التقرير السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا عن شهر تموز 2016

لا يخفى على أحد واقع الصراعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط بسبب طبيعتها الاجتماعية والسياسية وسيطرة عقلية الاستبداد والدكتاتورية على مقاليد سلطاتها ردحا من الزمن فضلا عن تعقيداتها المركبة من قومية ودينية ومذهبية وتشعب الانتماءات السياسية بين الديمقراطية والليبرالية والراديكالية والعلمانية والإسلامية المتنوعة المعتدلة والمتطرفة بأشكالها المختلفة ولاسيما الإرهاب الأصولي والمتزمت ، هذا إلى جانب الأزمة السورية المتفاقمة التي تتجاذبها معظم تلك الأطراف ..
من هنا يبدو أن المنطقة على أعتاب تحولات دراماتيكية جديدة نتيجة توسع رقعة تلك الصراعات وبروز بوادر المخاض بين الأنظمة والشعوب وبينها وبين العسكر في بعض دول المنطقة ، فالأزمة العراقية متعددة الأوجه ولو أنها مترابطة بين الكتل والتيارات السياسية والصراع ألتناحري مع داعش والحشد الشعبي يزداد حدة وضراوة مما يؤكد على الدور السلبي لتدخلات الدول الأخرى وفي المقدمة منها إيران التي تشهد هي الأخرى حالة لا تحسد عليها فالقلاقل تعم إيران مع الصراع المستمر بين المحافظين والإصلاحيين داخل النظام الحاكم ومع النهوض الواسع للمعارضة بشقيها السياسي والعسكري فضلا عن تصعيد نضال وكفاح الشعوب الرازحة تحت نير سلطتها من الكرد والعرب والآذريين والبلوش والتركمان وغيرهم ، هذا إلى جانب تراجع دورها الدولي وظهور الملف النووي من جديد ..
وتركيا هي الأخرى ستستمر فيها القلاقل ويعمها عدم الاستقرار نتيجة تراجع الخط البياني للحياة السياسية والاقتصادية عموما وما محاولة الانقلاب العسكري الأخير إلا نتيجة طبيعية لتلك الحالة ولهيمنة العقلية الدينية الإسلاموية على مقدرات البلاد ومؤسسات الدولة الأمر الذي أثار الحذر من مغبة تلك السياسة ، ولأن العسكر حاول الانقلاب فقد جوبه بالرفض من لدن الأوساط السياسية الموضوعية في الداخل وفي الخارج ولاسيما أمريكا وأوربا والدول العظمى الأخرى ، كما أن تلك المحاولة قد رسمت سمة التخلف على تركيا عن ركب اللحاق بالاتحاد الأوربي ، لأن تحرك العسكر من طبيعة المجتمعات النامية أو المتخلفة وليس طبيعة الدول الأوربية المتقدمة المنضوية في الاتحاد الأوربي ، وسيبقى بالتأكيد استقرار تركيا وهدوئها رهن أمرين أساسيين الأول إعادة النظر في مجمل السياسة المتبعة للحزب الحاكم ( عدالة وتنمية ) والثاني حل القضية الكردية في البلاد بما يضمن حق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه ، لكن هيهات طالما هناك دلائل تشير إلى المزيد من التراجع وخصوصا تلويح أردغان بإعادة قانون الإعدام في حال موافقة البرلمان الأمر الذي يثير المزيد من القلق بين الأوساط السياسية المتقدمة ، وعلى العموم فإن واقع تركيا المزري وتداعيات محاولة الانقلاب العسكري بمجملها تعد رسالة بليغة للنظام التركي ودرسا واضحا يحمل العديد من المعاني والدلالات .
وفي جانب الحل السياسي للأزمة السورية فلا تزال المساعي والجهود متواصلة رغم تعثرها المتزايد واستمرار حالة الحرب المدمرة والانتهاكات المتواصلة لكل قرارات المجتمع الدولي بهذا الخصوص ، لكن من الملاحظ أن دبلوماسية الدول العظمى وخصوصا أمريكا وروسيا تسعى بدأب من أجل التوصل إلى نتائج عملية ، وما الاتفاق العسكري الأخير بينهما ضد داعش والقوى الإرهابية و الظلامية الأخرى إلا حلقة أساسية في هذا الاتجاه ، ذلك تزامنا مع ترتيبات أولية لتنفيذ عملية الحكم الانتقالي وقد يكون الأساس في ذلك مشروع الدستور المعد لسوريا المستقبل من قبل روسيا الاتحادية وعلى ما يبدو بالتوافق والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية  والنظام السوري والأطراف المعنية الأخرى .
