بعض مشقة حاجة

محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
يميل الإنسان في أحواله العادية إلى السهولة والبساطة والسلوك الأقل عبئا وثقلا وتكلفة… قد يكون هذا طبيعيا وينسجم مع ميله إلى الراحة. لكن تركيبة الحياة لا تبدو منسجمة مع هذا الأمر. بدليل أن قطع مسافات –وهي جزء من حاجات الإنسان-يحتاج مشقة. وان توفير الطعام منذ الزراعة والرعاية والحصاد والإنضاج… يحتاج مشقة. وإن تحصيل المعرفة والعلم واكتساب الخبرة … وتكوين فهم عميق للكون والحياة فيها وتفاصيل الحياة الاجتماعية واختلافها من بلد لآخر، من عهد لآخر… وبناء مواقف …جميعا فيه مشقة. فكل اقتناء وكسب ومعالجة وبحث واكتشاف وإبداع …الخ. يحتاج إلى جهود ومشقة فيها. 
لذا قيل منذ القديم أمثال وحكم تشير إلى هذه الحقيقة وفي اللغة الكوردية مثلا مثل يقول: Pî kulo, Lêv şilo ويعني في صيغة خطاب ربما: ذا الرِّجل المتألم من القروح، شفتاه ندية. أي طعامه طيب وندي. وفي اللغة العربية كثير كالقول: “المصاعب محك الرجال” أو قول الشاعر: بقدر الكد تكتسب المعالي=ومن طلب العلا سهر الليالي فاكتساب نمط حياة ومعيشة ذات أهمية، يحتاج جهودا ومشقة، ومن باب أولى ذكاء ووعيا وشعورا عاليا بمسؤولية الحياة واتجاهات العيش فيها. قضايا معقدة، وأحيانا عصية على الفهم بالنسبة للناس الذين حُرموا فرص التعلم والمعرفة… لأي سبب كان –ذاتي أم موضوعي-وبالتالي، حُرموا الفهمَ الصحيح لطبيعة الحياة. على الرغم من أن مستوى الفهم الصحيح ليس متاحا أحيانا للذين يحوزون تحصيلا معرفيا عاليا. فكأن أسرارا في الكون، والحياة فيها؛ لا تنكشف للإنسان إلا ضمن شروط عليه إن يعرفها ببذل جهود. وحتى في هذه الحالة فان الكشف يبقى متدرجا مرتبطا بشروط لا تتوفر في كل وقت. الفلسفة دائما تطرح أسئلة وتبحث عن الأسرار. جاء من تبنى أيديولوجيا تستند إلى المادية وفهم الحياة على أنها لم تعد بحاجة لطرح أسئلة وإنما فقط تطوير العلوم واكتشاف كل شيء، فسقط الفضول الفلسفي لدى هؤلاء وتأثر كثيرون بذلك، خاصة الشباب، الذين يحتاجون زيادة في المعرفة ونضوجا لها، وذوا الفهم الضعيف عموما. 
وها نحن نعيش ظروفا غامضة، وتبتكر وسائل عنقية جديدة تتجاوز كل الوسائل والاحتياطات الأمنية وتكون موجعة جدا للبشرية لما فيها من روح حقد كأنها بلا هدف سوى تفريغ شحناتها. سائق شاحنة “نيس” في فرنسا لم يكتف بقتل شخصيات محددة، وإنما ظل يسوق شاحنته مسافة كيلو مترين وهو يحصد أرواح أناس لا يعرف عنهم شيئا لا انتماءهم القومي ولا الوطني ولا الديني ولا أي جنس هم أو أي عمر حتى أن الأخبار (العربية الحدث) تقول أن خمسين طفلا يرقد في المستشفى. عدا عن القتلى الذي يتجاوز –ربما الثمانين. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…