شيركوه حسن
يقال في السياسة لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل مصالح دائمة.
انطلاقاً من هذه القاعدة ومن خلال الوقوف على الأحداث والمتغيرات الحاصلة في الشرق الأوسط بعد انطلاق ما اصطلح عليه بثورات الربيع العربي بغية الدراسة والتحليل يعجز عقل المتابع وكذلك الباحث ويتوه عن فهم وإدراك الوقائع في ظل سرعة تبدل الثابت والمتغير السياسي والمتقلب أحيانا لينسجم والشكل الجديد أو المتجدد لطبيعة إدارة الصراع من قبل الأطراف والقوى الفاعلة وحتى المنفعلة في الأزمة المحلية منها أو الإقليمية والدولية, كون المتغيرات تلقي بظلالها وتأثيراتها على الكل كيانات ودول, لذا تقوم هذه الكيانات بإعادة ترتيب آلياتها وأولوياتها الداخلية والخارجية في مسعى منها للبقاء داخل الحلبة لتحافظ على ذاتها ومصالحها, وهذا مرتبط وقدرة النخب السياسية والقائدة للمجتمع على قراءة واستقراء الأحداث والمتغيرات ومدى امتلاكها القدرة على الوقوف في وجه التحديات التي تعترض مصالحها ووجودها.
إذا أخذنا محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا وارتداداتها كعامل فاعل في المحيط الملتهب نلاحظ مدى التأثير الكبير الذي أحدثته على شكل وطبيعة الصراع الجاري في المنطقة ككل نتيجة التبدل في المواقع والمواقف وشكل وطبيعة التحالفات القائمة على أساس المصالح في المنطقة ككل, لعوامل عدة أهمها تأثر أطراف الصراع المباشر بالبعد الإقليمي المرتكز على منعكس البعد الطائفي, هذا إضافة إلى العامل الدولي ودوره في إدارة الصراع.
بالعودة إلى تقييم حالة البلدان العربية والتي انطلقت منها حالة التغيير نلاحظ إنها مرت حتى ألان بمرحلتين أساسيتين وهي على أعتاب الدخول قي المرحلة الثالثة فالمرحلة الأولى كانت مرحلة انطلاق الثورات تحت شعار الحرية والكرامة والمساواة في الحقوق والمواطنة والخلاص من نظم الاستبداد الحاكمة وهي كانت بفعل الحراك الداخلي نتيجة حالة الاحتقان من ممارسات قوى الاستبداد والتمايز الفئوي بين مكونات المجتمع.
المرحلة الثانية والتي حرفت فيها الثورات عن منطلقاتها وأهدافها الأساسية بفعل الثورات المضادة وازدياد مفاعيل المال السياسي والتدخل الإقليمي والدولي المباشر على الخط وإدارتها المباشرة للازمة وفق اصطفافات وتحالفات على أساس تقاطع المصالح والتي برزت أكثر في الحالة السورية نتيجة موقعها الجيوسياسي, اتسمت هذه المرحلة بتزكية الصراع على اسس طائفية ودعم وتنشئة قوى راديكالية عنفية اعتمدت التدمير لمرتكزات الدولة المجتمع وخلقت حالة احتراب دموية بين مكوناتها بغية تدمير قواها الذاتية لتسهيل السيطرة والادارة مع ملاحظة تعاظم نفوذ القوى الدولية على حساب تراجع دور القوى الاقليمية وتلاشي فاعلية دور القوى المحلية وخاصة المعتدلة منها والتي انقسمت ذاتياً على هامش الصراع وفق الاستقطاب المذهبي والذي دُفع إلى المقدمة, لتدخل المنطقة تالياً حالة الركود السياسي وتحييد منظمة الأمم المتحدة وتقاعس القوى الدولية الفاعلة عن كسر حالة الجمود والدفع باتجاه ايجاد الحلول في ظل عدم التكافؤ في موازين القوى وانتهاج الأطراف المتصارعة الحلول العسكرية بالاعتماد على الدول الداعمة الاقليمية والدولية وتداخل القوى الراديكالية والإرهابية وتصارعها لأجل النفوذ والسيطرة وتأجيج حالة الاقتتال المستعرة وفق مقاسات طائفية .
