ماجد ع محمد
“مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ”
علي بن أبي طالب
من غير المستبعد لو أننا من باب التحري قمنا بإجراء استبيانٍ ما وطالبنا فيها كل نفرٍ سوري معارض أو حتى رمادي أو مؤيد بأن يُعرِّف كنه النظام السوري في كلمة واحدة تحمل في طياتها كل المقابح التي يتضمنها عادةً كل مقابح الأنطمة الجائرة، لأجمعَ أغلبهم بلا تردد على أن كلمة الشمولية هي خير ما يعبر عن طبيعة النظام السوري الاستبداديه والديكتاتورية.
ولكن الملاحظ في هذا البلد بأنه بالرغم من مرور خمس سنوات على اشتعال الثورة التي قامت بادئ ذي بدء ضد نظامها الشمولي إلا أن شجرة الاستبداد سرعان ما تفرعت عنها نماذج مماثلة في الفكر والممارسات، وغدت شجرة البعث كشجيرة السماق التي ما أن تقوم بانتزاع واحدة منها حتى ينبت مكانها أو حولها العشرات من الشجيرات الصغار، والنظام البعثي كذلك فحتى قبل انهياره الكامل فرّخ على غراره العديد من الشموليات المماثلة، فمنها مثلا ما صرح به ياسر عبدالرحيم القائد العسكري في غرفة عمليات حلب من خلال وعيده وتهديده لوحدات الحماية الشعبية في حلب والتي تشمل ضمنياً كل الكرد وليس الجهة المذكورة وحدها، وهو التصرف الذي ذكّرنا بشمولية الجيش التركي مع ملف الكرد، ولكن قبل ذلك الجانب سأعرج إلى مثال اجتماعي هو قريب أيضاً من حالة المهدَّد، وذلك ما كان يقوم به بعض النماذج المتخلفة في منطقتنا من خلال تصرفهم الأخرق كل فترة وعقب كل ملاسنة أو مشاجرة أو نزاعٍ مع العوائل الأخرى في المنطقة، حيث كان رجال تلك العائلة في كل إشكاليةٍ مع الجيران الذين ليس من السهولة مجابهتهم يذهبون بغيظهم الى أضعف حلقة من العائلة وأصغر نفرٍ فيها ليفرغوا جام حقدهم وغضبهم عليه.
كما أن الملفت للنظر هو أن تصريحات عبدالرحيم تزامنت مع المضمون الذي خرج به عدة فصائل من الجيش الحر المتمركزة في اعزاز وريفها، وذلك في اجتماعهم مؤخراً الذي جرى في أحد مقراتهم في باب السلامة بأعزاز والذي كان مضمونه استعادة القرى العربية التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية المتمثلة بالقوات الكردية حسب قولهم.
فالاصرارعلى تنسيب قوات سوريا الديمقراطية للكرد من قبل تلك الفصائل وما ما وراء خطاب السيد عبدالرحيم لا يفُهم منه غير أن ثمة نظرة شمولية للكرد لدى مجموع تلك الأطراف العسكرية والتي لا تختلف البتة عن نظرة البعث السابقة للكرد، وأن الرجل أي قائد غرفة عمليات حلب، إما أنه خاضع للشروط والاملاءات التي تفرضها عليه مصادر التمويل الحربي، بحيث أنها هي التي توجهه بذلك الاتجاه أي بمعاداة الكرد، وإما أن أيديولوجية الرجل والأفكار التي يؤمن بها هي التي تحضه ضمنياً على النيل من كل كردي لا على التعيين بذريعة وحدات الحماية الشعبية، وهو بالمناسبة الاسلوب ذاته الذي لجأ إليه كما أشرنا أعلاه الجيش التركي منذ أكثر من عقدين من الزمان مع الكرد في المناطق الكردية بتركيا، إذ بذريعة حزب العمال الكردستاني وأنشطته قُتل المئات واعتقل االمئات وشُردت آلاف العائلات ودُمرت العشرات من القرى وكذلك بعض المدن الكردية في جنوب شرق تركيا.
ولكن وحتى في حال إذا لم نكن منصفين في استنتاج المستبطن من تصريحات المذكور، وكانت بالتالي قراءتنا غير صحيحة لما استشففناه مما كان مخفياً من خطاب السيد عبد الرحيم، فلماذا إذاَ لم يذكر الرجل أي مكون أو جهة اخرى غير الكرد، ومعروف أن قوات سوريا الديمقراطية حسب ما جاء في حوارٍ مع الناطق الرسمي باسم تلك القوات أي العقيد طلال سلو في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 25/11/2015 يقول فيها بأن القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية هي مؤلفة من تسعة أعضاء تم توزيعهم كالتالي: “عضوان لجيش الثوار، عضوان لوحدات الحماية الشعبية، عضو لوحدات حماية المرأة، عضو للمجلس العسكري السرياني، عضو لقوات الصناديد، وعضوان لغرفة عمليات بركان الفرات” هذا فيما يتعلق بالتشكيلة الاثنية لقوات سوريا الديمقراطية.
أما فيما يتعلق بالناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية أي العقيد طلال سلو نفسه من جهة الانتماء العرقي والنسبي فهو كما هو معروف وقبل أن يصبح ناطقاً باسم ذلك التحالف المكون من العرب والكرد والسريان، كان قائد لواء السلاجقة وهو فصيل تركماني صرف من الجيش الحر المتواجد في ريف حلب وتحديداً في قرية الراعي وما حولها، ولكن مع ذلك وفي كل حملة تخوينية أو تهديدية لقوات سوريا الديمقراطية لا يتم ذكر التركمان ولا العرب ولا السريان فيها، إنما فقط يتم الحشد الاعلامي وتهيئة الشارع السوري ضد الكرد وذلك ليس فقط من قبل العسكر إنما أقبح تلك الحملات عادة ما تكون من قبل نشطاء الثورة المقيمين في دول الجوار السوري.
