احتمالات مصير غربي كردستان (1/2)

د. محمود عباس
  قراءة أغلبية الحركة الكردية والكردستانية للمستقبل؛ كرؤية التائه ضمن غابة، لا تخرج من نطاق الجغرافية السياسية التي حددتها لهم القوى الإقليمية، أو بالأحرى المربعات الأمنية، فرغم الفضاء المشرع بعد انطلاقة ثورات الشرق، وظهور بعض الإمكانيات الفكرية والعملية للتحرر من الإملاءات، يظلون دون سوية التحكم بإرادتهم وقراراتهم، ولا يزالون يلهثون خلفهم، ليس رهبة كالسابق، بل لأنهم يعيشون ظلال التعمية الماضية، وجمود الوعي الذي لا يضخ بالخبرة والمعلومات الحضارية، فيبقون دون سوية الأحداث واستيعابها. 
والغريب انهم يتقبلون كل أنواع السخرة، ليس قناعة بالتكتيك، بقدر ما هو كره لبعضهم، والمؤدية إلى: تدمير ديمغرافية الكرد في غربي كردستان، وتفاقم معاناة من ظل يصارع في الداخل، وانتقال هوة الخلافات بين الأحزاب إلى شريحة واسعة من المجتمع، وبالتالي سينتظرنا مستقبل غير محمود. ولا شك لسلطة بشار الأسد الشمولية الاستبدادية الدور الرئيس في معظمه، ولا نستبعد الدور الثاني التقاعسي لحركتنا وبكل أقسامها، وفي مقدمتهم سلطة الأمر الواقع، المذنبة أمام الشعب الكردي قبل الأحزاب المعارضة، فرغم ما قدمه الحزب الكردي الحاكم من خدمات مصيرية، كالدفاع عن الوطن، وتقليص خطر الأشرار، إلا أن السلبيات غطت الإيجابيات.
    المنطقة ملتهبة، والحركات السياسية في المنطقة تحاول اللحاق بحوارات أمريكا وروسيا، لتكون سيدة قراراتها، وبما ستؤول إليه المنطقة مستقبلا، وتعمل لتشارك في تحديد مصير شعوبها، باستثناء الحركة الكردية والكردستانية، المستخدمة كأدوات سهلة الحصول عليها من قبل القوى الإقليمية والدولية، فهناك من يحركون الأحزاب ويحركوننا معهم حسب متطلباتهم، فلا نتجرأ بعرض شروطنا حتى بين بعضنا، أو الجلوس معا على طاولة المحادثات، ولا نتمكن من مناقشة نقاط التقاطع، كما لا تتجرأ الأحزاب، بسبب الإملاءات، تنبيه قواعدها ومواليها بالتوقف عن التلاسن والتخوين.
   وهي إجمالا لا تزال تعيش رهبة الماضي، ولا تثق بذاتها، ولا تؤمن بقوتها وقدراتها وإمكانياتها الكامنة الكافية لتواجه القوى الإقليمية وتفرض نفسها كطرف متساو، والتي كان من المفروض تقبل حماية المنطقة بعد خروج المربعات الأمنية بكليتها، والحفاظ على وجود شكلي لها  ضمن حماية القوة الكردية، ليكون أسياد قراراتهم، ولئلا تفقس كل هذه القوى المعادية للكرد في كنف الكرد وضمن مدنهم، ومثلهم في الطرف المتعامل مع المعارضة العروبية، من المجلس السوري إلى الإتلاف، كان عليهم عدم السكوت، ومنذ البداية، على تجاوزاتها بحق الكرد، وتصريحات أعضائها أو المحسوبين على قيادتها، وفتح حوارات صريحة ورسمية حول ما يجب أن تكون عليه سوريا القادمة. فغياب الحالتين كان قبولا مسبقا لشروط الطرفين الذين يتعامل معهما الأحزاب الكردية.
    وفي السياسة الخارجية كان الواقع أضعف، كان عليهما أن يعرضا البعض من شروطهما على القوى الكبرى التي تحتاجها الأن لمصالحها. وعلى الحركة الكردية وبشكل عام حالياً أن تعرف كيف تخرج من حالة التشتت والصراع الموجود، للتمكن من دمج مصالحها مع مصالحهم في المنطقة ليتمكنوا من الانتقال من واقع أدوات سهلة الاستخدام إلى واقع تبادل المصالح. لا نعلم أين يكمن الخطر الأبشع، أهي تشتتنا والتبعية المفروضة علينا، أم هيمنة القوى الخارجية، ففي كل الأحول بدون وضع حلول أولية لخلافاتنا، والتحرر من الإملاءات، مصيرنا عودة إلى الظلمات ولقرن آخر ربما، فكل ما يطفوا على السطح بالشأن الكردي، هو تصعيد مبرمج، وتضخيم لكي نستغل.
واقع الكرد ضمن مجريات الأحداث:
  نتيه بين القوى الكبرى والإقليمية، واقعنا مؤلم وقد يكون المستقبل أكثر ألماً، فيما إذا استمرينا في الدروب المرسومة لنا، دون أن نملك رأياً أو قرارا أو مناقشة الإملاءات، أو ما نقدمه من خدمات بدون مقابل.  
