سميرة المسالمة بين الواقع والائتلاف المعارض

صالح بوزان
لمست في كتابات السيدة المسالمة العديد من الأفكار الواقعية. إنها تسعى  للبحث عن مخرج للأزمة السورية المستفحلة. خصوصاً على صعيد توحيد موقف المعارضة من القضايا الأساسية، ولا سيما حول القضية الكردية السورية. هذا التوجه لمسته من خلال مقالتها “مع ميشيل كيلو بشأن المسألة الكردية”. وقد تطرقت لتلك المقالة بالتفصيل في مقالة كتبتها بعنوان ” القضية الكردية بين ميشيل كيلو وسميرة المسالمة”. http://www.welateme.info/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20795#.V5pfo_l97IU 
في مقالتها الجديدة ” المعارضة السورية و الفيدرالية” يبدو أنها تمارس خطاً واقعياً يتبلور أكثر فأكثر. وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على عمق الإدراك للتراجيديا السورية، والبحث عن حلول واقعية لها. بل ممكن القول لقطع الطريق أمام أزمات قادمة بعد إسقاط النظام، قد تهز المجتمع السوري ليس أقل من الأزمة الراهنة. 
سأقف عند بعض الأفكار التي أشارك السيدة المسالمة في مقالتها الجديدة “المعارضة السورية والفيدرالية”.* فهي تقول الحقيقة بأن المعارضة السورية تصر أن يكون البحث حول الحقوق الكردية وحول الفدرالية في الغرف المغلقة. نعم هذا صحيح، والسبب في هذا الإصرار هو عدم قناعة المعارضة بالوثائق التي توقعها مع الكرد. والدليل على ذلك أنهم بمجرد أن يخرجون من تلك الغرف المغلقة يقدمون تصريحات مخالفة للوثائق التي وقعوا عليها. 
الحقيقة الثانية التي تكشف عنها السيد المسالمة قولها: ” فعلينا الاعتراف بأن رفض فكرة الفيدرالية كان على ما يبدو ردة فعلٍ متعجلة، كأن بعض المعارضة يفكّر بطريقة النظام، أو يظنّ أنه سيرث النظام كما هو، مستبطناً، في ذلك، رؤية تنم عن عصبيةٍ قومية، ورفض للآخر”. هذا كان العامل الأساسي في تراجع ثقة الكرد السوريين بالمجلس الوطني السوري وخصوصاً بالائتلاف السوري لاحقاً. كما أدى ذلك إلى إضعاف الكتلة الكردية داخل الائتلاف والابتعاد عنها. بل بات أغلب الكرد يعتبرون أن هذه الكتلة تجرهم إلى جهة مجهولة. وبالمقابل أدى ذلك إلى زيادة جماهيرية حزب الاتحاد الديمقراطي بين صفوف الكرد السوريين على حساب المجلس الوطني الكردي، ولا سيما بعد انتصارات قوته العسكرية على داعش. 
لنعترف أن هناك انعدام الثقة بين الكرد والمعارضة السورية بكل صنوفها. وصرح بذلك حتى بعض قادة المجلس الوطني الكردي تجاه الائتلاف. انعدام الثقة هذه ليس مبنياً على صراع عربي – كردي، بقدر ما هو مرتبط بسلوك المجلس الوطني السوري والائتلاف السوري المعارض. عندما احتل داعش مدينة تل أبيض واستباحوا أرواح وأموال الكرد، وقاموا بطرد الكرد دون العرب من المدينة، لم يصدر من المعارضة السورية أي بيان تنديد والإشارة بأن داعش يقوم بتغيير ديمغرافي وتفريغ المدينة وقراها من الكرد. بينما عندما حررت وحدات حماية الشعب تل أبيض أقام الائتلاف الدنيا ولم يقعدها، ونشروا أكاذيب حول تهجير القوات الكردية للعرب، منسجمين بذلك مع الرواية التركية.(تل أبيض منطقتي وأعرفها جيداً) 
بعيداً عن الساسة. أغلب الكتاب الكرد ينتقدون جوانب عديدة من سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي وسلوك عناصره على الأرض. لكن هناك حقائق أخرى يجب أن لا يغفلها أحد. فلولا قوات هذا الحزب لسيطر داعش على كل المناطق الكردية. وهم يعلنون بصريح العبارة أن الكرد غير مسلمين ودمهم مستباح. بل طردوا الكرد من كل المناطق التي احتلوها بما في ذلك من مدينة الرقة ومنعوهم من أخذ أي شيء من بيوتهم. وبالتالي لارتكب داعش جرائم فظيعة بحق الكرد أطفالاً ونساء وشيوخاً، بل شعباً. لا أتجنى على الحقيقة إذا قلت أن أغلب العرب في المناطق الكردية انضموا لداعش بمجرد مجيئه لهذه المناطق. والذين نهبوا بيوت الكرد في تل أبيض والرقة وفي ريف كوباني كانوا من عرب المنطقة. هذه الأعمال أثرت على ذهنية الكردي البسيط، بل أحدثت انقلاباً جذرياً في مواقفه. وبالتالي كان قراره المصيري هو الانضمام إلى وحدات حماية الشعب بجناحيه الرجالي والنسائي من أجل الدفاع عن عائلته وبيته وممتلكاته بالدرجة الأولى. 
