قهرمان مرعان آغا
قبل إندلاع ثورة الشعب السوري أو خلال مسيرتها , كانت المشَاهِدْ في كل من تونس والقاهرة و طرابلس وصنعاء , توحي بأن إسقاط الأنظمة المُجرمة في الشرق الأوسط ,قد بدأت بالتوالي وإنها لن تتوقف عند واقعة هروب دكتاتور و تنحي آخر وسجنه وقتل ثالث و خلع رابع , بل ستطال المؤسسات الأمنية والعسكرية التي سخَّروها في قمع شعوبهم وديمومة حُكمِهم وتَسلُّطِهم , وإنَّ إحتمالات قيام الثورة المضادة المتثملة بحكم العسكر والقوى الرديفة لها وكل مناهضي التغيير في الداخل والخارج, واردة جداً , حيث سيعملون على إجهاض تلك الثورات أو إستثمارها لصالحهم من خلال البحث عن تموضع جديد بين قوى التغيير التي غالباً ما تكون متنازعة على السلطة , و حصل ذلك بالفعل في كل من تونس وليبيا و مصر و اليمن بفوارق نسبية , وبموازاة ذلك كان التوجس والخوف يسودان الشارع السوري من مغبة لجوء النظام المجرم للحل العسكري في مواجهة الثائرين السلميين , لما له من تاريخ دموي وسوابق في مواجهة معارضيه , ولطبيعة تشكيلات الجيش والأمن والداخلية والتي يهمن عليها الطائفية السياسية , وكان لسان حال الإنسان المُدرك لطبيعة الأمور بأن النظام سيقاتل في مواجهة الشعب العاري حتى الأخير بعد أن نجح في جَر الثورة السلمية الى الحرب والإقتتال الأهلي مع إختلاف ميزان القوة لصالحه مئة بالمئة , إذا لم يحدث تدخل خارجي .
بل على العكس حصل التدخل الخارجي و التعبئة المذهبية و المساندة لصالح النظام , كما نجح و حلفاءه في إختراق الطرف الآخر ( الأكثرية السنية) , بمجموعات التطرف و الإرهاب , توجت بظهور ( داعش ) وتمددها على طرفي الحدود السياسية بين العراق وسوريا , هنا حُدّد الأولويات بمحاربة الإرهاب بدل إسقاط النظام من قبل الأصدقاء المفترضين للشعب السوري وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية و تم ربط القرارت الأممية الخاصة بحماية الشعب السوري من جرائم النظام بالتسوية السياسية دون حل ردعي يغير موازين القوة على الأرض للحيلولة دون سقوط المزيد من الضحايا المدنيين الآمنين , هكذا أصبحت الثورة يتيمة , لا معيل للشعب الثائر سوى الموت , فتفرق ابناءه في الجوار الاقليمي والمنافي , وكانت رؤية السوريين للواقع صحيحة فيما يتعلق بهضبة الجولان و التسوية السلمية مع اسرائيل , حيث تعمّد النظام ممثلاً بالدكتاتور حافظ أسد , إبقاء النزاع دون تفاقم ودون حل , على عكس مصر والاردن و منطمة التحرير الفلسطينية التي توصلت الى سلام منذ أوائل تسعينات القرن الماضي , حتى تبقى أسرائيل حارسة لنظامه , كما هو باقٍ حارس للجولان في صفقة تاريخية لتبادل المنفعة .
المشهد السوري الآن ناتج عن وضع سيناريو مشترك للقوى الكبرى أمريكا وروسيا وهما بإتجاه التنسيق أكثر فيما يتعلق بمحاربة داعش وتحرير منبج والرقة تزامناً مع تحرير الموصل , في محاولة لإبقاء مناطق السيطرة في حدودها الجغرافية المرسومة بالتماس . لهذا فإن المناطق التي تحررها القوى المحلية بمساعدة التحالف بقيادة الامريكان , لن يسمح للنظام بالإقتراب منها وستقوم بدعم الحكومات المحلية التي ستقام على أنقاض داعش , لهذا السبب يمكن أن يحدث نوع من التجافي في العلاقة بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية المتمثلة بحزب الإتحاد الديمقراطي وقد يصل إلى حد التخاصم والنزاع في الجزيرة وبخاصة في مدينتي القامشلي والحسكة إذا ما تحققت لتركيا إستعادة العلاقة مع نظام الأسد و اللعب بالورقة السنية السورية بإسلوب مغاير عن السابق .
مقابل التمحور الدولي يتشكل إعادة إصطفاف اقليمي يمثله تركيا وإيران , بالتعاون مع النظام السوري والقوى الشيعية العراقية لإجهاض أية محاولة لتشكيل إقليم كوردي فيدرالي بأمر الواقع , من خلال زعزعة الإستقرار فيه , و ضرب المكونات المتعايشة مع بعضها البعض , وقد تغير تركيا سياستها وفقاً لتداعيات الإنقلاب العسكري الفاشل الذي استهدف الحكم المدني حيث اثبت الشعب حرصه وحمايته للتجربة الديمقراطية (البرلمانية) التي تعيشها تركيا منذ آخر إنقلاب كارثي في 1980 .
لهذا على حزب الإتحاد الديمقرطي مراجعة سياساته الإستفرادية و من المفيدجداً الإستعجال في إعادة بناء العلاقة القومية على أسس جديدة مع المجلس الوطني الكوردي أو العودة إلى الإلتزام بضمان تنفيذ إتفاقيتي هولير ودهوك . طبعاً لن يحصل هذا دون إتفاق القوى الكوردستانية المتنفذة في الساحة ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني _ حزب العمال الكوردستاني _ الإتحاد الوطني الكوردستاني ) .
في الجانب الآخر الدول العربية المتمثلة بالسعودية ( بما إنها منشغلة بحرب اليمن على حدودها )و الأردن و القوى السنية في العراق العربي لن تكون بمعزل عن خطط التنسيق مع التحالف الامريكي بعد تحرير الرقة والموصل على أمل تشكيل مَصَدْ جغرافي ( يشمل المحافظات السنية ) لوقف تمدد النفوذ الايراني وقد يكون البديل المفترض هو دعم مسعى الرئيس بارزاني في إجراء إستفتاء لإعلان إستقلال كوردستان العراق إضافة إلى دعم الكفاح المسلح في كوردستان إيران لمجابهة التغول المذهبي للجمهورية الإسلامية بإتجاه الخليج .
فالمشهد السوري على الإرض قد يسوى سياسياً بحكم الواقع الحالي , و بإحداثياته العسكرية المتبدلة و المتغيرة وفقاً لسخونة القتال في الجبهات و المحاور ريثما يصل الاطراف الى قناعة بعدم جدوى الإحتفاظ باراضي قد تكون سبباً لإدامة أتون الصراع بين أضداد على مذبح خارطة الدم لبلد مجزأ ومقسم .
دويتشلاند – في 17/7/2016 .