يا أبناء الأمَّة الكرديّة إتَّحدوا

زاغروس آمدي
شعار “أخوة الشعوب” شعار جميل جداً جداً، لكن كيف يمكن أن يتحقق هذا الشعار من قِبل من يعمل على إنتاج وترسيخ العداوة والكراهية بين أفراد الشعب الواحد كحزبي الإتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني بنشر ثقافة التخوين والعمالة والخلاف، وذلك بإتهام الآخرين ممن يختلفون معهم من بني جلدتهم بالخونة والعملاء وبتهديدات مؤيديهم العدائية بالحرق والقتل لمخاليفهم في الرأي والمواقف السياسية. ولقد تلقيت أنا شخصياً تهديدات بهذا الشكل وأعنف وأبشع أيضاً لمجرد أني أخالفهم الرأي السياسي والفكري رغم أني كاتب مستقل وأنتقد أخطاء أحزاب كردية أخرى.
إن ما يحقق الأمن والسلام والأخوة بين الشعوب هي المصالح المتبادلة والمشتركة، ونشر ودعم الثقافات الإنسانية المبنية على ثقافة التعدد والتنوع في الأفكار، وعلى مبادئ الأخوة والتسامح والعدل والحرية والمساواة، وليست مجرد شعارت براقة بدون أي رصيد ثقافي وأخلاقي وعملي على أرض الواقع ينسجم مع مثل هذه الشعارات الكبرى.
 
ثم أن هذا الشعار قد كشف التاريخ زيفه دائماً. فمنذ عصر الامبرطوريات الكبرى في التاريخ وإلى تأسيس الإتحاد السوفيتي الذي كان يعمل على تحقيق الشعار المذكور تبين زيفه وضلاله وإفتئاته.
فالإتحاد السوفيتي الذي أظهر إستماتته لتحقيق هذا الشعار، وجدناه فجأة ينهار، وتظهر العداوات والخلافات والكراهيات بين شعوبه.
 فشعوب دول الكتلة الشرقية التي كانت (متآخية) مع الشعب الروسي، صارت كلها ودون إستثناء معادية له بدرجة أو بأخرى، فعلى أهون سبب بدأ زيف وبطلان شعار أخوة الشعوب ينكشف، فظهرت العداوة بين الشعب الأوكراني والروسي حتى وصل إلى إراقة الدم بينهما، وإنكشف العداء التاريخي البولوني والروسي مجدداً، وسارعت جميع دول الكتلة الشرقية السابقة إلى الإنضمام إلى حلف الناتو والإتحاد الاوروبي، للإحتماء بالأمريكي والبريطاني والفرنسي من الأخ الروسي المزعوم الذي فرض نفسه بالإرهاب والتهديد والقمع الوحشي.
ثم أين هي هذه الأخوة بين الشعوب السوفياتية؟ لقد أباد ستالين الملايين من هذه الشعوب، وبعثر الملايين الآخرى منهم في إنحاء أمبرطوريته الأخوية. 
ولقد قتل الروس من الشيشان ما يكفي ويزيد لتقديم بوتين وحكومته وأعضاء هيئة أركان عسكره إلى المحاكم الدولية كمجرمين حرب.
 وقتل الآذريون الآرمن وقطعوا رؤوس البعض منهم وحملوها على حراب أسلحتهم متفاخرين، والأرمن كذلك بدورهم قتلوا من الآذر.
 وهناك صراع يكاد ينفجر في أي لحظة بين جمهوريتي تركستان وقرقيزيا بسبب ساقية مياه.
 فأين ذهبت وماذا أنجزت هذه الاخوة التي استمرت 70 عاما بين هذه الشعوب؟ 
حتى الإتحاد الأوروبي المؤسس على دعائم ثقافية مشتركة وإقتصادية إختيارية، اشدد على إختيارية ومدنية متحضرة، جعلته أزمة اليونان الإقتصادية قبل حوالي سنة يهتز ويتعرض لخطر التفكك والإنحلال، وجاءت أزمة اللاجئين مؤخرا وكشفت عن ضعف وهشاشة هذا الإتحاد.
 وهاهي بريطانيا قد تبرأت من هذه الاخوة وغادرت هذا الإتحاد، وربما تلحقها بعض الدول الاخرى لأقل الأسباب. وكثير من أحزاب هذه البلدان تنتظر عاى أحر من الجمر لتصل إلى الحكم وتعود بشعوبها إلى الدولة القومية الكاملة السيادة كما كانت في السابق.
من تخدعون يا أصحاب شعار الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب، الحالمون والسابحون في فضاءات التخيلات الطفولية الساذجة؟
انكم بهذه الشعارات لا تخدعون إلا أنفسكم وقسما كبيرا من شعبكم بالدرجة الاولى. ومن يعادي أخاه ويرفض أخوته، سوف يعجز بالتأكيد أن يصادق ويُآخي غريباً.
لماذا لا تكفّوا عن هذه الترَّهات والشعارات الجوفاء الفارغة أيها المولهون بتخيلات غائرة وعقيمة؟
لماذا لا تعودوا الى أرض الواقع قبل ان تتسبوا في كارثة وشيكة على شعبكم الذي عانى من الكوارث والنكبات ما يكفي ويزيد؟
إن شعاركم حول اخوة الشعوب يُماهي بالكلية الشعار المحمَّدي “إنما المؤمنون أخوة” الذي لم يتحقق يوما إلا بالعنف والإرهاب والذبح وسفك الدماء، وقد أثبت الواقع الراهن والتاريخ زيفه وتضليله، وأنه في الحقيقة شعار:
“إنما المؤمنون أعداء”.
إن شعاركم لا يختلف عن شعار ماركس وانغلز “يا عمال العالم اتحدوا” هذا الشعار الذي انخدعتم به واستوحيتم منه ومن صاحبيه أفكاركم الخزعبلية الطوباوية الهدامة لوحدة الشعب وتماسكه.
أوليس من الأجدى أن تستعيدوا عنه بشعار الواقع والعقل والمنطق والممكن والمفيد لشعبكم الكردي أولاً وهو:
“يا أبناء الأمة الكردية إتحدوا” ففاقد الشيء لا يعطيه.
اتحدوا بالتي هي أحسن، بالمحبة والتفاهم والحوار وبإعمال العقل، وليس برفع الشعارات الوهمية المضللة، أو برفع رايات النجمة الشيوعية الحمراء التي أكل عليها الدهر وشرب، وإنما برفع راية كردستان الواحدة الجامعة لكل الكرد. إتحدوا بالتعاون المشترك وبالنضال المشترك وبالعمل والسعي إلى إيجاد تفاهمات مشتركة وبالأخوة الكردية لمقاومة الظلم والقهر الذي يتعرض شعبكم له. لأن الوحدة القوية لا تقوم  بقوة السلاح والعنف والإرهاب ولا بالنفي والإختطاف وتجنيد القاصرات، ولا بعمليات الإقصاء والتعنت الفكري المموّه وإجراءات الشرخ والتمزيق الذي تمارسونه بحق شعبكم المظلوم.
وكونوا على يقين تام كما أثبت التاريخ بطوله وعرضه الجغرافي وبعمقه الزمني، بأنّ كلُّ شعار أو فكرٍ أو أيديولوجية تُفرض بالعنف أو بالخوف أو بالتهديد هي براديغما مبتورةٌ ومُبتذلةٌ، لأنّها غير قابلٍةٍ للحياةِ دونَ أن تتغذى بإستمرار بالعنف والخوف..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…