المعارضة السورية تتهم حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه لم يشارك الجيش الحر في مقاتلة النظام. هذا الحزب منذ شكل قواته العسكرية صرح بأن مهمة هذه القوات هي الدفاع عن الشعب الكردي وعن المناطق الكردية وليس لقلب النظام. قادته صرحوا بذلك للعلن. والانتقادات الموجهة لهذا الحزب من هذه الناحية انتقادات تتجاهل هذه الحقيقة. من ناحية أخرى، فهذا الحزب كانت لديه قناعة بأن النظام لن يُهزم. وبالتالي فرفع السلاح في وجهه سيجلب الكوارث للكرد في حال فشل الثورة. ولن تقف حينها أية قوة عربية سورية مع الكرد ضد النظام. وما حدث خلال انتفاضة الكرد عام 2004يصب لصالح هذا الاستنتاج. فجميع الأحزاب العربية اعتبروا هذه الانتفاضة مؤامرة خارجية. منذ بداية الثورة كنت ضد هذه السياسة لحزب الاتحاد الديمقراطي. وكتبت عدة مقالات في نقدها. لكن المنطق لا يمكن أن يكون متحزباً. فحين تسكت المعارضة عن جرائم داعش ضد الكرد. وحين تنادي جميع الكتائب الإسلامية بتطبيق الشريعة الإسلامية في سوريا المستقبل، وهي تطبقها حالياً في المناطق التي تسيطر عليها. وتتبنى هذه المعارضة السورية تلك الكتائب الإسلامية صاحبة اللافتات السوداء، بل تنزلق إلى الطائفية في حربها ضد النظام. هذا كله يعني بصريح العبارة الغدر بمبادئ الثورة السورية. 
على المعارضة السورية أن لا تستغبي الكرد. فالكرد أبناء مئات النكبات عبر التاريخ. هم يقرؤون تاريخهم بتمعن. وفيهم من يفهم بالسياسة ومطلع على الفكر والحضارة المعاصرة. ولذلك فريبتهم من شركاء الوطن له ما يبرره على أرض الواقع. لنكن صريحين أكثر. إن مقولة إقامة دولة مدنية أو دولة المواطنة التي تنادي بها المعارضة السورية هي مجرد شعارات وهمية لا تستند للأسس الواقعية. الكرد يريدون الاعتراف بهم كشعب مقيم على أرضه في إطار الشعب السوري وفي إطار جغرافية سوريا الحالية. أما أن يخرج بعض أطراف المعارضة ويتهمهم بإسرائيل ثانية، فهذا قمة العداء الذي يتجاوز شوفينية النظام ضدهم خلال نصف قرن. الكرد لن يوقعوا على وثائق ممكن أن يتم تفسيرها فيما بعد على ضوء قرار الأكثرية أو من خلال القوة على الأرض. ومن يوقعها من الكرد سيُعتبر خائناً مهما كانت قداسته.
