مصطفى أوسو
مع اقتراب موعد الدورة الانتخابية الجديدة للمجلس الوطني الكردي، تناول عدد من الكتاب والناشطين الكرد، وبعض المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي أسماء الشخصيات السياسية المتوقع ترشحها لرئاسته، وإجراء المقارنة والمفاضلة بينهم من حيث الكفاءة والقدرة على قيادته في المرحلة القادمة.
رغم أهمية تلك النقاشات وفائدتها الكبيرة، فيما لو تكاملت مع دراسة نقدية شاملة لمختلف جوانب المجلس ومكامن الخلل الذي يعاني منه وواقعه الراهن من حيث عدم القدرة على الفعل والتأثير في جميع المستويات الداخلية والخارجية، إلا أن التركيز هنا على شخص الرئيس دون مناقشة غيرها من القضايا والمشاكل التي يعاني منها المجلس، يعكس بهذا الشكل أو ذاك، ثقافة بعثية شمولية، لا زالت تعشش في فكر الكثيرين منا، أفراداً وكيانات سياسية، حيث يتم اختزال كل شيء فيه، فلا الحزب موجود، ولا المؤسسة موجودة، وحتى الوطن باسمه، وكل ما يجري هو بفضل الرئيس، فهو “الرمز” و”الملهم” و”الضرورة” وهو الذي يحول “النكبات” إلى “إنجازات” و”الهزائم” إلى “انتصارات”، هذا مع العلم أن دور الرئيس في النظام الأساسي للمجلس الوطني الكردي، حسب علمي، لا يتجاوز تنفيذ قراراته وإدارة جلساته واجتماعاته وبعض البروتوكولات الخاصة.
وفي الواقع، فإن أحداً لا يستطيع التنكر للفروقات الشخصية، فهي حالة طبيعية موجودة بين بني البشر، والمجلس الوطني الكردي أحوج ما يكون في هذه المرحلة المصيرية الدقيقة والحساسة، التي تمر بها سوريا عموماً، والوضع الكردي فيها خصوصاً، إلى شخصية قادرة على قيادته بحكمة واقتدار، وترجمة الأهداف والمبادىء، التي جاء من أجلها، وأهمها: العمل على تأطير طاقات الشعب الكردي في سوريا، وتنظيمه وتوحيد خطابه السياسي، في إطار مؤسسة قومية عامة تمثل كافة تياراته السياسية والشبابية وفعالياته الاجتماعية والثقافية والحقوقية، لتأمين حقوقه القومية والوطنية الديمقراطية، وهي غير ممكنة عملياً باعتقادي، دون التصدّي لمختلف جوانب الخلل والنقص الذي يعاني منها ومعالجتها وتصحيحها، لبث الروح والحياة فيه مجدداً وإعادة ثقة جماهيره إليه، وكسب احترام خصومه قبل أصدقائه، ومن أهمها: تفعيل الجانب المؤسساتي فيه، على أساس الكفاءات والمؤهلات، بعيداً عن عقلية المحاصصة الحزبية واعتبار المسؤوليات مكاسب ومغانم، يجب توزيعها حسب النفوذ، وكلنا يعرف حال مكاتب المجلس المفترض أنها تخصصية، وكيف أنها تدار بشكل فردي وارتجالي، بعيدة عن المهنية، وكيف أن المسؤول الحزبي فيه، يصادر العمل السياسي والفكري والثقافي والاجتماعي والحقوقي وحتى الدستوري أيضاً، كبديل عما يفترض أن تقوم به المؤسسة بشكل جماعي ومنظم، والذي هو أساس التطور والنجاح، في أي مجال من مجالات الحياة. وما دمنا نتحدث عن شخصية الرئيس وإنجازاته، لا بد من الإشارة هنا إلى أنه رغم تعاقب خمسة رؤساء على قيادة المجلس منذ تأسيسه وحتى الآن، فإن أحد منهم لم يهتم بتفعيل هذا الجانب الحيوي والهام، والاختلاف الوحيد بينهم كان في جانب البروبوغندا الإعلامية، التي وفرتها الظروف والمستجدات لهذا دون ذاك، وحتى هذا الجانب تم استغلاله لدعايات وأجندات حزبية، وليس لخدمة العمل الجماعي، حيث يبدو أننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن العقل الجمعي. مسألة أخرى مرتبطة إلى حد كبير بسابقتها، وهي الانسحابات المتكررة من المجلس لعدد من الأحزاب المؤسسة له، منذ نشأته وحتى الآن، حيث ساهمت غياب الأسس والمعايير الموضوعية في هيكليته وانتخاب هيئاته ومكاتبه التخصصية، في خلق شعور لدى تلك الأحزاب بوجود ” مؤامرة ” عليه، أو التجاوز عليه وتهميشه، ما أدى بالنتيجة إلى الانسحاب منه، ومع إقرارنا بوجود شي من الاختلاف السياسي بين العديد من أحزاب المجلس، ألا أنها من طبيعة الأطر والتحالفات السياسية، وكان من الممكن احتواء ذلك، بمزيد من مراعاة المصلحة العامة وتجاوز الأنانيات الحزبية الضيقة، وبالتالي لا بد من مراجعة نقدية لهذه المسألة ومناقشتها بجدية وإسهاب ومعالجتها وتلافي أسبابها في المستقبل، والحال ينطبق أيضاً على الانشقاقات المتتالية، التي أصابت العديد من أحزابه، وانشطار الحزب الواحد، إلى طرف موجود في المجلس وآخر خارجه، أو وجود الطرفين معاً فيه وبنفس الاسم، وهو الآخر يحتاج لمناقشة شفافة عن أسبابها ومبرراتها، وتأثيره على مصداقية المجلس وفعاليته.
الارتقاء بالمجلس الوطني الكردي، وتطوير آلياته ووسائله النضالية، يحتاج مراجعة شاملة لمختلف جوانبه، السياسية والتنظيمية، والمؤتمر القادم فرصة مناسبة، لمناقشة ومراجعة مختلف جوانب العمل السابقة، والمشاكل والقضايا العالقة، بشفافية وعقلية نقدية، ووضع الحلول المناسبة لها، يعيد للمجلس بعض من الروح التي فقدها، لخدمة أهداف وتطلعات شعبنا الكردي، وتأمين حقوقه القومية والوطنية الديمقراطية، في سوريا ديمقراطية تعددية اتحادية.