اكرم حسين
كلما دق الكوز بالجرة ، ترتفع وتيرة الاصوات المناوئة لحزب الاتحاد الديمقراطي بعدم قدرة القوات الكردية على حماية المنطقة ، وتحميلها المسؤولية الاساسية عن هذه التفجيرات ، لا بل ضلوعها فيها ، وتطالب بدخول بيشمركة “روج” للمشاركة في تحقيق الامن والاستقرار، واذا كان من حق بشمركة “روج ” الدخول ، لانهم كرد سوريون اولا، بعضهم انشق عن قوات النظام وبعضهم هرب خوفا من الالتحاق بالخدمة الالزامية ، ومن حقهم الاسهام في الدفاع عن كردستان سوريا ثانيا ، في ظل الفرصة التاريخية التي اتاحتها الثورة السورية للكرد ، الا ان تكرار الحديث عند كل استهداف او تفجير انتحاري ، يحمل وراء الأكمة ما ورائها ،
مما يستحضر رفض PYD)) لدخول هذه القوات الا اذا كانت جزءا عسكريا من قواته ، ويصاحب هذا الرفض شحنة من الضجيج التعبوي والخطاب الشعبوي التبريري ، ومع جملة من الممارسات التي تحاول التأكيد على حضور “الادارة الذاتية “وصلابتها ، وهي اجراءات يدفع ثمنها المواطن الكردي الذي لا يتلقى جوابا عن تساؤلاته المشروعة ، عن كيفية ادارة الصراع بين هذه القوات وقوى الارهاب والنظام بأفضل واقوم ما يمكن !! كسلطة “مسؤولة ” عن أمن وأمان المواطن وتأمين احتياجاته اليومية ، فالأمة الكردية تتمتع بخصائص الانفتاح والتنوع واحترم الاخر والتعايش معه على قدم المساواة ، بسبب موقعها الاستراتيجي وتكونها القومي التاريخي وتراثها الحضاري ، ومساهمتها الغنية في التراث الانساني ، وانفتاحها على كل مصادر ومنابع الثقافات العالمية ، وترتبط مع جميع شعوب المنطقة بالإخاء والمحبة وحسن الجوار بعيدا عن كل اشكال الهيمنة والاقصاء والاستعباد والعنف ، وعن كل اشكال الايديولوجيا الدينية او العقائدية التي تتخذها هذه الشعوب ، لذلك لا يشغل بال الكرد السوريين اليوم ، أي تصنيف من قبل بعض الدول الاقليمية أو المعارضة السورية لأولئك المقاتلين الكرد الذين تصدوا لحماية المنطقة الكردية وسطروا ملاحم البطولة والفداء التي سيتذكرها التاريخ، في كوباني وكري سبي وجلولاء ومخمور وشنكال و….، بعد سنوات من الانكار والاقصاء والتهميش عندما كان العالم يتفرج على ولائم الدم الكردي من قبل نظامي البعث في كل من سوريا والعراق، في حلبجة و قامشلو
لا نأتي بجديد حين نتحدث عن ارهاب داعش ، فتاريخه حافل بالدم والارهاب ، ولا يمكن أن يتخلى عن أحقاده لأنها جزء من تكوينه العقائدي , وما جرى في قامشلو يوم 27/7 ما هو الا استمرار للعدوان على كل ما هو إنساني ونبيل، حيث استشهد أكثر من خمسين شهيد ومئات الجرحى ، كان بينهم اطفال ونساء ، مهندسون واطباء ،اضافة الى ما وقع من أضرار مادية ومعنوية .
