الايرانيون وتفضيل المشنقة على الجنس

ماجد ع محمد
 
بما أن الشيء بالشيء يذكر لذا فالتسجيل المسرب من قِبل شهرام أحمدي والذي يعلن فيه قبيل إعدامه بأن القاضي أبلغه بأنه يحاكم بثلاث تهم: أولاً لأنه كردي، وثانيا لأنه سني، وثالثا لأنه يعمل ضد النظام، يذكرنا على الفور بوصية قاضي محمد الأخيرة، وحسب التسجيل العائد لشهرام أحمدي أنه لم يسمح له بالدفاع عن نفسه أو توكيل محام، وأن القاضي كان يهين المقدسات طوال فترة المحاكمة، وهو ليس بأمر غريب على النظام الايراني الذي قرأنا يوماً عن تفاصيل قذارة تعامل أمنه فيها مع سجناء الرأي من خلال مذكرات المعارضة الايرانية هنكامة حاج حسن، وبالتوازي معها فقد تحدث مئات المعتقلين السوريين عن وضاعة الأمن الأسدي في التعامل مع السجناء، ومعروف أن الأمن السوري ونظامه النتن ليسوا أكثر من تلاميذ صغار لدى حاخامات نظام الملالي.
عموماً فما باح به شهرام أحمدي حيال زناخة نظام الملالي دعانا الى مراجعة الوصية الأخيرة لقاضي محمد والتي ترجمها عن الكردية محسن جوامیر حيث يقول فيها: “لا يخدعنكم العدو، فعدو الكورد عدو أيا كان لونه وجماعته وقومه، لا شفقة له ولا ضمير، ولا يرحمكم، ويوقع بينكم الفتنة والتقاتل، ويثير بينكم الأطماع، وعن طريق الخدعة والأكاذيب، يُحرضُ بعضَكمْ ضد بعض”، وما جاء في وصية قاضي محمد يفيد ربما قوله مجدداً للمحور الكردي الموالي لطهران حيث يتابع محمد في الوصية: “بأن العجم هم أعدى أعدائكم، فهم أكثر ظلما وألعن وأكثر فسقا وأقل رحمة من الجميع، لا يتورعون عن إقتراف أي جريمة بحق الشعب الكوردي، وهكذا كانوا دائما، فالبغض والكراهية متأصلان فيهم طوال التأريخ ولحد اللحظة” وما أشار إليه رئيس جمهورية مهاباد آنذاك لا يزال معمولاً به من قِبل السلطات الإيرانية  وهي مثابرة عليه سواءً أكان المحور الكردي الموالي لهُ صفَّق لتلك الأفعال بحماس أم برَّر لها تلك التصرفات بفتور وكالعادة غض الطرف عنها.
أما فيما يتعلق بالمواطن الإيراني نفسه فمن خلال الأخبار اليومية للاعدامات في جمهورية الملالي يُخال للمرء وكأن مشهد تعليق النشطاء في جمهورية الخميني الدموية أقل تأثيراً على نفوس الايرانيين من أي خبر اجتماعي أو فني آخر في ذلك البلد، ولم تعد المشانق التي تُقام  كل يومٍ هنا وهناك تلقى الاهتمام اللازم من قِبل الشعب الذي عودته سلطة رجالات الآخرة على أن يستسيغ تلك المشاهد القاتلة، وإلا فلماذا يبقى المواطن مسترطباً حالة الفُرجة وهو يشاهد الاعدامات اليومية وكأنه في المسرح الروماني يُشاهد صراعاً دموياً سينتهي لا محال بنحر أحد الموجودين في الحلبة التي تقيمها السلطة.