  أغلبية الشعب الكردي يطالب بتطبيق الفيدرالية والنظام اللامركزي في سوريا، والاختلافات على نوعية أو شكل الفيدرالية في المنطقة الكردية، بين أطراف الحركة، تتجاوز التكتيك، وتندرج كعامل صراع حاد بين الجميع، تشترك فيها الحركة الثقافية بعمقها، علماً أن المطلب بكليته مرفوض من أغلبية القوى العربية والإقليمية، وخلافاتنا تجاوزت حدود الجغرافية الكردستانية، والبحث في الإحصائيات الديمغرافية، والسجال في البعدين تدمير للكيان الكردي الفيدرالي، وخدمة مجانية للرافضين لها.
  وبشكل ابسط: العديد يرفضون إيصال منطقتي جرابلس بعفرين، والبعض يجدون أن قتال داعش في بعض الجغرافيات ، كمنبج والهول جنوب قامشلو والشدادة أو حتى المرقدة في جنوب الحسكة، خدمات تريق فيها دماء شباب الكرد، لصالح أجندات إقليمية ودولية، والآخرين يرونها ضرورة من أجل التكامل الجغرافي للمنطقة، والبعض يجدونها جغرافية كردستان، رغم الفراغ الديمغرافي على مدى التاريخ الماضي، وفي الواقع العسكري تدرج كمناطق ثغور، لا بد منها في الحروب، لحماية الداخل، وفي البعد الاستراتيجي، لا نرى بديلا من القيام بها، وهي مبنية على تحليلات أمريكية، ولعدة أسباب: فيما إذا نظرنا إلى المعادلة الدولية على مساحات أوسع من النطاق الإقليمي الكردي الضيق، وبحثناها  حسب الرؤية الاستراتيجية الشاملة للمنطقة والتي من ضمنها محاربة داعش، وصراع المعارضة المسلحة مع سلطة بشار الأسد وإيران، سنرى أن الكرد أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التخلي وسيرافقها تخلي العالم عنهم،  أو الاستمرار والتضحيات غالية جدا. 
  وبعض الأسئلة قد توضح القضية المصيرية بشكل أفضل: لنترك السنوات الخمس الماضية مع سلبياتها، وندرس الحاضر، وننظر إلى المستقبل، ماذا ستكون مصير جنوب غربي كردستان فيما إذا تخلت القوى الكردية العسكرية الأن عن القتال، وتركت الساحات؟ وبالتالي رفضت إملاءات القوى الكبرى وبشكل خاص إملاءات الولايات المتحدة الأمريكية؟ ورفضت قتال داعش في منبج كخط تكتيكي، والتي هي خطة أمريكية عسكرية، يراد منها قطع اتصالاتها مع حدود تركيا، أو تراجعت عن محاربتها في جنوب الحسكة وعدم قطع الموصل عن الرقة، والتي بسببها اضطرت داعش بالتواصل عن طريق خط أمداد طويل يمر من أبو كمال ودير الزور. ألا نرى وفي هذه الحالة التراجعية، بأن، على الأغلب، أمريكا وروسيا ستبحثان عن بديل عن القوى الكردية، لمحاربة داعش، حتى ولو اضطرتا إلى أدخال الجيش التركي وقبول شروطها بإقامة منطقة عازلة في المنطقة الكردية على طول حدودها، أو ربما وفي حل آخر وكبديل ثالث كان جون كيري وسيرغي لافروف قد عرضاه بدعم جيش الأسد لمحاربة داعش، وهي الغاية التي كانت وراء دعم سوريا والمالكي لداعش في البدايات، وبالتالي سيهمش الكرد، وقضيتهم، وسندخل ضمن الملفات المغلقة عليها، ومثلها بالضبط ما يجري حتى ولو كان بسيناريو آخر في جنوب كردستان، وعملية محاولة إقحام البيشمركة في تحرير الموصل، ومعارضة الأطراف العربية السنية والشيعية لها، لأنهم يعلمون ونعلم أن جزء واسع من المنطقة كانت تابعة لجغرافية كردستان حتى قبل استقلال العراق، وستنضم بعضها إلى الإقليم الفيدرالي، ومثلها بالنسبة للمنطقة الفيدرالية في سوريا المتوقعة إقامتها.
   فعلى جميع الأطراف دراسة الوقائع في الحيز الأوسع من الصراع الحزبي الضيق، والتخلي عن عمليات التخوين، فما يجري، صراعات دولية لا حيلة للكرد فيها سوى تنفيذها، وهنا علينا ومن مهمتنا، تنوير القائمين عليها، والمعارضين، وجميع أطراف الحركة الكردية، بالبحث عن السبل في عرض المطالب الكردية مقابل هذه الخدمات، حتى ولو كانت في عمقها خدمات ذاتية كردستانية قبل أن تكون للأخرين، وإقناع بعضنا وبشكل خاص القوى المهيمنة على الأرض بأنه لا بديل عن التلاقي وقبول البعض، ولا يمكن الحصول على اعتراف أو خلق ضغط مناسب بدون قوة كردية من حضن كلية المجتمع الكردي، ليس فقط بالضغط على القوى الكبرى بل على القوتين السوريتين المتعاملتين معها…
يتبع…
 
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
3/8/2016م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…