عارف آشيتي
الكمالية الفعلية كانت شكلا من أشكال الاحتلال الأوربي لإرث العثمانية التي أذاقتها على مر القرون الكثير من الهزائم، وأخافتها من المد الإسلامي الذي تبنته، حينها، للوصول إلى إسبانيا بغية إعادتها إلى الحماية الإسلامية. غير أن الشيعية الصفوية حالت دون ذلك؛ عندما أبادت من السنة مليون شخص، وبلا رحمة. على إثر تلك المجازر التي أحلتها بالسنة اضطر السلطان العثماني السني أن يوقف الامتداد غربا، ويرجوع إلى الشرق ليضع حدا لمجازر الشيعة الناهضة بحق السنة، بعد أن حولت إيران السنية إلى مذهبها الاثنى عشري.
على أنقاض تلك العمثانية المنهارة قامت الكمالية بعد خسارة الاتحاد والترقي خلال الحرب الكونية الأولى، وكانت شرّ حكم اُبتل به العثمانيون الأتراك، كما ذاق مرارتها الكرد وبأشد منهم. حين استفاق الأخير على حين غرة من سبات القرون الإسلامية المديدة إثر سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية، رغبوا في إعادة الخلافة المهارة إلى ما كانت عليها من قبل، ولم يأبهوا بعامل الزمن الذي تغير من حولهم، فكانت النتيجة مكلفة جدا، فاقت حد التصور.
وحكمت تلك الكمالية، بالأحرى الكمالية الأوربية، رسميا من عام 1925م إلى منتصف تموز من هذا العام؛ حيث جاءها الاحتضار على يد أردوغان، المجدد لتركيا بعد المرحوم تورغوت أوزال، لترحل عن دنيا العمثانية الجديدة، ربما إلى الأبد، عدا حضورها على صفحات التاريخ التي ستتحدث عن مجازرها ومهاولها دون غيرهما.
من المتوقع محاكمة هذه الكمالية لاحقا، ومحاسبتها كمسببة لكوارث وويلات أحلتها بالشعبين الكردي والعثماني التركي، وتحويلها “تركياها” إلى خادمة ذليلة لأوربا ولاحقا للعم سام. في وقتنا الحالي تبدي المستجدات وشكها على الرحيل الأبدي، بعد أن أبادت من الكرد ما أبادت وذللت من العثمانيين الأتراك أيما مذلة.
وعلى هامش موضة احتضار هذه الكمالية تومض، إلكترونيا وورقيا…، كتابات وتعلو أصوات كردية هنا وهناك، مؤشرة إلى المخاوف المهولة المرتقبة من أردوغان المجدد، وهذه المخاوف في محلها، فالشيعية الخمينية أذاقتنا ولا زالت ماضية في إذاقتنا الويلات واحدة تلو الأخرى، وليس غريبا أن يحذو المجدد أردوغان حذو جارته، فكلاهما يدينان بالولاء للإسلام وإن اختلف مذهباهما. فالإسلام الشيعي والسني لا يختلفان في الأصول، وما تقوم به الشيعية الخمينية ليس خروجا عن أصول الإسلام، حسب تفسيرها، ربما لن يختلف تفسير مجددنا عن أصول الإسلام تفسيرا خمينيا حيال القضية الكردية، فيتساوى شمال كردستان مع شرقها في ظل قانون مصدره الأول سلطة الملالي خلفاء الخمينية والثاني قبضة أردوغان المجدد.
بصدد مخاوفنا الكردية المهولة، فهي إن دلت على شيء؛ إنما تدل على ضعفنا المزمن، هذا الضعف الذي لازمنا منذ زوال آخر إمارة من إمارتنا وإلى اليوم. منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة لم يشأ أحدنا البحث بمنطق العلم السليم والعقل الرزين عن أسباب هذا الضعف في ذاتنا وفي دخيلتنا، دون انتسابه إلى المحتلين والعالم المحيط، وكأن شعوب العالم لم يُحتلوا ولم يكونوا مستعمَرين يوما ما. هذا التجاهل الممتد عبر القرون في البحث عن كنه ضعفنا هو سبب كل معاناتنا، وأمات فينا البصيرة الصائبة للتمييزبين خير لنا، وأعاقنا عن الغور في ذاتنا الكردية استقراءً قصد استنباط السبل القويمة لاقتلاع هذا المزمن من جذوره. بل نسعى جميعا إلى حل آني لنقطف ثماره آناً ودون أي تأخير، وليس العمل على تفادي الأجيال القادمة منه بتوعية الناشئ كي يكون جديرا لإنقاذ القادم.