د. محمود عباس
تشير اغلب التوقعات أن امرأة ستحكم البيت الأبيض، وستصبح سيدة أمريكا، والعالم جدل، تطرح أسئلة عديدة حولها، مثلما طرحت قبيل دخول المواطن الأفرو-أمريكي رئيسا إليه. كيف ستكون مصير الصراعات العسكرية والسياسية في العالم حينها؟ هل ستكون أقل سكباً للدماء من عصور هيمنة الرجل؟ هل ستتمكن بأن تظهر للبشرية أن عصر التكنلوجيا الحديثة وضعت نهايات سيادة الرجل على المحك؟ خاصة ومنافسها يؤمن بهيمنة الرجل، والأبيض بشكل خاص، وذلك من خلال تصريحاته الاستفزازية، حول قضايا عديدة ومن ضمنها قضايا تتعلق بالمرأة، منذ بداية دخوله الحملة الانتخابية.
صراع حامي الوطيس يجري بين الجمهوري (دونالد ترمب-70 عاما) والديمقراطية (هيلاري كلينتون-69 عاما)، وهو أوسع من الخلافات الاستراتيجية المعروفة بين الحزبين الحاكمين. فيتجاوز المرشح الجمهوري دبلوماسية وأرستقراطية الحزب، المعروفة لأغلبية المواطنين الأمريكيين، ويضيف نهجه العنجهي على مبدأ الهيمنة الإمبراطورية واستخدام القوة في السياسة الخارجية كعامل رئيس للتطور الاقتصادي الداخلي والخارجي والدعم اللامحدود للشركات الرأسمالية العالمية؛ بينما تتمسك مرشحة الحزب الديمقراطي، مفتخرة، بالدبلوماسية المرنة، مع التركيز على القضايا الاقتصادية الداخلية، ودعم الطبقة الوسطى والدنيا في المجتمع الأميركي، والحد من هيمنة (الرابطة الوطنية للبنادق الأمريكية-RNA) لوضع قيود على حرية بيع أو شراء الأسلحة للمواطن الأمريكي، وتخفيض الضرائب عن الطبقة الوسطى وتصعيدها على الثرية بعكس الجمهوريين، وتسهيل الضمان الاجتماعي، ومساندة الدولة للعامة للحصول على التأمين الصحي، وتقليص ميزانية الدفاع الذي يتصاعد كلما استلم الجمهوريون السلطة والتي يركز عليها دونالد ترمب للحفاظ على خصوصية أمريكا الإمبراطورية بدون منافسة، ويركز الديمقراطيون على مجانية التعليم الجامعي أو حصره كما ركز عليه المرشح الديمقراطي بارني ساندرز، ومثلها رفع المستوى الأدنى للراتب، وحماية البيئة، وهجرة الشركات الأمريكية، والاكتفاء الذاتي من مواد الطاقة كالنفط، وقضية حرية المثليين والإجهاض التي يقف ضدها المحافظين من الجمهوريين وبقوة والذي يمثلهم حاضراً دونالد ترمب، وغيرها من القضايا الخلافية بين الحزبين، والمثارة بطرق وأساليب متنوعة من قبل مرشحي الحزبين.
وتبقى قضية ديون أمريكا، أحد أهم القضايا الاقتصادية المؤثرة سلبا على الأجواء السياسية -الاقتصادية في الفترتين السابقتين للرئيس براك أوباما، وهو العجز الذي ترضخ تحته الميزانية الأمريكية، بسبب الديون المتصاعدة، والبالغة قبل التراجع القليل حدود 19 تريليون دولار، حالياً بحدود 14 تريليون أي ما يقارب 70% من الدخل الوطني الأمريكي، والبالغ 21 تريليون، فالطرفين لا يبحثان فيها بشكل دقيق، لأنها تتعارض ووعودهما المستقبلية، المطروحة أمام المنتخب الأمريكي لكسب أصواتهم. ويتوقع العديد من المحللين الاقتصاديين، أنه خلال الدور الأول من حكم ترمب، وحسب برامجه العسكرية قد يتضاعف العجز، وستكون أقل في واقع كلينتون، وهي قضية بنيوية وبينة لهما، وكذلك لمستشاريهما الاقتصاديين، ويصمتون للغاية الانتخابية، أي عمليا يخدعون منتخبيهم، وبما أنهم يعرفون أن الواقع والوعود لن يتطابقا، فلا بد وإنها ستثار قريبا من قبل الإعلام الأمريكي والاقتصاديين، وبعض السياسيين، من الجهتين. حينها قد تحصل تبديلات في خططهم ونبرتهما الاقتصادية، وستكون الحنكة سيدة ساحة الصراع بينهما، ومدى قدرة الطرفين على خلق تلائم بين خططهم واستراتيجيتهم الاقتصادية وعجز الميزانية، وإقناع المنتخب الأمريكي بوجهة نظرهم.
