صلاح بدرالدين
كرد المنطقة والعالم والحريصون من شركائنا العرب والقوميات الأخرى على علاقات الصداقة والعيش المشترك بسلام ووئام بين شعبينا الكردي والعربي في العراق والبلدان الأخرى وكل المهتمين بالحلول السلمية لقضايا بلداننا الاجتماعية والاقتصادية والقومية وفي المقدمة القضية الكردية يواكبون باهتمام التجربة النموذجية الأولى في الشرق الأوسط في حل المسالة الكردية المتجسدة في الحل الفدرالي الدستوري التوافقي باقليم كردستان العراق الذي يعد من جهة ثمرة كفاح شعب الاقليم منذ عقود طويلة وموضع اعتزاز عرب العراق وقواهم الوطنية في هذا الانجاز الكبير وموضح ارتياح أحرار المنطقة كخطوة نحو السلم الأهلي وجواز تعايش الأقوام في بقعة متعددة الأقوام والأديان والمذاهب وحبلى بالمفاجآت وعامل ايجابي في الاستقرار وقطع الطريق على دعاة الحرب ومخططات قوى الشر والارهاب .
وعلى قدر الأهمية الاستراتيجية الشاملة للنموذج القائم في الاقليم وصلته الوثيقة بمصير العراق وكرده وكرد المنطقة عموما والعلاقات بين فسيفساء الشعوب ببلداننا ومسألة محاربة الارهاب وآفاق البناء واعادة الاعمار وتحقيق السلام والوئام هناك جملة من التحديات الماثلة تتهدد التجربة الرائدة تلك وأولها على الاطلاق مسألة تطويرها وتعزيزها وأيضا منها داخلية وأخرى خارجية بعضها يتعلق بالعوامل الذاتية والموضوعية والبعض الآخر تستهدفه مخططات قديمة – جديدة اقليمية وفي الجوار وسنحاول قراءة وتشخيص وتقييم تلك التحديات في المحاور التالية :
أولا – التجديد والاصلاح
بالرغم من كل مايحيط بالاقليم الكردستاني من مخاطر الارهاب والتهديد – الداعشي – والحصار الاقتصادي والسياسات العدائية من مراكز القوى المذهبية المتحكمة بالمركز الاتحادي ببغداد الا أن عملية الاصلاح الاداري والمالي ومحاربة الفساد وتفعيل البرامج التنموية والخطط الاقتصادية الآنية والبعيدة المدى يجب أن لاتتوقف لأنها تشكل الآلية الفاعلة في الصمود أمام كل أنواع الحصار والتضييق على التجربة التي تعتبر فتية في عالم حرية الشعوب وبناء الدول والكيانات ولاشك أن هناك قضايا شائكة يجب مواجهتها دون تردد وخاصة المتعلقة منها بجوانب حياة شعب كردستان الذي يضحي بالغالي والنفيس منذ أكثر من قرن من الزمان ويستحق الحياة السعيدة والعيش الكريم ونقصد هنا عدة أزمات مثل الرواتب والكهرباء والمياه والخدمات الصحية وارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية وفي هذا المجال فان الحكومة والمؤسسات الشرعية المنتخبة هي المنوطة بأداء تلك الوظائف والواجبات لخدمة الشعب الذي انتخبهم ومنحهم الثقة وليس من الجائز التمسك الصارم بشعار ( كل شيء من أجل المعركة ضد داعش والارهاب ) لأن تأمين مستلزمات وشروط صمود الشعب هو أهم المعارك والأولوية له في أوقات السلم والحرب لذلك فان ماوعد به السيد رئيس اقليم كردستان في هذا الجانب من الآمال التي يعقد على تحقيقها الشعب ويتمسك بها .
