عادل نوح
قد تختلف طبائع الشعوب عن بعضها فتكون هناك شعوب مسالمة و شعوب يكثر فيها العداونيين وهذه التباينات قد يكون لعامل الوراثة وجينات الشعوب دور كبير فيها، رغم أن وجود عرق صافي أو شعب من سلالة واحدة ضرب من المستحيل، لكن قد يتدخل المكان وسلوكيات الشعب و العادات والتقاليد في تشكيل أناس ذو طبيعة واحدة أو متقاربة لكن مطلقاً لا يمكن إطلاق صفة الشعب الفاسد أو المجرم أو المنافق على شعب ما فهل في الحالة السورية يمكننا إطلاق مقولة الشعب الفاسد عليه أو أية سيئة أخرى وهل المجتمع الفاسد ينتج حكاماً فاسدين أم الحاكم الفاسد يجعل الشعب فاسداً بممارساته؟ الدين الإسلامي وحسب الحديث النبوي الشريف يقول ((كيفما تكونوا يولى عليكم)) أي أن المجتمع الفاسد سينتج حاكم فاسد بشكل حتمي لأن الحاكم الصالح لا يستطيع الإدارة والتحكم إلا في بيئة صالحة وبالتالي كل القوى الفاسدة ستتحد لإفشاله و وضع شخص فاسد يلبي مطالبهم وكمثال على ذلك أن الكثير من الشعوب التي تقبل الفساد والرشوة و شراء الأصوات الانتخابية تساهم في وصول الفاسدين إلى مراكز القرار
أما عبدالرحمن الكواكبي الذي يعتبر من أشهر الذين كتبوا عند الاستبداد و درسوا خصائصه واسبابه و كيفية التخلص منه يقول في كتابه طبائع الاستبداد ووقائع الاستعباد: ((الاستبداد يقلب الحقائق فى الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحق فاجر، وتارك حقه مُطيع، والمُشتكي المُتظلم مُفسِد، والنبيه المُدقق مُلحد، والخامل المسكين صالح، ويُصبح -كذلك- النُّصْح فضولا، والغيرة عداوة، الشهامة عتوّا، والحميّة حماقة، والرحمة مرضا، كما يعتبر أن النفاق سياسة والتحيل كياسة والدناءة لُطْف والنذالة دماثة!)) ما يلاحظ أن عبدالرحمن الكواكبي يناقض الحديث الشريف أعلاه والكثير من علماء الدين الإسلامي شككوا في الحديث وصنفوه ضمن الأحاديث الضعيفة وسؤالنا أي من الحالتين ستكون أقرب للواقع إذا اسقطنا الحالتين السابقتين على سنوات حكم البعث الممتدة من 1963 ولغاية اليوم؟ اعتقد أن توصيف عبدالرحمن الكواكبي يتطابق مع سلوكيات و كأنه اتخذ البعث أنموذجاً لكل ما كتب فحزب البعث : ـ اعتمد أقذر الوسائل للتخلص من خصومه السياسيين كالاغتيال أو إثارة الفرقة والكراهية بين هؤلاء الخصوم ليتخلصوا هم من بعضهم فيضعفون لتسهل السيطرة عليهم و التخلص منهم جميعا” ففي بداية انقلابهم وبعد التخلص من حكومة الانفصال استطاع حافظ الاسد ومع مجموعة من الضباط الذين كانوا أعمدة الانقلاب من التخلص من الرعيل الأول من الانقلابيين أمثال ميشيل عفلق و صلاح بيطار و أمين الحافظ وبعد التخلص منهم بمساعدة صلاح جديد ونورالدين الاتاسي و سليم حاطوم و محمد عمران ثم تخلص من صلاح جديد و نورالدين الاتاسي وحاطوم بقتل بعضهم و رمي البعض في غياهب السجون بالاعتماد على مجموعة أخرى وفي كل مرة يتخلص منهم ليبقى الأقوى ـ اعتمد على بعض رجال الدين الذين يسهل شراءهم لتثبيت حكمه فقام بتعيين احمد كفتارو الذي بارك انقلابه عكس رجال الدين المخضرمين حينها و أخضع كل المؤسسات التي لحكمه و أصبح جميع المنابر تبارك أعماله و بطولاته و أصبح رجال الدين الأكثر نفاقاً حين أن حصولهم على المكاسب كانت متوقفة على درجة تأليه الأسد حتى وصلت درجة النفاق بأن قال رجل الدين و المذيع الأسلامي مروان شيخو: ((طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد)) ـ عمل على استشراء الفساد بين الناس و زرع الآلاف من المخبرين سواء بالترغيب أو الترهيب حتى أصبح الكل يشك بالآخر وعمل على توظيف الناس الأكثر قابلية للفساد و ربط التوظيف بالانتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي وشجع على تنامي الرشوة و شراء النفوس حتى وصل لمرحلة عدم استطاعة بقاء أي شخص شريف ومخلص ضمن هذه البيئة القذرة و انتشرت مفاهيم فاسدة ((حكلي لحكلك ـ طعمي الفم بتستحي العين ـ حلال ع الشاطر ـ دبر راسك …)) بدل المفاهيم التي تحض على الصدق و الأمر بالمعروف ـ نشر الفساد بين مؤسسة الجيش والمخابرات و المحسوبيات و الرشاوي للتطوع وتخفيض رواتب الجيش وزيادة اعدادهم ليعتمدوا على الرشاوي لتأمين معيشتهم وهكذا حصل على جيش فاسد لا يهمه سوى السرقة ومستعد لبيع بندقيته حتى وهو في ساحة المعركة وهذا ما حصل بالفعل خلال ثورة 2011 حيث أن أهم مصادر تمويل الثوار بالسلاح كانوا أزلام النظام نفسه هناك الكثير الذي قيل وسيقال عن الفساد الاخلاقي و الديني و السياسي و الاجتماعي الذي زرعه حزب البعث العربي الاشتراكي و حافظ الأسد حتى قام بتغيير سلوكيات شعب كامل و ربما لأجيال قادمة كثيرة حتى لم نعد نميز بين الذين عارضوا الأسد نفسه فكانوا هم انفسهم نتاج هذه التربية الفاسدة فكانوا أسوء معارضة عرفها العالم من حيث استشراء الفساد و السرقة و السلوك الإجرامي و ولربما احتاج الأمر لإصلاح ما دمره حافظ الاسد و منظومة البعث لبرامج تتبناه منظمات عالمية لإصلاح ماتم إفساده أو ربما نستسلم لمقولة رياض الترك بعد خروجه من السجن بعد 17 عاما” من اعتقال الأسد له فقال: ما أفسده حافظ الأسد لا يمكن إصلاحه