اما المرحلة الثالثة والتي بدأت ملامحها تتشكل بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا والتي اتاحت لاردوغان ومن خلفه العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي الفرصة التاريخية للانقلاب على اسس الجمهورية الكمالية والشروع بالتأسيس للجمهورية الثانية وفق مقاسات ومعايير محددة تنسجم مع رغبات وأهداف مؤسسيها والتي لها الاثر المباشر في تغيير قواعد اللعبة وتبديل الاولويات في المنطقة بخروجه على مظلة الناتو الحليف التقليدي وتحركه نحو روسيا وإيران الخصمين الأساسين ومن خلفهما النظام السوري والتأسيس لتفاهمات ومساومات لازالت مضامينها غير معلنة ليعيد تركيا إلى الحلبة كلاعب أساسي وليغير من قواعد التحالف الاشتباك ولتدخل تركيا في لب الصراع من جديد وتكسب بعض النقاط التي طالما كانت عصية عليها والتي كانت من اولى نتائجها الاشتباك بين قوات النظام ووحدات الحماية الكردية في الحسكة مؤخر أو إدخال تركيا لقواتها منطقة جرابلس وهي تتمدد في منطقة غرب الفرات وحلب تحت مسمى محاربة الارهاب ودعم قوات المعارضة والضغط على قوات سوريا الديمقراطية والتي ركيزتها الاساسية قوات الحماية الكردية الحليف الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة لتنسحب إلى شرق الفرات, هذه التحركات تحدث بالتوازي مع محاولات قوات النظام السعي لتغير الطبيعة الديمغرافية لمنطقة ريف دمشق بدأً من داريا وترحيل سكانها السنة الى مناطق حما وادلب لتتوضح ملامح خارطة سوريا الجديدة اكثر من ذي قبل, ذلك باحتفاظ النظام وحلفائه وبرعاية روسية بسوريا المفيدة على حد وصفه والممتدة من دمشق الى الشريط الساحلي مروراً بحمص مقابل السماح لتركيا برعاية وادارة المعارضة السنية ضمن المثلث السني انطلاقاً من ريف حلب, والسماح للأكراد بالاحتفاظ بمنطقة الجزيرة تحت غطاء ورعاية أميركية هكذا تبدو اللوحة سواء توافقنا معها ام لا, هذه المعادلة والتي اعتقد انها تأتي ضمن سياقات ترتيبات الحل او مقدمات جنيف الرابعة لتحافظ هذه القوى على شكل الدولة السورية في حدها الادنى ضمن ادارات ذاتية للمناطق في ظل استحالة عودة الدولة السورية الى سابق عهدها والتوافق الاقليمي على رفض التقسيم في هذه المرحلة على الاقل وهنا لا استطيع الجزم بان ما يحدث يأتي او ينسجم مع الطرح الامريكي ومشرعه لإعادة هيكلة الشرق الاوسط الجديد ام لا, او هي تعقيدات اضافية للازمة المعقدة اصلاً وتلك مصيبة, ام هي ممكنات حلول توافقت عليها القوى الاقليمية والدولية لفرض حلول معينة تتعارض ومصلحة المجتمع السوري بعد كل هه التضحيات وتكون حينها المصيبة اكبر.
ولما تقدم تأثيرات مباشرة على الحالة الكردستانية كون هذه الترتيبات هي اساساً من نتاج تحركات إقليمية وخاصة الدول الغاصبة لكردستان لفرض حلول معينة تتوافق ومصالحها فهي بالتأكيد في جزئيات الاتفاق ستستهدف الوضع الكردستاني في عموم اجزائها وخاصة في الجزأين العراقي والسوري في محاولة منها لكبح الطموح الكردي الهادف الى الاستقلال وتقرير المصير, مما يلزم الحركة الكردستانية استدراك اللحظة التاريخية ومخاطر المرحلة بإعادة النظر بترتيبات الوضع الداخلي ووضع حد لخلافاتها الناشئة نتيجة الانقسام على هامش الصراع, والتصارع على المكاسب الحزبية والفئوية الضيقة لتحافظ على مكاسب شعب كردستان, او تبقى لاهثة في فلك هذه الانظمة فتضحي بذلك بدماء شهداء كردستان.