ثانيا – وحدة الصف الداخلي
دائما وأبدا وطوال تاريخ نضال الشعوب وفي تراث حركات التحرر الوطني يتم اللجوء الى الشعب وقت الملمات وخلال نشوب الأزمات وليس خافيا أن الوضع الراهن لاقليم كردستان العراق ليس في أحسن أحواله واذا كان شعب الاقليم بمكوناته وأطيافه على امتداده الجغرافي موحد وفي مصير مشترك واحد فان أحزابه وتياراته السياسية ليست على وفاق خاصة وان المجموعات والفئات المغامرة التي سلمت أمرها اما لمراكز القوى المذهبية في العراق أو الموالية للجارة الثقيلة الدم – ايران – تختلق الذرائع لاثارة الفتنة الداخلية والتمرد في وجه الشرعية والتلويح بورقة التمرد على حكومة الاقليم ومؤسساته عبر اعلان الأقاليم والكانتونات الاضافية خاصة في هذا الظرف الدقيق والخطير الذي أشرنا اليه أعلاه من دون أن تتعظ تلك الجماعات الحزبية المغامرة الفئوية – المناطقية – من دروس تاريخ تجربة الاقليم بالذات منذ ثورة ايلول الوطنية مرورا بمنتصف ستينات القرن الماضي وحتى الآن عندما انتصر وصمد النهج الوطني الديموقراطي المعتدل بقيادة البارزاني الكبير وأثبت جدارته القيادية وأصالته ومبدئيته وتميزه .
ثالثا – مواجهة الارهاب
الوقوف في وجه الارهاب لايقتصر على محاربته بالسلاح فقط بل بالفكر والموقف السياسي والثقافة وبالارادة الشعبية هناك دائما وفي شرقنا بالذات تتحارب الجماعات المغامرة والارهابية في مابينها لمرحلة ما وسرعان ماتتلاقى أو تحل فئة محل أخرى للافتقار الى منهجية وخلفية وبرنامج مابعد دحر الارهاب وفي مجريات الأحداث الماضية أي قبل عامين عندما تم احتلال الموصل بتواطيء من مراكز قوى مذهبية ببغداد وترتيب معين من محور ( دمشق – طهران ) كانت وجهة مسلحي – داعش – صوب أربيل العاصمة الفدرالية خاصة اذا علمنا أن جل قيادات هذا التنظيم الارهابي من الضباط البعثيين الصغار في عهد المقبور صدام حسين والذين يحملون مواقف قومية عنصرية شديدة العداء للكرد وقادتهم وخصوصا رئيس اقليم كردستان المؤتمن على مصير شعبه وبالنسبة للارهابيين ومموليهم وموجهيهم من أجهزة أنظمة المنطقة المقسمة للشعب الكردي فان أهدافهم الرئيسية هي القضاء على منجزات شعب كردستان وتصفية أو اضعاف القيادة التاريخية التي تحظى بقبول واحترام ليس شعب كردستان فحسب بل القوى الاقليمية والدولية أيضا والذي قرر محاربة الارهاب عندما واجه ارهاب دولة البعث واتفق مع التحالف مبكرا عشية اسقاط الدكتاتورية حول وسائل وآليات وسياسات محاربة الارهاب .
رابعا – استحقاق تقرير المصير
يمكن لأي شعب كحق مكتسب أساسي بمافيه شعب كردستان العراق أن يقرر مصيره الاداري ونظامه السياسي بالشكل الذي يرتأيه ويتم ذلك بارادة الغالبية فاالصيغة الفدرالية الراهنة التي أقرها المجلس الوطني الكردستاني ( البرلمان ) بعد انتخابات عام 1992 أي منذ مايقارب ربع قرن قد تكون بأمس الحاجة الى اعادة نظر وتطوير وصولا الى صيغة تناسب طموحات جماهير كردستان وتستجيب لحاجاتها وأمنها الاقتصادي التنموي الذي يتطلب استثمار خيرات الاقليم لمصلحة شعبه وكل العراق بمعزل عن تحكم مراكز القوى في العاصمة الاتحادية التي ضربت رقما قياسيا في النهب والفساد والتبعية لايران وتتواءم مع التبدلات المتسارعة على الصعيدين الاقليمي والدولي وتتماشى مع متطلبات اعادة البناء ومنذ أعوام ينادي رئيس الاقليم بضرورة اللجوء الى رأي الشعب وقراره بهذا الخصوص أي استفتاء شعب كردستان بشأن حق تقرير المصير والصيغة المناسبة للمستقبل وذلك بالتوافق والتفاهم مع الشركاء العراقيين وتصرف القيادة السياسية بشأن تحقيق قرار الشعب وتتنفيذه في الظرف المناسب والأهم في الأمر هو معرفة مايقرره الشعب حول مستقبله بحرية تامة ولكن حتى هذه الرغبة المشروعة من جانب رئيس الاقليم تصطدم باعتراضات بعض الأحزاب والتيارات المغامرة وتعمل منذ الآن على محاولة عرقلة تلك المساعي النبيلة الصادقة تارة باثارة الفرقة والانقسام وتارة باللجوء الى مراكز القوى المذهبية المتحكمة بواردات العراق وتارة بتحريض دول الجوار ان استكمال خطوات تطوير التجربة الفدرالية نحو صيغة أرقى واجب قومي ووطني لصالح الكرد والعراقيين جميعا .
