الشخصية الكردية بين الدين والقومية

علاء الدين عبد الرزاق جنكو
ameer336@hotmail.com
وصلتني رسائل عدة ، بين مثنية على كتاباتي وبين مشجعة لها ، على أن رسالة وصلتني بطريقة غير مباشرة من أحد معارفي ، يطلب مني أن أقلل من النبرة الإسلامية في خطابي عند كتابتي لمقالاتي !!
إن ما آلت إليه نظرة هذا الشاب مع مجموعة من المثقفين للإسلام في المجتمع الكردي هي أشبه ما يكون بنظرة المتطرفين والمتشددين الإسلاميين بجامع عدم واقعيتهما .

فينظر هؤلاء وكأن الجيوش الإسلامية تقف اليوم على حدود كردستان ، والكل ينتظر رأي المتعاطفين معهم من المتدينين الكرد ، ودخولهم متوقف على آرائهم تلك ؟
ناسين – أصحاب هذه النظرة – أن العمق الذي غارت فيه العقيدة الإسلامية بين الكرد ( وعمرها 1400سنة تقريبا ) أقدم بكثير من عمق الفكر القومي الذي ما ظهر بمفهومه المعاصر إلا في القرن التاسع عشر الميلادي !!.
فالإسلام عشعش في الذات الكردية ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال نزعه عنها ، لأنه في حقيقة الواقع تقسيم لهذه الذات ، ولا داعي لضياع الوقت الثمين في مثل هذه المشاريع التي أثبتت فشلها عند جيراننا ، وبعض أصدقائنا القدماء !!!
فتركيا العلمانية ، والواقفة بكل صلابة ضد الفكر الديني حتى الشخصي منها ، فشلت في تحويل تركيا إلى مجتمع أوروبي كما كانوا يأملون .

وكذلك الأحزاب العلمانية العربية .

ومن جهة أخرى الطرح العلماني بفصل الدين عن السياسة فيه تجن على التاريخ والواقع وحتى على التفكير ، والصواب الذي لا نختلف عليه هو فصل الإسلام عن التحزب والحزبية .
لأن المتدين مسلما أو على أي دين كان ، قد يكون سياسيا بفكره ومبادئه الإسلامية كما أن أي حزب علماني يمكنه أن يستنبط كثيرا من مواد نظامه الأساسي من تعاليم الإسلام – كما فعلت بعض النظم الغربية – أما وضع الإسلام ضمن القوالب الحزبية ، والحكم على إسلامية الشخص ومقياس التزامه الديني من خلال انتسابه للحزب ، هذا هو المرفوض قطعا على الأقل من وجهة نظري ..

في الوقت الذي لا يُمْـنَع أي متدين سواء بمفرده أو بشاركة غيره من أي نشاط اجتماعي يعود بالفائدة على المجتمع ، ولا يخفى أثر بعض الشخصيات المعروفة بالتزامها الديني في حل كثير من المشكلات الاجتماعية استعصت حلها من قبل جهات أخرى في مجتمعنا الكردي.

ومن هنا كان التوجه إلى خلق نموذج من التفكير السليم البعيد عن التشدد والتنطع لوضع كل من الدين والقومية في مكانهما الصحيحين ، فالقومية هي وجود للذات ، والإسلام هو المهذب والمرشد لهذه الذات الموجودة ، ولا يمكن أن تكون قوميا أو مسلما .
لأنه لا يمكن للكردي المسلم أن يعتز بكرديته دون اعزازه بإسلامه ، ولا يمكن للمسلم الكردي أن يعتز بإسلامه دون اعتزازه بكرديته.
فهما معا – الدين والقومية – يكونان الذات البشرية المميزة ، والتي بتلازمهما صنعت تاريخا ( بقيادة البطل صلاح الدين الأيوبي وعلى مدى قرن كامل سمي فيما بعد بالقرن الكردي )  لا يمكن أن ينكره إلا معاند  …….

تلك هي الشخصية الكردية .

الإمارات العربية المتحدة
29 / 4 / 2006

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تُعتبر الدساتير المرجعية القانونية الأسمى في الدول، حيث تحدد شكل النظام السياسي، وتؤطر العلاقة بين السلطة والمجتمع، وتؤسس لمبادئ المواطنة والحقوق والحريات. غير أن بعض الدساتير، ومنها مشروع الدستور الجديد للجمهورية السورية، التي يقدمها الدستور بأنها” الجمهورية العربية السورية” يحمل في طياته تناقضات جوهرية بين النصوص المعلنة والغايات الفعلية التي تهدف السلطة إلى تكريسها، بتدبير تركي…

د. علي القره داغي الحمد لله الذي جعل التوافق بين أبناء الأمة من أسمى الغايات، ورفع من شأن العدل والمصالحة، وأمر بالحوار والائتلاف، وجعل السياسة الحكيمة قائمة على العدل والإحسان والموازنة بين المصالح والمفاسد، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. في سياق المسؤولية الشرعية، والواجب الفقهي، والتقدير…

صلاح بدرالدين تحية طيبة الموضوع: اتفاق الشرع – عبدي بعد سقوط نظام الاستبداد في الثامن من كانون اول / ديسمبر الماضي ، والانتقال الى مرحلة جديدة ، بات ترتيب البيت الكردي السوري ، وتجاوز الانقسامات ، وتحقيق المصالحة ، والتوافق على مشروع قومي – وطني موحد في مقدمة أولويات مهام المرحلة الراهنة ، وهي الى جانب كونها مطلب…

إبراهيم اليوسف   لقد أصيب ملايين الكرد السوريين كما أخوتهم السوريين، داخل الوطن وخارجه، بخيبة أمل كبيرة بعد تلقيهم مسودة الدستور السوري الجديد التي أقرت من قبل السيد أحمد الشرع، دون أن تتضمن أي إشارة إلى الكرد أو حتى مضمون الاتفاق الذي تم مع السيد مظلوم عبدي. ذلك الاتفاق الذي أثار جدلاً واسعاً في الشارع الكردي بين رافضين لم يجدوا…