتماعية، الصور النمطية المترسخة في ذهنية جماعة عن جماعة أخرى قد تكون معادية أو صديقة، تغلب عليها الجمود الفكري، وتأثيراتها الضارة أعمق وأكثر بكثير من النافعة، وبما أنه في شرقنا وخلال القرن الماضي هيمنت السلطات الشمولية العربية على ثقافة شعوبها، فإن معظم الصور النمطية المتكونة عند الكرد والعرب، بعد ظهور الحكومات العربية، من صنع الأنظمة.
وفي العقود الأخيرة بدأت الصور النمطية المتشكلة تتعمق وتأخذ حيزا عدوانياً، تخدم تلك الأنظمة على قدر ترسخها وتشعبها، فهيمنة السلطات الشمولية الاستبدادية على دول الشرق الأوسط، وتغليف المجتمعات بالغطاء القومي العروبي، على حساب تقلص الحيز الإسلامي والوطني، أضافت مفاهيم سلبية جديدة على الصور النمطية السابقة عن الكرد.
مع تصاعد الموجة القومية، وليست القومية الواعية، والمتوازنة نهجاً، بل تلك التي حملت في أحشائها الحقد والكراهية تجاه القوميات الأخرى، كركيزة لإبراز الذات، تشكلت عند العرب صورة نمطية سياسية ثقافية مشوهة عن الكرد، غلبت تلك المبنية على أساطير مؤرخيهم الأوائل، بل تتطرق إلى طموحاتهم؛ وتاريخهم؛ وعاداتهم؛ وتقاليدهم، وذلك على خلفية الأعمال المشينة التي قامت بها الأنظمة العروبية الاستبدادية، والأحزاب العربية القومية، وبمشاركة واسعة من مثقفيهم، وهؤلاء جميعا شاركوا على رسمهم الصورة الحديثة في ذهنية العربي، لخلق حاجز الكراهية بينهما، وليتفاقم الرفض العربي للكردي، ويبرر استغلاله؛ والتحكم في إرادته؛ وإخضاعه لرغباته، وفي النهاية سلب حقوقه القومية، وأصبح رؤية المتكون العربي عن الكردي على هذا النمط عامل معيق لأي تقارب إنساني بينهم، وتلغي تقريبا أية أمال في حصوله، حاضرا أو في المستقبل القريب.
ساهم رواد القومية العربية في خلق هذه الأحقاد، وبالتالي الحواجز الشائكة بين العرب والكرد، فقد كانوا ولعنصريتهم عاجزين عن تنمية الوعي القومي الوطني أو الاحتفاظ بالموجود، ولم تكن لديهم القدرة على تطبيع النهج القومي مع المفهوم الوطني أو الدين الجامع، فمثلما حرفوا النهج العالمي للدين في البدايات إلى الإسلام العربي، كذلك مع تصاعد الشعور القومي أذابوا الوعي الوطني، فخلقوا على أساسه، صور نمطية عن الكرد مغايرة للصور الماضية، والتي هي بحد ذاتها لم تكن جميلة ونقية، والتي برزت الكرد في جغرافيتهم بتاريخ مشوه، وشعب غير قابل للتعامل معه…
يتبعها. مراحل السلطات الإسلامية العربية
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
8/7/2016م
نشرت في جريدة بينوسا نو العدد(51) الناطقة باسم الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.