لو نظرنا إلى الفدرالية التي شكلها حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، فهي ليست فدرالية قومية، رغم كل الانتقادات الموجهة لها. هي تشمل الكرد والعرب والسريان الآشوريين والتركمان. مما يعني أن هذا الحزب لديه انفتاح واسع على المكونات القومية والدينية. إذن لماذا هذا الهجوم الشرس عليه؟ ولماذا الرفض المطلق لمشاركته في مؤتمر جنيف. السيد ميشيل كيلو قال بصريح العبارة أن رفضنا لحضور هذا الحزب لمؤتمر جنيف هو نتيجة إصرار صالح مسلم، رئيس الحزب، بأنه لن يحضر المؤتمر إلا ممثلاً عن كرد سوريا. وما المشكلة في ذلك؟. فهذا الحزب هو الوحيد الذي يستطيع أن يضع توقيع الشعب الكردي السوري على أية وثيقة ممكن التفاهم عليها شئنا أو أبينا. 
في التاريخ الحديث للحركة الكردية وفي الأجزاء الأربعة من كردستان كانت تهمة الانفصال حجة من قبل السلطات للقضاء على هذه الحركة. والاتفاقات الموقعة بين حكومات الدول الأربعة تركيا وإيران والعراق وسوريا لغاية بدايات هذا القرن تؤكد هذه الحقيقة. بل أن صدام حسين تنازل عن جزء من أرض العراق لشاه إيران من أجل القضاء على الثورة الكردية في كردستان العراق. النظام السوري خلال نصف قرن كان يتهم الأحزاب الكردية بأنها تريد قطع جزء من الوطن وضمها لدولة أخرى. وكانت هذه التهمة موجهة لكل معتقل كردي في سوريا دون أن تسمي الحكومة السورية ومحاكمها ما هي الدولة التي يريد كرد سوريا ضم جزء من الوطن إليها. واليوم تأتي المعارضة السورية لتكرر نفس الاسطوانة. لدى غالبية الكرد القناعة أن انتصار المعارضة السورية الراهنة، بجانبيها السياسي والعسكري على النظام ستدوس على كل وثائقها وستستخدم القوة لإعادة الكرد إلى وضع ما قبل الثورة. كما إذا انتصر النظام فسيستخدم القوة أيضاً لإعادتهم إلى الوضع السابق. أليس من حق الكردي أن يكون أقل غباء ويستنتج بأن الطرفين يخفيان نواياهما الآن مؤقتاً، وفي مخيلتهما فصلاً جديداً لاضطهاد الكرد بعد حل الأزمة السورية؟
صحيح ما تقوله السيدة المسالمة أن بعض المعارضة السورية(وأنا أقول أغلبهم) ” يظنّ أنه سيرث النظام كما هو”. هذا البعض لا يرغب في تغيير جوهري لبنية النظام السياسي والدستور السوري. بل يريد فقط السلطة. في بدايات الثورة كانت فكرة فصل الدين عن الدولة مطروحة بقوة على صعيد المعارضة السورية. لكن معارضة اليوم تغازل الكتائب الإسلامية وتتحدث عن نظام مدني، وكأن النظام السوري ليس مدنياً. فهناك دستور وبرلمان منتخب ومحكمة دستورية وغيرها من مؤسسات الدولة المدنية. ولكن كل ذلك لم يمنع من أن يكون هذا النظام دكتاتورياً واستبدادياً. 
لن أدخل في تفاصيل الفدرالية التي تقترحها السيدة المسالمة، رغم إيجابياتها. لكن هذه الفدرالية لن تتحقق ديمقراطياً دون الاتفاق مع حزب الاتحاد الديمقراطي. فجزء مهم من مصير سوريا المستقبل مرتبط بهذا الحزب سواء اعترفت المعارضة السورية بذلك أو لم تعترف. هذا الحزب قدم آلاف الشهداء. وهو يسيطر على مساحات واسعة من خارطة سوريا. وهو القوة العلمانية الوحيدة على الأرض حالياً. وبالتالي تجاهله أو محاولة استقطاب بعض الكرد على حساب تهميشه وتجاوزه لن تؤدي إلى أية نتيجة. وحتى إذا اتفقت المعارضة والنظام على حل المسألة السورية بدون أخذ حقوق الشعب الكردي السوري بعين الاعتبار الجدي، فالدولة الجديدة ستنزلق إلى ممارسة القوة ضد الكرد وبالتالي سينهار حلم السوريين بالحرية والديمقراطية والكرامة.
———————–
* رابط مقالة سميرة المسالمة “المعارضة السورية و الفيدرالية” /www.alaraby.co.uk/opinion/2016/7/23/المعارضة-السورية-والفيدرالية-1 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…