وعلى الصعيد القومي الكردي ، يبدو أن هناك بوادر إيجابية عبر تصريحات بعض مسئولي حركة التغيير ( كوران ) والاتحاد الوطني الكردستاني ، ربما تكّون أرضية مناسبة لتفاهمات بين القوى الكردستانية الرئيسية نحو القبول بالاستفتاء الشعبي لإعلان الدولة الكردية المستقلة المنشودة بعد تغيير رئيس البرلمان واتخاذ الإجراءات الأخرى اللازمة في هذا الصدد ، لأن الكل معني بدور أصدقاء الكرد في هذا الصدد ومعني أيضا بمستقبل كردستان على حد زعمهم ، بعد أن تأكد للجميع أن من يعادي أو يخرج عن المشروع القومي الكردستاني الذي يقوده المناضل مسعود البارزاني إنما يتخلف عن الركب ولن يتمكن قط من عرقلة ذاك المشروع ، خصوصا بعد توقيع الاتفاقية العسكرية بين قيادة الإقليم والولايات المتحدة الأمريكية ، وتأكيد الأصدقاء على الاعتراف بالدولة الكردية حال إعلانها ، وضمان كردستان مجالا آمنا في المنطقة. 
وفيما يتعلق بالمجلس الوطني الكردي في سوريا ونشاطاته وعلاقاته السياسية لابد من التطرق إلى قضايا أساسية منها نشاطاته الخاصة ولقاءات لجنة العلاقات الخارجية للمجلس مع مسئولي العديد من الدول وفي المقدمة منها مسئولين من مستويات رفيعة في روسيا الاتحادية وما سادها من تقريب وجهات النظر نحو التفاهم حول سبل حل الأزمة السورية وفق وثيقة جنيف1 والقرارات الدولية في هذا الشأن على طريق رسم مستقبل سوريا والتأكيد على دور الشعب الكردي وضمان حقوقه القومية وفق العهود والمواثيق الدولية ، وكذلك لقاء ممثلي المجلس في سويسرا ومناقشة القضايا والأسس السياسية لصياغة المسائل الدستورية لسوريا المستقبل كدولة اتحادية برلمانية وخصوصا ما يتعلق منها بكردستان سوريا ، وعن المجلس وعلاقته مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ، كان المجلس وعند انضمامه إليه على دراية تامة بتركيبة الائتلاف ومكوناته المختلفة بين قومي وإسلامي وشيوعي وراديكالي وديمقراطي وليبرالي ..الخ ، بمعنى تركيبة الائتلاف غير متجانسة ولا تشكل وحدة سياسية بل الائتلاف عبارة عن تحالف سياسي توافقي تلتقي أطرافه على برنامج الحد الأدنى على أنه إطار يشمل أوسع أطراف المعارضة الوطنية ، وعليه فمن الطبيعي أن تكون هناك قضايا الخلاف والاختلاف على هذه المسألة أو تلك لاسيما وأن هناك أفراد وشخصيات لم تتحرر بعد من رواسب العقليات الشوفينية المشوبة بالعنصرية ضد القوميات الأخرى وخاصة الكردية ، فالتصريحات الأخيرة للبعض ، وتشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة دون استشارة ممثلي المجلس الكردي وغيرها من السلوكيات المريبة ، كل هذا لا يدفع المجلس نحو الانسحاب من الائتلاف بل يزيده إصرارا للمضي فيه على قاعدة العمل ضد السلبيات والاتجاهات السلبية ودعم التوجهات الإيجابية التي هي الغالبة وتعزيزها ..
وفي سياق آخر ، ولأن المجلس يمضي في نشاطاته وأعماله عبر المحافل واللقاءات الدولية ولا يبالي بالمواقف المخالفة و بالصوت النشاز ويسير بخطى ثابتة دون كلل والخط البياني لتحركه السياسي في تصاعد مستمر ، فإن قادته وقادة الأحزاب المنضوية فيه يتعرضون باستمرار للمضايقة والاعتقال من لدن حزب الاتحاد الديمقراطي ( p.y.d ) وسلطاته ليزج بهم في المحتجزات والزنازين ، كل ذلك نابع عن ضعف هذا الاتجاه وقلقه من مستقبل سوريا ويخشى ألا تكون القادم من الأيام في مصلحته ولصالح نهجه ، و أن المجلس الوطني الكردي هو من يتقدم يوما بعد آخر ليحتل موقعه الطبيعي المناسب في المجتمع الدولي والإقليمي والكردستاني ، وفي ذات السياق ، وبينما كان تقريرنا هذا ماثل للصياغة النهائية تفاجأ الشعب الكردي يوم 27 / 7 / 2016  بنبأ التفجيرين المروعين الذين قل نظيرهما في تاريخ الأزمة السورية واللذان استهدفا الشعب الكردي في الحي الغربي من مدينة قامشلو وأسفرا عن عشرات الشهداء وأضعاف مضاعفة من الجرحى والمصابين فضلا عن الدمار الهائل في المنازل والمباني والمحال التجارية ، تفجيرين بأقسى أنواع الوحشية التي تنم عن حقد وكراهية لهذا الشعب الآمن ودلالة واضحة عن عمق المؤامرة التصفوية ضد هذا الشعب دون تمييز بين رجل وامرأة وبين الطفل والشيخ ..الخ ، والتي تقتضي مناشدة المجتمع الدولي للتحقيق في خيوط هذه الجريمة النكراء والأطراف المشاركة فيها تلك التي تقشعر لها الأبدان ويندى لها جبين الإنسانية ولتظل وسمة عار في جباه قوى الإرهاب والقوى الظلامية الأخرى .
30 / 7 / 2016 
المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…