والمعترضون من الأحزاب والجماعات المغامرة على دعوة الرئيس مسعود بارزاني للاجتماع والنقاش والتباحث في مسألة اقرار توقيت عملية الاستفتاء وتوفير شروط اجرائه بنجاح يعملون بالوقت ذاته على الاساءة لموقع الرئاسة واعاقة التفاهم الداخلي وضرب الشرعية والمؤسسات الدستورية والقانونية كما يسيئون الى دور الاقليم الوطني والاقليمي والدولي في مواجهة الارهاب وتحضيرات البيشمةركة لتأدية واجباتها في تحرير الموصل ومناطقها وترسيخ سلطة الاقليم على المناطق الكردستانية المحررة وكل الأماكن المحتلة كما يراهنون على اثارة المزيد من الخلافات بين أربيل وبغداد خاصة عشية التحضيرات العسكرية الأخيرة ضد داعش ومازيارة – المالكي – للسليمانية مؤخرا الا اشارة الى النيات المبيتة .
كل ذلك لم يؤثر قيد أنملة على مضي رئيس الاقليم قدما في أداء مسؤولياته القومية والوطنية والحرص على انجازات شعبه وصيانة قواعد التعاطي الايجابي حتى مع خصومه بمافي ذلك الابقاء على أبواب الحوار مفتوحة حتى مع الذين تجاوزوا أصول النقد البناء كرئيس لكل شعب كردستان وليس لحزب أو طيف معين وفي خضم كل أنواع التعبئة الاعلامية غير المنصفة فانه ماض بتحقيق مكاسب لشعبه وآخرها الاشراف على ابرام بروتوكول التعاون السياسي والعسكري بين اقليم كردستان والولايات المتحدة الأمريكية في أربيل والذي يشكل وثيقة دولية هامة فريدة من نوعها في التاريخ الحديث تضمن الكثير من جوانب أمن وسلامة شعب الاقليم الآن ومستقبلا خاصة أمام مايحاك من جانب الدوائر المعادية للشعب الكردي عشية عملية تحرير الموصل .
في الظروف المشخصة الاستثنائية التي يعيشها اقليم كردستان وفي الحالة العراقية الصعبة الدامية ومايجري بسوريا وكل دول الجوار من انتهاكات وتعديات وما تنفذ من مخططات جهنمية تجاه الكرد وكل شعوب المنطقة وأمام حالة التردي لغالبية الأحزاب الكردية وتراجعها واخفاقاتها ومغامرات بعضها على حساب وجود الكرد وتفريغ مناطقهم ليس لكرد المنطقة الا التمسك ” بخيار واحد ” وهو التجربة الناجزة في اقليم كردستان العراق واسناد القيادة الشرعية المنتخبة هناك والوقوف صفا واحدا مع النهج الذي يسير عليه مسعود بارزاني واسناده بمساعيه الصادقة في أن يقرر الشعب مصيره واتخاذ الخطوات الاصلاحية المعلنة عنها واعادة النظر في مختلف الملفات وخاصة ملف العلاقات القومية وفي المقدمة ملف سوريا وكردها وهو أحوج مايكون الى اعادة البناء من جديد .