ثم وفرضاً إذا ما كان على الكرد دفع ثمن بقائهم حتى الآن في مناطق نفوذ وحدات الحماية الشعبية، فهل هذا يعني بأن كل عربي في مناطق سيطرة النظام البعثي عليه أن يكون مشروع انتقام لدى تلك الفصائل، باعتبار أن اولئك المواطنين لا يزالون يعيشون في منطقة نفوذ النظام في كل من حلب ودمشق وحماة والسويداء ووو الخ، أم أن المكاييل التي يعتمدون إليها تستثني التركماني والسرياني والعربي والأرمني وتكتفي فقط بمعاقبة الكائن الكردي المكروه ضمنياً أو سلفاً من قبل كل تلك الجماعات؟
وفي الختام وبناءً على ما ورد أعلاه نقول: بعد مضي سنوات على الثورة السورية، وبعد كل هذا القتل والتشريد والخراب والدمار فمتى يا ترى سيستطيع الشعب السوري أو من يدّعون تمثيله في المحافل التفريق بين العسكري والمدني، بين المذنب والجاني، بين الانسان كمواطن له حقوق وواجبات، والانسان كشخص حر ومستقل بأفكاره وله حرية الايمان حتى ولو كان يدين بدين الحمير؟ طالما أن ذلك الحمار لا يشكل أي خطرٍ على حياة البشر من حوله، ومع كل ذلك فتبقى المصيبة الأعظم التي تمر بها سوريا هي ليست مقتصرة فقط على تخلف ورجعية الكثير ممن يحمل السلاح، إنما هي تمتد الى مَن يدّعون بأنهم من أهل الفكر والثقافة حتى وهم خارج سوريا ويتخذون من البلدان الديمقراطية مأوىً ومرتعاً لعيشهم كلاجئين، ومثالنا على ذلك ما أورده رئيس المركز التعليمي لحقوق الإنسان في ألمانيا علي عيسو على لسان زميلته زمزم القائلة: “بأن ثمة جماعة تواصلوا معي رغبة منهم في تأسيس منظمة حقوقية إنسانية لمساعدة اللاجئين في ألمانيا وبرواتب مأجورة، فقبلتُ دعوتهم وحضرت اجتماعاً لهم، ولكنهم سرعان ما أخبروني بأن فلانة من الناس قالت بأنك أبوجية أي حاملة أفكار حزب العمال الكردستاني، وبناءً على كلام تلك الواشية لا يرغبون بعملي معهم”، فتصوروا يرعاكم الله! فإذا كان العاملون في المنظمات الحقوقية اقصائيين وشلليين ومؤدلجين وذوو أفكارٍ شمولية، فماذا نتوقع من كل أمير حربٍ أو طائشٍ يحمل السلاح وغدا كل واحدٍ منهم أشبه بإلهٍ في بقعةٍ ما من جغرافية سوريا!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العقل والتفكير الشمولي: يقول الكاتب خلدون الشامي بأن الشموليون مجبولون على القمع، والعسكره واحتكار الحقيقة، وأن العقل الشمولي كان وسيبقى مشغولا ببقائه، تمجيد ذاته، ادعاء جدارته وانتصاره، وتآمر الكون عليه، وهو لا يقصد بالحرية إلا استبدالها بشمولية بأخرى، وتخوين الآخر، والشموليون أعجز من أن يقروا بحرية الآخر عدا عن حرية مُريديهم، والعقل والفكر الشمولي لا يقدم سوى الاستبداد، الاستبداد يوطن للشمولية وينفي البقية!.
شيء آخر عن الشمولية: فالشمولية أو الكُليَّانية هي طريقة حكم ونظام سياسي يمسك فيه حزب واحد بكامل السلطة، ولا يسمح بأية معارضة فارضاً جمع المواطنين وتكتيلهم في كتلة واحدة، إذن فإن الشمولية أو نظام المجتمع المغلق هو مصطلح يشير إلى نظام سياسي تكون فيه الدولة تحت سلطة فرد أو فئة أو فصيل واحد ودون أن تعرف الدولة حدوداً لسلطاتها وأن تسعى بكل جد لتنظيم كل مظاهر الحياة العامة والخاصة ما أمكنها ذلك.
والأنظمه الشمولية: هي الانظمه الديكتاتورية، والحُكم الشُّموليّ: هو الحكم الدكتاتوريّ الذي يكون نظام الحكم الفعلي فيها بيد الحاكم، سواء كان نظام الحكم ملكي أو جمهوري، ويكون فى النظام الديكتاتوري الحاكم هو الذي يحكم بشكل مطلق تقريبا مع وجود مجموعه حواليه سواء أكانو رسميين أو مستشارين للحاكم، بالرغم من الانظمه الديكتاتوريه غير مرتبطه بنظام اداره معين إلا أنها فى الغالب تكون مرتبطه بنظم الحكم الشموليه، والتي بسيطر على الحكم فيها نظام الحزب الواحد، و لا يكون فيها نظام الاحزاب والتعدديه الحزبيه ، إلا أن ذلك لا يمنع وجود نظام ديكتاتورى فى دولة أو دول فيها تعددية حزبية صورية كسورية التي فيها مجموعة أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الدائرة في فلك الدكتاتور والتي تشرعن كل قراراته.