هذه الخلافات أو بإمكاننا تسميتها بالصراع السياسي الانتخابي الروتيني والمعروفة لأغلبية الأمريكيين. لكن ما يجري حاليا بين المرشحين، دونالد ترمب وهيلاري كلينتون، تتجاوز الحدود الدارجة، بعضها تعكسه الخلفية الاجتماعية والاقتصادية التي تربى عليها مرشح الجمهوريين، إلى درجة أن أقطاب من الحزب، أصبحوا ينتقدون وبقوة أسلوبه المستفز وتصريحاته الشاذة وردوده المثيرة للجدل، وكذلك خططه السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية، علماً أنهم ضد المرشحة الديمقراطية، وهم على خلاف حاد معها ومع برامج حزبها، ومن بينهم رئيس مجلس النواب (بول راين-46 سنة) والمرشح كنائب للرئيس في الحملة الانتخابية الماضية مع المليونير ميت رامني عام 1912م، ضد براك أوباما. وكذلك سناتور ولاية أريزونا المحافظ المخضرم (جان مكين-80 سنة) والذي يخدم في مجلس الشيوخ وأحد الأقطاب البارزين في الحزب الجمهوري، منذ 1987م، ناشرا أن دونالد ترمب يقسم الحزب، عليه أن يركز على توحيده، وعليه أن يعتذر من المحاربين القدماء وليس مني في تهجمه السابق، فهو رجل أعمال مغامر أكثر من كونه رجل سياسة، بعد أن شكك ترمب في ميداليته الذهبية الحاصلة عليها في حرب فيتنام، وقال قبل شهور بأن جان مكين ليس ببطل حرب، وقال إن سجناء الحرب لا يستحقون وسام البطولة. كما ونقده في سياسته الخارجية. وقبله هاجمه وبقوة المرشح الجمهوري السابق ميت رامني، والسناتور الجمهوري لينزي كراهام، ولا يزالان يرفضانه كمرشح للحزب، وهناك غيرهم.
وعلى خلفية تبجح المرشح الملياردير وصاحب شركات العقارات العالمية الضخمة، بخبرته في الاقتصاد، وبأنه سينقذ أمريكا من عجزها الحالي، البارحة، وعلى مدى أكثر من ساعة، في مدينة كولومبوس ولاية أوهايو، هاجمته المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وأتت على جزئيات سياسته الاقتصادية، وحللت خططه وتاريخه، وبحسب رأي العديد من الاقتصاديين، والمحللين السياسيين الذي خرجوا على الإعلام، وكتبوا، على أنها استطاعت أن تطعن وبحجج قوية ومتينة في سياسته وتاريخه الاقتصادي، كرجل أعمال، وكملياردير، وخططه للمستقبل. وقفت مطولاً على المرات الأربع التي أعلن فيها الإفلاس، وغايته منها، وما خلفه من تدمير لحياة العديد من المواطنين والعمال، والشركات التي كان يتعامل معهم، وكيف خرج رابحا، اعتبرته بهذا مخادعا للشركات الصغيرة ومتحايلا على البنوك، كما ونبهت بأنه رجل أعمال مغامر فشل ولمرات أكثر من أن يكون خبير اقتصادي، والمغامر لا تسند إليه زمام الدولة ومصير الشعب الأمريكي، ولا يعتمد عليه في إدارة الاقتصاد الأمريكي، وسيؤدي إلى تدميره، نبهت المنتخب الأمريكي بخدعه الاقتصادية كالتي عملها مع طلاب جامعته، ومشاريعه، مثلما فعلها أثناء بناء كازينوهات أتلانتيك وبيعه لها وإغراق شركائه في خسارات مقيته، ذكرت بأنه سيبني جدران العزلة بين أمريكا والعالم بدل الجسور ضمن أمريكا، وسيرفع من الضرائب للطبقة المتوسطة وسيخفضها لشريحة الرأسماليين الكبار وهو من ضمنهم، وقد جاءت على خلفية عدم إظهار ترمب لسجلات ضرائبه، معتبرة بأنها قد تتضمن تحايل وخدع على الدولة، وذكرت بأنه يدفع لذاته ولشركاته في حملته الانتخابية، وأن مصاريفه كلها تعود إليه، فهو يقيم في فنادقه وينتقل بطائرته ويصرف من مؤسساته وعلى مؤسساته، وينقصها من ضرائبه، كمصاريف يسرقها من نسبة الضرائب، وقد ذكر هذه النقطة بعض الجمهوريين أيضا، كما وذكرت بأنه تعرض لأكثر من 3500 دعوة قضائية له وعليه، وعرضت قضايا أخرى، بعضها تندرج ضمن الخلافات الدارجة بين الحزبين…
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamkurda@gmail.com
22/6/2016م