محاولة في فهم الحدث التركي ( 2 )

صلاح بدرالدين
حركة فتح الله غولن
منذ اللحظات الأولى للعملية الانقلابية الفاشلة توجهت حكومة أردوغان بأصابع الاتهام الى حركة – فتح الله غولن – المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية واعتبرتها وراء الانقلابيين ومجموعات من القضاة والحكام من دون الافصاح عن سياسة ومواقف الحركة ومااذاكانت تسعى الى نظام حكم اسلامي على يمين أو يسار أو وسط الحزب الحاكم وفي حين يعتبر الغرب وبعض الأوساط الأمريكية أن حركة – غولن – هي ظاهرة اجتماعية خدمية وليست ضمن اطار الاسلام السياسي تميل الى الاعتدال والوسطية فان الوقائع تدل أن تاريخ نشاطات هذه الداعية في الداخل التركي يوحي بتوجهه الاسلامي المتطرف والعمل الدؤوب لتحويل الدولة والمجتمع رهينة في قبضة الآيديولوجية الاسلامية المتشددة وما وسائله الخيرية الا طريقة عمل للوصول الى مبتغاه .
من جهة أخرى فان أدبيات وتصريحات وكتابات – غولن – تصب بمجملها لتعزيز مكانة تركيا والقومية السائدة تماما مثل نهج حزب أردوغان وأوساط جنرالات الجيش الا أنه يعتبر الأكثر شوفينية حيال الكرد والمكونات الأخرى في تركيا فهو لايعترف بالحقوق القومية الكردية ولايملك أي برنامج لحل المسألة الكردية ويناصب الكرد العداء الى درجة التعمية الكاملة على تراث معلمه المتصوف الكردي ( بديع الزمان النورسي ) الذي يتردد بأنه سطا على تركة الراحل الاجتهادية الدينية فقط بسبب جذوره الكردية وبخصوص النظام الديموقراطي الذي يعمل من أجل ارسائه الغالبية الساحقة من شعوب تركيا فان تعاليمه الدينية لاتسمح له حتى بالولوج في تفاصيلها .
 ان تجنب الحزب الحاكم في الافصاح عن حقيقة قضايا الخلاف السياسي والآيديولوجي ( هذا ان وجدت أصلا ) بينه من جهة وبين حركة – غولن – من الجهة الأخرى والتركيز على كونها – السلطة الموازية – ودولة داخل الدولة يؤكد على تناقضات جانبية حول النفوذ والهيمنة والمصالح بين تيارين اسلاميين لهما جماهيرهما يسعيان الى التحكم بالسلطة كما سيدفع ذلك بالكثيرين الى النأي بالنفس عن دعم هذا الطرف أوذاك ورفض تفسير الحكومة لأحداث الانقلاب الفاشل لذلك المطلوب من الحزب التركي الحاكم مزيدا من الوضوح والشفافية الموثقة والمقنعة وكذلك الحسم السياسي تجاه الديموقراطية وتداول السلطة والتشاركية والارهاب والعلاقة مع الجوار والقضية السورية وبدون ذلك سيبقى الحدث التركي عرضة للتأويلات المتناقضة وذريعة سهلة للطعن بمصداقية الحزب الحاكم حتى من جانب حلفاء الناتو . 
  
القضية الكردية
 من الممكن أن يفتح فشل الانقلاب العسكري بكل حوامله وأسبابه ونتائجه آفاقا جديدة لحل القضية الكردية في تركيا فمن جهة تعطبت شوكة الجيش الذي وقف تاريخيا عائقا أمام الحل السلمي لتلك القضية وكان ومازال متمسكا بالحل العسكري المستحيل والذي كان سبب تحكمه بالقرار وتسلطه على مرافق الدولة بل كان المستفيد الأول من بقاء المسألة دون حل تماما مثل بعض الأوساط المستأثرة بسلطة – قنديل – الموالية لمحور الممانعة ( طهران – دمشق – بغداد ) والتي كانت في تداخل وتواطؤ مع الدولة العميقة كما كشفت عن ذلك وثائق ( أرغنكون ) ومن جهة أخرى يسجل لحكومة أردوغان السبق في التعامل مع الملف الكردي منذ عدة أعوام والتساهل في بعض الأمور الثقافية والاعلامية الكردية التي كانت من المحرمات .
 تشير التقارير الى أن الفضل الأكبر في افشال الانقلاب بالمهد يعود الى رئيس المخابرات – فيدان هاكان – وهو من باشر قبل أعوام في التواصل مع – عبد الله أوجلان – بسجنه وتوصلا الى مايشبه خارطة طريق لحل القضية الكردية في تركيا حيث نشرت في وسائل الاعلام وكادت أن تفتح تلك المبادرة الطريق الى تدشين العملية السياسية السلمية لولا عراقيل المتضررين من الجانبين : كبار ضباط الجيش وأنصار – غولن – من جهة والقيادة العسكرية المتنفذة في قنديل من الجهة الأخرى والآن فان الرجل الذي ارتبط اسمه بالحوار التركي – الكردي يحظى بنفوذ أكبر وأوسع في ظل ازدياد شعبية معلمه الرئيس أردوغان وهذا ماسيزيد من فرص نجاح اطلاق المبادرة السابقة خاصة وأن رئاسة اقليم كردستان العراق من اكثر الساعين الى التوسط ودفع العملية السلمية الى الأمام .
 لاشك أن اتفاق المعارضة والحكومة بشأن الانقلاب العسكري الفاشل باعتباره خطرا يهدد الجميع بمافي ذلك الأمن الوطني العام قد ينسحب ايجابا على مساعي حل القضية الكردية لأنها أيضا في عداد الأمور الاستراتيجية والمصيرية التي ترتبط بمصير تركيا دولة وشعبا ومستقبلا خاصة بعد رهان المعادين لشعوب تركيا وخاصة نظاما دمشق وطهران وكذلك روسيا على توسيع الهوة بين مكونات البلاد واثارة القلاقل والفتن القومية والمذهبية .
 ختاما أقول اذا ماأراد الرئيس التركي أن يخرج من هذه الأزمة بعقلية رئيس حزب وليس كونه رئيس دولة كبرى في المنطقة متعددة الأقوام والمذاهب والأطياف والتيارات السياسية أو استثمار الدعم الشعبي والمعارض من أجل مشروع حزبه الاسلامي أو حاول الاستقواء به للثأر لاخوان مصر أو غيرهم  على الصعيد الاقليمي فانه ولاشك سيواجه مستقبلا أكثر من انقلاب عسكري وهبات شعبية ولن ينال أي عطف خارجي حتى من أقرب حلفائه فهل سيتعظ ؟.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…