الخارج السلبي والداخل المأزوم

صلاح بدرالدين
  لم يعد خافيا التبدلات الحاصلة في المعادلة السورية بتكامل قواعد وأسس ( الصراع في سوريا مع الصراع عليها ) مع غلبة الأخير على المشهد الراهن وبعبارة أوضح اطالة أمد عملية الثورة على نظام الاستبداد بغية اسقاطه واجراء التغيير الديموقراطي وصولا الى سوريا الجديدة المنشودة لأسباب ذاتية تتعلق بغياب القيادة الثورية المركزية وتشتت صفوف الجيش الحر وتراجع الحراك الوطني العام الذي كان الشباب محركه الأساسي وتسلق أدوات الثورة المضادة باسم المعارضة وفي مقدمتها جماعات الاسلام السياسي وموضوعية بخذلان الثورة السورية من جانب ( أصدقائها ) المفترضين وجلب النظام لجيوش الروس والايرانيين وميليشيات المذهبية السياسية الى جانب ارهابيي ( داعش والقاعدة )  ليدنسوا السيادة الوطنية ويبيدوا الشعب ويدمروا البلاد ويغيروا تركيبتها الديموغرافية الاجتماعية . 
 وبعيداعن أي تفسير – تآمري – للأحداث السورية نقول أن كل الارادات المعادية للشعب السوري وطموحاته المشروعة في التحرر والخلاص بدءا من النظام المستبد وانتهاء بميليشيات ومرتزقة حزب الله وباقي الطائفيين مرورا بغزاة طغمة – بوتين – المافيوية الحاكمة بموسكو وجلاوزة ولاية الفقيه العنصرية المذهبية المتسلطة على مقدرات ايران مضافا الى هؤلاء الأعداء مكر وغدر وتردد ( الأصدقاءوالأشقاء ) المفترضين كانوا اما بالمرصاد لأي تقدم للثورة السورية ناهيك عن انتصارها أو غير مبالين لطموحات السوريين أو اخترقوا صفوف الثوار واختلقوا معارضات على مقاسهم سقفهم الأعلى الحوار والتفاهم مع النظام والتسليم بمؤسساته .
  شيئا فشيئا تتوجه الأنظار نحو الخارج ولم يعد الداخل ( معارضة ونظاما ) ضمن الحسابات دشن الأمريكان هذه الانعطافة الحادة عندما مدوا يدالتوافق لاقتسام قرار تقرير مصير سوريا مع شركائهم الروس من دون أن يتجاهلوا الحصة الايرانية من خلال الاتفاق النووي ولم يمر وقت طويل حتى أصبحت روسيا – بوتين – الدولة المنتدبة الأوحد لسوريا أو المحتلة أو المستعمرة خاصة بعد اجتياحها العسكري واقامة القواعد وتشييد المطارات الى جانب تنصيب لجان وهيئات سياسية – مخابراتية تقوم مقام – الحاكم والمندوب السامي – لادارة العمل السياسي وتفكيك صفوف الثورة وتسمية من هو معارض ومن هو ارهابي .
  يتجلى مشهد – الصراع على سوريا – بصورة فاقعة في جملة من التطورات والأحداث الأخيرة بدأت بمايشبه فك الارتباط الأمريكي مع ( الائتلاف ) كما ظهر من مجريات اللقاء الأخير بين الطرفين والاكتفاء بالحرب على – داعش – كأولوية وحيدة وحدوث سلسلة ” المصالحات ”  التركية – الروسية وقبلها التركية – الاسرائيلية استكملت باللقاء الدافيء التركي – الايراني وتشير الدلائل أن الملف السوري لم يتصدر القضايا الأخرى بين الأطراف المتحاورة فحسب بل شكل مادة رئيسية انطلقت منها التوافقات وبعبارة أخرى – الصفقات – التي لن تصب لصالح أهداف الثورة السورية ولن تحقق الحد الأدنى من مطامح السوريين بل تكرس مسار تبعية المصير السوري للخارج الاقليمي والدولي بمعزل عن أي دور عربي رسمي الذي يظهر وكأن الأمر لايعنيه من قريب أو بعيد .
  حتى معركة حلب التي لايمكننا الا الاعتزاز بجهود أولئك المقاتلين الذين أداروها لكسر حصار جيش النظام ومرتزقته وسائر الميليشيات المذهبية عن المدينة ونترحم على أولئك الشهداء الأبرار كانت ملحقا أو مكملا للأحداث الخارجية وللتحرك التركي في – مصالحاته – وليس محركا أو منطلقا لها بل مادة للوصول الى نوع من توازن المصالح خاصة بعد فشل الانقلاب العسكري الذي تردد بوجود صلة سورية – ايرانية غير معلنة به عبر ضباط من العلويين الأتراك وبعض أوساط – ب ك ك – الموالية للمحور الايراني السوري اضافة طبعا الى جماعة – غولن – .
 بموازاة رجحان كفة معادلة ( الصراع على سوريا ) اقليميا ودوليا وميلانها لمصلحة الطرف الروسي وتراجع الدور الايراني فان الأخير وبحسب الطبيعة الباطنية لنظامه الحاكم لن يتخلى بسهولة عن قنواته وأدواته السورية الداخلية بمافي ذلك مؤسسات النظام وتشير القرائن الى تصعيد في اللهجة الايرانية ليس تجاه الحالة السورية فحسب بل بخصوص سياسة النظام العراقية واليمنية واللبنانية والموقف تجاه كردستان العراق خصوصا عشية معارك تحرير الموصل وينعكس ذلك التشديد على جميع حلفائه وأدواته بالمنطقة .  
  وبحسب المعلومات الواردة المستقاة من اجتماعات قيادة – ب ك ك – في قنديل ( التي تقود تنظيماتها وفروعها في العراق وايران وسوريا اضافة الى تركيا ) حيث تم الابقاء على القيادة السابقة التي تورطت في الكثير القضايا فان التصعيد ظل سيد الموقف ضد المؤسسات الشرعية في اقليم كردستان العراق والانغماس أكثر في الشؤون الداخلية للاقليم والدخول طرفا في خلافاته السياسية الى درجة بناء التحالفات مع مراكز القوى المذهبية في بغداد المعادية لمصالح شعب الاقليم والمضي في السياسة الخاطئة المدمرة المتبعة من جانب – ب ي د – في سوريا تجاه الكرد والثورة والقوى الوطنية والتحضير لجولات عنف جديدة في تركيا لن تنتج عنها سوى الدمار .
 مازلنا نرى أن اعادة التوازن الى الاختلال الحاصل واعادة تكريس معادلة ( الصراع في سوريا ) على قاعدة مبادىء وأهداف الثورة السورية وانقاذ الملف السوري كقضية وطنية ديموقراطية من خطط ومشاريع القوى المتصارعة على النفوذ بمنطقتنا والتمهيد لخلق أرضية مناسبة لحوار الشركاء بالداخل السوري لن يتم الا بانعقاد المؤتمر الوطني السوري الجامع لكل المكونات والأطياف والتيارات السياسية الوطنية لاجراء المراجعة الشاملة والمكاشفة وصياغة البرنامج السياسي وصولا الى انتخاب مجلس سياسي – عسكري لمواجهة تحديات المرحلة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…