“عندما تتواجد وجهتي نظر متعاكستان فان الحقيقة لا تقع بالضرورة
في الوسط إنه من الممكن لإحدى وجهات النظر ان تكون خاطئة”
ريتشارد دوكينز
ماجد ع محمد
من البديهيات أن الحديث مع المختلف كل فترة من الزمن قد يكون من الحاجات الضرورية أو المتطلبات المرحلية للشخص، وذلك حتى لا يبقى الجمود سيد الموقف، فيظل التكلس عندها ماكثا في ديار الواحد منا، لذا فالاختلاف في الرأي كثيراً ما أشبههُ بحالة الفُرجة على مقطع ما من مقاطع أفلام البورنو، فكما يُعيد المقطع الفيلمي ذاك إلى بدن المتفرج المُسن أو الخاملِ بعض الحيوية والنشاط، كذلك جدال المختلف كثيراً ما يساهم في تحريك الراكد، وتفعيل آليات التفكير التي راكمها الجمود بسبب تراكم غيوم العقائد المزنرة بالتابوات في سماء المرءِ، أو ربما بسبب دوام موافقة آليات التفكير لدى الشخصِ لرياح وأمزجة المتفقين في الرؤى والأفكار والتصورات.
هذا فيما يتعلق بالثوابت والمتغيرات الحياتية والسلوكية لدى عموم الناس، ولكن مِن اللامحمود هو تداخل الثوابت المبدئية مع متغيراتها، فالحق والعدل والقيم الإنسانية العليا مثلاً هي من الثوابت، ولا يصح أن يتم التعامل معها كمتغيرات يُسهل بترها أو إزاحتها، ومن المفروض ألا تخضع الثوابت لأمزجة أي نفرٍ من الناس حتى يجعلها من المتغيرات العادية كلما اقتضت مصلحته الشخصية إلى ذلك، لأن المجتمعات حينئذٍ ستكون عرضة للانقلابات البنيوية فيكون مصيرها الفوضى العارمة، فقد تنتشر بسبب ذلك كل صنوف الجريمة بين الناس، فتضيع حينها المعايير ولن يبقى هنالك عنئذٍ أي تمييز بين القاتل والضحية أو بين الحق والباطل.
فالغاية الأساسية والثابتة لدى أية جهة أو حزب هو تحقيق الهدف الأسمى والمصلحة العليا للعامة للمجتمع، والثوابت عادة ما تكون في الأهداف بينما المتغيرات فموقعها في الوسائل، فالثوابت في الأصول والمتغيرات في الفروع، فمن الثوابت البحث الدائم والمستمر عن المصلحة العامة واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، لذا فبخصوص استقلال اقليم كردستان فلا نعتقد بأن هنالك أفضل من هذه المرحلة لإعلانه، أما فيما يتعلق بالثوابت والمتغيرات لدى الحركة الكردية هناك فمن الضروري جداً التفرقة بين الثابت والمتغير حتى لا يحدث اللبس بتحويل الثابت للمتغير أو المتغير إلى الثابت كما هو الحال لدى أحزاب كردية كبيرة منهم على سبيل الذكر: حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق، حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا، وحزب العمال الكردستاني في عموم كردستان، إذ من الصعب جداً أن يميز الفرد بين الثوابت والمتغيرات لدى الأحزاب المذكورة.
وبخصوص قضية استقلال اقليم كردستان وموقف الأطراف الكردية منه يظهر التناطح صارخاً بين الثابت والمتغيّر لدى أحد أطراف المعادلة في اقليم كردستان، فيبدو وكأن جملة الكاتب البريطاني ريتشارد دوكينز كُتبت خصيصاً لهم حتى تعبر عن حالهم، وحتى يميز المبصر المراقب بينهم وذلك بقوله: “عندما تتواجد وجهتي نظر متعاكستان فان الحقيقة لا تقع بالضرورة، في الوسط إنه من الممكن لإحدى وجهات النظر ان تكون خاطئة”.
ولأن كل طرف منهم يُعبر في معظم مواقفه عن مكامنه وأفكاره وتصوراته المسبقة، لذا بدا ذلك جلياً في تصريح لـ: ملا بختيار مسؤول الهيئة العاملة في المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني، القائل “بأن حلم اعلان الدولة الكوردية هو من حقنا ككورد، وفي جميع انحاء كوردستان، ولكن لا يوجد لحد الآن أية وثيقة أو بيان من قبل الولايات المتحدة الامريكية أو من روسيا أو من اي دولة اخرى، لإعلان إستقلال إقليم كوردستان”، مستطرداً “بأن جميع هذه الدول بما فيهم أمريكا وروسيا ومعهم 28 دولة غربية قد قدمت مذكرة الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني والى الإتحاد الوطني الكوردستاني، مؤكدين عدم موافقتهم على إعلان إستقلال إقليم كوردستان”، بينما في المقابل وفي نفس الموضوع والموقف منه، فإن عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني كمال كركوكي ورداً على تصريح ملا بختيار نفى بأن تكون هنالك 28 دولة غربية ضد إعلان استقلال إقليم كوردستان، كما ونفى كركوكي وصول أية مذكرة من قبل هذه الدول إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني أو الى حزب الإتحاد الوطني الكوردستاني، وأردف كركوكي قائلاً بأنه: لا توجد أية دولة قد اعلنت اعتراضها على إستقلال إقليم كوردستان، وحسب قول الكركوكي أن “هناك كثير من المواقف الإيجابية من كثير من دول العالم، تساند وتدعم هذا المطلب الشرعي لشعبنا وسنعلن عنه في الوقت المناسب”.
إذاً فبخصوص الحقوق الأصلية والفرعية فلا شك بأن السيد بختيار كرجل حزبي له باع طويل في العمل السياسي، ولا هو بجاهلٍ بكل ما ورد في إعلان الأمم المتحدة المتعلق بحقوق الشعوب الأصلية، وما جاء في سياق قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص الحقوق القومية للشعوب وحقها في تقرير مصيرها، حيث ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صراحةً حق تقرير مصير الشعوب ومنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وذلك الحق بالنسبة للمواثيق الدولية هو من الثوابت وليس المتغيرات.
ومن خلال قراءة ما وراء المُضمر لدى القطب المتهرّب من استحقاق الاستقلال، يبدو لنا أن مكامن ملا بختيار إما أنها تعاني من الاشتباك الضمني أو أن هنالك تناطح جوهري مترسخ بين الثوابت والمتغيرات لدية، وبناءً عليه فإن متغيره الشخصي أو الحزبي هو الذي عادةً ما يحضه على معارضة ذلك الحق الثابت في القوانين والشرائع الدولية، أو أنه يرفض حق الاستقلال ليس كرهاً بالاستقلال نفسه، إنما لأن مشروع الإعلان جاء أو سيلعن مِن قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحديداً من قبل رئيسها مسعود البارزاني، ولا شك بأن الاحتمال الأخير هو الأكثر ملائمة لمزاج ملا بختيار وللمناخ السياسي الذي تربى فيه الرجل عشرات السنين، عموماً فهذا الموقف المبطن لدى بختيار ومن يماثله في الموقف والرؤى والتصورات من رهطه السياسي هو ما يؤكد مصداقية ما جاء به السلف بقول أن: “كل إناءٍ بما فيه ينضح”.