فالهجمات الارتدادية على قامشلو وعلى غيرها من المناطق ، ما هي الا وسيلة لوقف زحف القوات الكردية ، ومنعها من التقدم ، وزعزعة الامن والاستقرار، وضرب الحاضنة الشعبية لهذه القوات ، ودفع الشباب الكردي للفرار، لكن يبدو بان القوات الكردية مستعدة لكل التطورات الميدانية ، وهي تدرك تماماً أهمية منبج بالنسبة لداعش ، وتعتقد أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، ومواصلة المعركة، ولديها الآن الكثير من المقومات النفسية واللوجستية التي سوف تمكنها من إحراز تقدم حقيقي، فبعد منبج ستصبح جبهات اخرى في متناول اليد، لكن الانقسامات الكردية والتوترات السياسية والأيديولوجية هي جزء من عوامل الضعف والفشل التي تواجهها هذه القوات ، والتي تعمقت بعد الحدث السوري في اذار 2011 حيث توزع الكرد بين محورين إقليميين رئيسين ، وتفاقم الانقسام لينعكس على علاقاتهما الكردية ، مع عدم ايلاء الاهمية للجمهور، لصالح الفاعلية العسكرية التي دفعت الى التغاضي عن القمع والفساد والتضييق على الحريات ، تحت عناوين مواجهة الارهاب وابعاده عن المنطقة ،ووجوب التنازل عن كل شيء من اجل دعم هذه القوات ، وبذلك فتحت ثغرة أدت الى تقويض واضعاف هذه القوات من دون أي انتباه، عبر عدم تمكن “السلطة الكردية ” في بناء نموذج بديل ذو جاذبية سياسية ومؤسسات ادارية شفافة، تكون بخدمة المواطن وتدير شؤونه، لأنها استعادت ما كانت تمارسه دولة البعث بحق مواطنيها من عسف واستبداد وبيروقراطية ، مما استولد شعوراً لدى البعض بأن الجديد لا يختلف عن القديم الا بالشكل..!!. واصبحت العديد من المنظمات والتيارات التي كانت تتاجر بالشعارات القومية الكردية ، تعمل لصالح بعض الاجندات الاقليمية وتحارب التيارات القومية الحقيقية ، بالتحريض على الكراهية وتأجيج الصراعات واثارة النزاعات والترويج للحقبة الماضية ؟ وما بين المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي ، عانى الكرد الكثير من الخلافات والفرقة والتحزب والتعصب والحروب الوهمية التي لم يستفد منها الا النظام واعداء الشعب الكردي .
ان الانفجار وبالشكل الذي حصل من استهداف للمدنيين ، هو رسالة واضحة الى جميع القوى والاحزاب والتيارات الكردية بان الارهاب لا يستثني احدا ويستهدف الجميع، لذلك على حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي الجلوس الى طاولة حوار واحدة، والبحث عن اليات او اتفاقات جديدة للعمل الكردي المشترك ، لعبور المرحلة، وتحقيق طموحات الشعب الكردي ، والمساهمة في عملية التحول الديمقراطي التي تشهدها سوريا .كما أن هناك ثلاث مهمات رئيسية تواجه “الادارة الذاتية” في الوقت الراهن، الاولى :ترتيب البيت الداخلي الكردي
بإقناع الاطراف الكردية والمكونات الاخرى بالمشاركة في هذه الادارة، تمهيدا لإجراء انتخابات شفافة، بما يعزز الشراكة والمواطنة والديمقراطية وسيادة القانون وفصل السلطات ، والثانية: معالجة الوضع الاقتصادي والبطالة والغلاء وارتفاع الاسعار وفقدان المواد الأساسية نتيجة الاوضاع الحالية، والثالثة: معالجة ملف الارهاب وتفجيراته في المنطقة الكردية من قبل المجموعات المتطرفة، وانعكاساته في زعزعة امن المنطقة واستقرارها، وعلى الاقتصاد والعباد.
يضاف الى كل ذك فتح تحقيق شفاف، بمتناول الاعلام حول هذه المجزرة وغيرها من الحوادث التي حصلت سابقا، في كامل المنطقة الواقعة تحت سيطرتها، وضرورة اخراج المقرات الامنية والعسكرية خارج حدود المدن والبلدات والمجمعات السكنية لحماية ارواح المدنيين وممتلكاتهم .
نشرت في صحيفة بوير برس العدد (49) تاريخ 15-8-216