إذ وحسب المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان ووسائل الإعلام  فقد نفذت السلطات الإيرانية أحكام الإعدام في عدد غير محدد ممن اتهمتهم بالانتماء لجماعة التوحيد والجهاد في محافظة كردستان الإيرانية، وقد قدّرت جماعات حقوقية أن عدد الذين تم إعدامهم يوم الثلاثاء يتراوح بين عشرة وعشرين شخصا، وعلى غرار إعلام النظام الاسدي في سوريا الذي هو ليس أكثر من تلميذٍ نجيب لدى طهران قام التلفزيون الإيراني الرسمي  ببث ما قال إنها اعترافات لبعض أعضاء الجماعة، وقالوا خلالها إنهم استهدفوا رجال الدين السُنة والشيعة الذين يرون أن أفكارهم مهرطقة، وقد أكدت جماعات حقوقية بأن الإدانات جاءت نتيجة لاعترافات انتزعت بالإكراه من السجناء، كما هو نفس الاسلوب الامني المتبع لدى الأمن السوري مع المواطنين.
وبعيداً عن الإدانات الدولية وكذلك استنكار المعارضة الايرانية في الخارج لهذا الفعل الشنيع الممثل بموقف رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الايرانية مريم رجوي التي وصفت الإعدام الجماعي للسجناء بأنه “جريمة مقززة ضد الإنسانية” داعية إلى الاحتجاج على هذه الجرائم الوحشية، وإلى حملة دعم وتضامن مع عوائل السجناء الذين أعدموا، وكذلك موقف منظمة هيومن رايتس ووتش التي تحدثت عما يحصل في مزرعة الخمينيين”بأنه إعدام جماعي لعشرة مساجين على الأقل” وما قالته سارة ليا واتسون مديرة المنظمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا “بأن إيران أعدمت 230 شخصا على الأقل خلال عام 2016، وكذلك الشكوك التي أبدتها الأمم المتحدة حيال نزاهة المحاكمات التي أدت لإعدام عشرين إسلاميا كرديا في إيران بداية الاسبوع، كذلك ما رأه مثقفون إيرانيون بأن هذه الإعدامات تهدد الأمن القومي، معتبرين أنها صدرت عن محاكمات غير عادلة ولتحقيق أهداف سياسية بحته، إضافةً إلى ما قاله مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين اليوم الجمعة إن الإعدامات تتعلق بجرائم “قيل إنها تتصل بالإرهاب”، وإن التقارير تشير إلى أن معظم من أعدموا إن لم يكن كلهم ينتمون إلى الأقلية الكردية السنية.
فالغريب في الأمر أن الشعب الايراني الذي يرى المشاهد اليومية لإعدامات النشطاء لم يثر حفيظته على ذلك القتل اليومي بدمٍ بارد، إنما كان استنكاره على زيارة إحدى ممثلات الأفلام الإباحية لإيران أكثر بكثير من إدانته لجرائم الملالي، فوفق ما تناقلته وسائل الإعلام أن المسلمين فى إيران هددوا نجمة الأفلام الإباحية البريطانية كاندي تشارمز بعد زيارتها لتلك البلاد بهدف إجراء عملية جراحة تجميلية فى أنفها، حيث علَّق المسلمون فى إيران المزينة بآيات التقديس على تلك الزيارة، قائلين: بأن النجمة الإباحية ستكون مهددة بالإعتقال وربما عقوبة الإعدام إذا ما قامت بأى سلوك غير أخلاقي، وكأن القتل والاعدام  هو يعبر عن جوهر الأخلاق لدى تلك الفئة التي تتناسى الاعدامات اليومية والمهتمة فقط بزيارة ممثلة إباحية، وكأن شنق البشر لديهم أقل ضرراً بالناس من أفلام الاثارة لتلك السيدة، وكأن عمليات الإعدام غدت جزءً متمماً للمنظومة الأخلاقية لدى خاقانات (قم)، لذا استساغها الناس وغدت ربما من الأمورالاعتيادية والمقبولة بصرياً لديهم، أما الجنس الذي لا يخلو عقلٌ ديني من طقوسه وهواجسه الكامنة والإنشغال به في مناخات رأسه المكتنز بالمحرضات الجنسية التي تفوق ربما ما هو موجود لدى كل جماعة البورنو، فغدا ظاهرياً هو الأخطر على القيَّم الإنسانية من حِبال المشانق في الجمهورية الاسلامية التي أرسى قواعد طغيانها روح الله الخميني.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…